الأقباط متحدون - نفتقد هذا الرجل!
  • ١٢:٠٢
  • السبت , ٢٨ يناير ٢٠١٧
English version

نفتقد هذا الرجل!

مقالات مختارة | مفيد فوزي

٢٧: ٠٧ ص +02:00 EET

السبت ٢٨ يناير ٢٠١٧

مفيد فوزي
مفيد فوزي

الافتقاد فى أدبيات المشاعر هو الإحساس بغياب قيمة وقامة.

■ ■ ■

عرفته واقتربت منه وأحببته. أحببت الإنسان قبل العالم. أحببت المصرى «المعمَّد» بماء النيل قبل أستاذ الاجتماع المتوغل فى طبقات مصر. أحببت الباحث المتواضع الدؤوب قبل الشخصية التى خطفت الأضواء. أحببت الوطنية المتدفقة فى عروقه قبل علمه الغزير. أحببت «مغارة العلم» وبيت الثقافة و«صومعة الحكمة». أحببت د. سيد عويس.

■ ■ ■

وطن لا يعرف «سيد عويس» وخصوصاً شباب مصر المنكفئ على النت، فهو الفيلسوف والمصلح الاجتماعى هو العاشق لتراب بلده الذى عايش ظروفه وتفاعل معه وبحث فى الجذور والأسباب والظواهر. هو الذى حاول أن يقدم رؤية تحليلية تشريحية لظاهرة العنف والتطرف. هو الذى كرَّس علم الاجتماع لفهم مصر الكيان والتاريخ والمنحدر والصعود. هو الذى قال لنا إن رجل الشرطة كإنسان هو خلق تاريخى يأخذ من المجتمع ويعطى ما يأخذه إلى المجتمع الذى فى ضوء سلطته وسلطانه قد يتحكم فى أعضاء هذا المجتمع كأحد موظفى الضبط فيهـ وشخصيته تلعب دوراً مهماً فى النسق الاجتماعى فى مكافحة الجريمة وحفظ الأمان فى ربوعه. هو الباحث دائماً عن «العقلانيين» القادرين على إحداث التغيير فى السلوك بالكلمة، والصورة، والاثنتين معاً. هو الذى يوقر كبار السن فى المجتمع وخاصة فى ريف مصر ويحترم الصغير. هو الذى يعتبر الأبوين «قادة ثقافيين».

■ ■ ■

كنا نطلق على «سيد عويس» الضمير الحى للمجتمع فى همومه الذاتية وتطلعاته المستقبلية. آخرون أطلقوا عليه «رسول الفقراء والمهمشين». مرة قلت له ضمن حوار صحفى: ما بصمات غزو المستعمر الأجنبى لمصر؟ قال «لقد غزوها فى عقر دارها ومصر أيضاً غزت المستعمرين الأجانب فى عقر عقولهم». كان يقول لنا فى مجالسه الخاصة «مصر بلد قديم قدم الدهر مستمر استمرار الحياة. مستقر استقرار لا ولن يتزعزع».. قلت له مرة: «من يحمى مصر؟ قال الخالق منح هذه الأرض روحاً لا تفنى» سألته فى حوار عن المرأة المصرية، فقال: «لن ترتفع هامة مصر إلا إذا ارتفعت هامة المرأة المصرية».

■ ■ ■

كان سيد عويس يحب مصر «بعقل مفتوح وبقلب متدفق»..

1- مثلاً كان يرى أن العوامل والمؤثرات المضادة لصحة المنهج العلمى والتى تعرقل تنفيذ خطواته هى: الانفعالات والعواطف والأحاسيس والرغبات والمعتقدات الخاطئة والفكر الشائع والنفوذ والإعلام غير الموضوعى والمضلل والخرافة.. كأنه كان يتنبأ.

2- كان يرى أن «الأمية» عائق كبير أمام التنمية المرجوة وعطاء أجهزة 1 X
ads.speakol.com
الإعلام والثقافة عامل من عوامل عدم كفاءة الأميين.

