مخدرات خالد يوسف والحصانة البرلمانية
سعيد السنى
الثلاثاء ٣١ يناير ٢٠١٧
سعيد السني
يرجع ميلاد «الحصانة البرلمانية» بفرنسا إلى عام 1790م، عندما قررتها الجمعية التأسيسية عقب الثورة الفرنسية، لحماية «عضو البرلمان» من الحبس في جرائم ملفقة، بهدف مضايقته حكومياً، ومنعه من مباشرة مهامه النيابية.. الفقيه الراحل الدكتور مصطفى أبوزيد فهمي أستاذ القانون العام، ووزير العدل الأسبق، يلخص هذه الحصانة بأنها «ليست امتيازاً شخصياً للنائب يتحدى به القانون.. بل لتمكينه من أداء واجبه، فلا تستطيع الحكومة أن تقبض عليه لتهم كيدية».. إذن يُحسب للنائب خالد يوسف، عضو مجلس النواب، أنه لم يعتصم بـ«الحصانة البرلمانية» التي يتمتع بها، ولم يرفعها متمسكا بها، ومتحدياً، في مواجهة تعسف سلطات مطار القاهرة الدولي التي يبدو أنها كانت متربصة له، عند سفره إلى باريس يوم الأحد الماضي.. فقد امتثل «يوسف» طواعية لتفتيش حقيبته، على سند أن جهاز فحص الأمتعة كشف عن وجود جسم معتم بها، والذي أسفر عن ضبط 100 قرص مخدر بحوزته، ومن ثم استيقافه، والقبض عليه، وإلغاء سفره، وإحالته إلى النيابة العامة، متهما بحيازة «مواد مخدرة».. هكذا صرح «مصدر أمني» للمواقع الإلكترونية الإخبارية ومحطات التيلفزيون.. مثل هذه النوعية من الأخبار «السو»، تنتشر كما النار في الهشيم، وتحظى بتوافد كبير عليها من الجمهور، وتتدفق عليها الإعجابات، ويتم مشاركتها، بتوسع على صفحات التواصل الاجتماعي.
لاحقاً تبين أن الأقراص المضبوطة هي عقار «زانكس» الدوائي المعالج للصداع النصفي، وأن المضبوط هو «علبة» من هذا الدواء، عبوتها المعتادة 100 قرص موزعة على عشرة شرائط.. الدواء موصوف لزوجة «يوسف»، بروشتة علاجية من أحد أساتذة الطب.. ثم تقرر «إخلاء سبيل النائب من سراي النيابة».. مثل هذا الخبر «الطيب»، لا يأخذ حظه من الانتشار، ولا الإعجابات، كما الخبر السو بضبط الأقراص المخدرة مع النائب.. دوماً تحظى الفضائح والاتهامات والجرائم، بالقبول الإعلامي، والانتشار الجماهيري السريع جداً.. فإذا تمت تبرئة المتهم، فإن كثيراً ممن علموا بالتهمة لا يسمعون عن البراءة، وإن سمعوا أو عرفوا، فلا يهتمون.. هكذا كانت الضربة للنائب خالد يوسف، والتشويه بفضيحة حيازة المخدرات، أو لعلها قرصة أُذن كما يقولون.. ربما لاختياره الانضمام لـ«تكتل 25-30» المعارض بالبرلمان، بدلاً من «ائتلاف دعم مصر» المؤيد.. لم تنفعه عضويته بلجنة كتابة دستور 2014، وقبلها تأييده لثورة 30 يونيو، ولا الإشراف على تصوير وإخراج أفلام وصور الحشود المليونية التي أسقطت نظام الحكم الإخواني، وما ناله سباباً من «الإخوان» لمواقفه المناهضة لهم.
يلح على الذهن سؤال.. كيف للمصدر الأمنى الذي تولى ترويج الفضيحة المزعومة إعلامياً، الجزم بأن الاقراص المضبوطة هي «مواد مخدرة» محظورة بالمطلق، حتى أن كل قارئ للخبر ظن أنها من «الترامادول» الذي يتساوي في التجريم مع الحشيش والهيرويين؟.. معلوم حين يتم ضبط مخدر الهيروين أو الحشيش أو الكوكاكيين أو حتى الترامادول، وغيرها، يُشار إلى الاشتباه بها.. فإذا تم ضبط قطعة حشيش مثلاً، فإن الضابط لا يؤكد في محضر الضبط أنها «حشيش»، بل يقدم وصفاً لها، بأنها مادة بنية اللون «يشتبه» أنها لمخدر الحشيش، وللهيرويين (مادة بيضاء يشتبه بأنها هيروين)، وهكذا، إذ يتم إرسال المضبوطات إلى المعمل الكيماوي، ليكون تقرير المعمل، وليس «المصدر الأمني»، هو الفاصل والقاطع إن كانت المادة المضبوطة مخدرة من عدمها.
على ذكر «الحصانة البرلمانية»، وقضية خالد يوسف.. لماذا يتم إسباغ الحماية على النواب «الموالين»، بينما التربص والتعسف هو نصيب «المعارضين» أو الرافضين لسياسات حكومية؟.. فـ«مجلس النواب» يرفض بشدة رفع الحصانة عن العديد من نوابه التابعين لـ«دعم مصر»، منهم طلب المحامي عصام الإسلامبولي، ضد مرتضى منصور، لتعدي الأخير عليه بطرقات إحدى المحاكم، ولم يحسم البرلمان موقفه من طلب «النيابة العامة» رفع الحصانة عن مرتضى أيضاً، للتحقيق معه فيما هو منسوب إليه، من تهديد اللاعب أحمد حسن بالقتل، ولم يستجب المجلس لطلب النائب العام، بتجريد النائب أشرف العربي الرئيس السابق لمصلحة الضرائب من حصانته، لاستجوابه في قضية أموال عامة، مثلما كان الرفض هو مصير طلبات رفع الحصانة عن النواب خالد بشر، وجازي سعيد، وربما غيرهما.
إن الحصانة البرلمانية ومنذ ميلادها مشرعة لحماية أمثال خالد يوسف وأقرانه المعارضين من عسف السلطة وتعسفها، وليست لتحصين المؤيدين من المحاسبة القانونية على ما يقترفونه من «جرائم»، حتى ولو متعلقة بأموال عامة وتهديدات بالقتل.
نسأل الله السلامة لمصر.