الرئيس والطلاق التحريري
سعيد السنى
الجمعة ٢٧ يناير ٢٠١٧
سعيد السني
فَجرَّ الرئيس عبدالفتاح السيسي جدلاً فقهياً واسعاً، في كلمته بمناسبة عيد الشرطة (الثلاثاء الماضي)، إذ استنكر وقوع الطلاق بناءً على «كلمة» منفردة من الزوج، داعياً إلى سَن قانون يمنع الطلاق «الشفوي»، وحتمية أن يكون تحريرياً، بهدف فرملة الزوجين، لمراجعة أنفسهم.. الرئيس توجه بالسؤال إلى «الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر»: كلامي صح ولا إيه.. كأنه يريد استنطاقه، وانتزاع فتواه، بتحريم «الطلاق الشفوي»، وعدم وقوعه إلا موثقاً أمام المأذون.. لكن «الطيب» لم يجب.
بعيداً عن الجدل الفقهي المشتعل.. فإن الرئيس استند إلى تقارير كاشفة عن ارتفاع نسبة الطلاق إلى أرقام مُخيفة.. فحسب نقابة المأذونين، فقد تم عقد مليون زيجة، في العام الماضي (2016م)، مقابل 400 ألف حالة طلاق موثقة (طلاق تحريري).. هذه الأرقام تتوافق مع «بيانات» الأمم المتحدة، ومركز معلومات دعم القرار بمجلس الوزراء، التي تشير إلى تصاعد «نسبة الطلاق»، من 7% فقط، إلى 40%، خلال 50 عاماً، وأن 240 حالة طلاق (تحريري) تقع يومياً، فيما بلغ عدد المطلقات مليونان و500 ألف مطلقة.
ظني أن القضية الأهم هي «أسباب الطلاق».. ذلك أن الغلاء المعيشي، وشيوع الفقر وتزايد انتشاره، يتبعه عجز الزوج عن الإنفاق على أسرته، بما يدفع أزواجاً كثيرين، إلى الطلاق هرباً من المسؤولية.. كما أن سوء «العلاقة الحميمية» بين الزوج والزوجة هو من الأسباب المهمة للانفصال.. فإلى جانب ختان الإناث، وعوامل صحية راجعة إلى الزوج، فإن هذه العلاقة تتأثر حتماً بالضغوط الحياتية اليومية، وانهماك الزوج في أكثر من وظيفة، والعمل صباحاً ومساءً، لتوفير مطالب أسرته، بما ينال منه نفسياً ومزاجياً، على خلفية الإرهاق وقلة ساعات النوم، والتوتر والعصبية المصاحبين في مثل هذه الحالات، ومن ثم تسوء علاقته وتعاملاته مع زوجته، وتزداد الحدة والمشاجرات بينهما، والعنف وضرب الزوجة أحياناً، بما قد يصل إلى وقوع جرائم، رغم أن «الزواج»، ربما جاء عن حُب، لكنه الفقر يهزم الحب غالباً.. هذا فضلاً عن تزويج بعض الأسر الفقيرة لبناتها في سن صغيرة، مقابل المال، أو تخلصاً من مسؤولية الإنفاق عليهن، ومثل هذه الزيجات غالبا محكوم عليها بالفشل.
حديثاً صارت «مواقع التواصل الاجتماعي» مثل فيس بوك وغيره، رافداً للطلاق.. فهي عامل متصاعد الأهمية في انشغال الزوج عن زوجته، أوالعكس، ووقوع «خيانات زوجية إلكترونية»، تنتهي إلى انفصال الزوجين طلاقاً.. ناهيك عن التدهور القيمي الذي طال مجتمعنا، وتراجع المودة والاستقرار والدفء الأسري، والتضحية من أجل الزوجة والأبناء، لصالح قيم رديئة مثل المظهرية التي تزداد معها الأعباء المادية، والأنانية والانتهازية، وسيادة مبدأ «نفسي وليهلك الجميع من بعدي».. النتيجة هي الطلاق، وأيا كانت الأسباب المؤدية إليه.. فإن عواقب وخيمة جسدية ونفسية، وآلاماً اجتماعية تمسك بخناق المطلقة، ولا يسلم الزوج، بخلاف إصابة أبناء هذا الفشل الزوجي، بالعدوانية والتشوه والتمزق والاضطراب، وكلها بدايات تقود للمرض النفسي، وأحياناً التشرد، والانضمام إلى أولاد الشوارع، وربما عالم الجريمة.
إذا أضفنا إلى ماسبق وجود نحو تسعة ملايين عانس، فات عليهن قطار الزواج، وأن «الزواج» الآن صار حلماً صعباً لملايين الشبان، بسبب البطالة، وتراجع «الأمل» في غد أفضل، سيما أن شقق «الإسكان الاجتماعي» المزعوم حكومياً أنها لمساعدة الشباب، بعيدة المنال، فهي بمُقَدَم 45 ألف جنيه، وقسط شهري كبير، يزداد بنسبة 7% سنوياً.. فمن أين لشاب بالمبالغ اللازمة لاقتناء الشقة، وتكاليف الزواج، بينما هو ليس لديه عمل أصلاً، أو يعمل بأعمال مؤقتة متغيرة الأجر.. هذا إذا تغاضينا على الشروط التعسفية والورقية التي تحول عملياً دون حصول كثير من الشباب على هذا المسكن الاجتماعي.
إن «الطلاق» بهذه النسب المرتفعة، سواء كان شفوياً أو تحريرياً، و«العنوسة»، وعدم زواج الشباب.. كلها مشكلات اجتماعية كارثية، تستلزم اهتماماً بحثياً، لدراستها علمياً، وصولاً إلى توصيات بحلول عملية لها.. لدينا «المركز القومي للبحوث الاجتماعية الجنائية»، جدير بهذا «البحث» بما يتوفر له من إمكانيات وكوادر علمية.
بقي أن الاكتفاء ب«الطلاق» الشفوي عوضاً عن التحريري، يكون أحياناً، تهرباً من أتعاب المأذون، أو حفاظاً على الشكل الاجتماعي للأسرة والأبناء.
نسأل الله السلامة لمصر.
Saidalsonny2@gmail.com