3- كان يرى أن عملية التغيير تهدف إلى إعداد عضو المجتمع المصرى ليؤدى أدواره الاجتماعية التى يتوقعها منه هذا المجتمع. وأن يكون الشخص ذا اتجاهات فكرية نحو من يحيط به من الناس وأعنى بها الخير وليس الشر. هل قرأ الغيب؟

4- كان يرى أن النهج العلمى الذى يحلم به لمصر هو «معرفة يعتد بها».

5- كان يدرك أن المصريين إذا غنوا «اشتكوا» وإذا تحدثوا عن أنفسهم «اشتكوا» وهم يغنون للصبر أيضاً. وينسبون أشياء كثيرة تحدث فى حياتهم للمفاهيم الغيبية «هتاف الصامتين» وهى ظاهرة الكتابة على هياكل المركبات، ما يشى برواسب ثقافية واجتماعية بالية. ومازالت جارية.

ما أورده سيد عويس فى بحوثه يؤكد وجود «ألغام» و«رواسب» فى طريق التقدم «عض قلبى ولا تعض رغيفى»، فأنت إذا اقتربت من لقمة عيشه غضب وزمجر وسخط حتى لو كنت تبنى له مستقبلاً لأولاده وأحفاده «شوفنى النهارده وموتنى بكرة» شعار يتردد عام 2017.

■ ■ ■

كان التواضع الشديد مع الاعتداد بالذات عنوان شخصية د. سيد عويس. كان يقول دائماً «لا تكن متعجرفاً» ولا تكن متعجرفاً بعلمك. كان يرتدى الجلابية فى بيته ويسميها «زى المصريين». كان متسامحاً يردد «أعقل الناس أعذرهم للناس». كان معاتباً رقيقاً قبل أن ينطلق قطار الغضب «العتاب هدية الأحباب». كانت عائلته تقدره و«نتباهى به هذا الرجل المعطاء». كان يطلق على خبراته المتراكمة فى رأسه «التاريخ الذى أحمله على ظهرى». وقد أقامت جمعية الخدمات الاجتماعية بحى بولاق حفل تكريم منذ شهور للدكتور سيد عويس بمناسبة مرور مائة عام على ميلاده - يرى ابنه د. مسعد عويس أن سيد عويس استمر إلى آخر لحظة من عمره «باحث علمى اجتماعى وظل راصداً لأنماط السلوك الاجتماعى وإليه تعود نشأة مهنة الخدمة الاجتماعية فى مصر». قبله كان البحث العلمى الاجتماعى مجرد اجتهادات وجعل منه سيد عويس منهجاً.

■ ■ ■

ما أحوجنا إلى سيد عويس فى هذا الزمان المنفلت ليقرأ كف الشخصية المصرية وما آلت إليه بعد ثورات «الربيع» العربى!، ما أحوجنا إلى سيد عويس يحلل لنا كيف ولماذا أخرج الشعب المصرى - بعد 25 يناير - أسوأ ما فيه!. ما أحوجنا إلى سيد عويس يغوص بفكره فى أنماط السلوك المعيبة فى حياتنا. ما أحوجنا إلى سيد عويس يكتب لنا روشتة إصلاح لمجتمع مريض منقسم!. ما أحوجنا إلى سيد عويس يقول كلمته فى بلطجة هذا الزمان ورشوة القادرين لهذا المجتمع!.

ما أحوجنا إلى سيد عويس يفسر لنا سر إحساسنا بالزعامة واحتكار الحقيقة ونبذ الآخر وإعلان الكراهية عليه.

■ ■ ■

نفتقد د. سيد عويس.

فى الشأن العام

1- يا عزيزى الوزير الجديد: لا تشغل بال معاليك بالإعلام أو مواقع التواصل. فهما «الحلو المر».

2- كتابات د. رضا عوض فى التاريخ القديم والحديث، معرفة جديرة بالاطلاع عليها. رضا عوض لواء طبيب «فى العلاج الطبيعى».

3- من «العملات» النادرة هذا الزمن الوفاء والشهامة. اختفيا من السوق.

4- مولانا إبراهيم عيسى: أسعدتنا بفيلمك يا شيخ.

5- صفارة لأبوتريكة: «أوفسايد» أى تسلل.

6- «نفسنة» أخف دم برنامج ستات «على القاهرة والناس» ومقدماته نجوم شهدنا لهن بخفة الظل والحضور والذكاء.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع