هل «يناير» أهم الثورات؟
مقالات مختارة | حمدي رزق
الخميس ٢٦ يناير ٢٠١٧
وسك الدكتور أسامة الغزالى حرب فى «الأهرام» وصفاً لثورة يناير: «أهم ثورة فى تاريخ مصر»، قد يذهب البعض وراء الدكتور أسامة وصفاً، وقد يرفضه البعض بالكلية، وقد يستنفر طائفة من المؤمنين بأن «ثورة يوليو» هى الأهم تاريخياً وواقعياً، وقد يذهب البعض بعيداً إلى أن «ثورة 1919» هى الثورة الأم والأهم، وجميعاً يتجاهلون أن «ثورة يونيو» هى خاتمة المطاف.
وعليه أقرر بعقل بارد أن عقد ثورات شعب مصر الفريد متواصل تواصلاً يجعل من كل ثورة مثل حبة فى عقد ينظمه شعب لا ينام على ضيم، ولا يصمت على ظلم، وحكمته مستقاة من شاعر الثورات العظيم أبوالقاسم الشابى: «إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَاةَ.. فَلابُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَدَر. وَلابُدَّ لِلَّيْلِ أنْ يَنْجَلِى.. وَلابُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَنْكَسِر».
أخشى أن التعصب لثورة يناير يحك أنوفا تأنفها وتتعصب لثورة يونيو، ويُغضب حماة ثورة يوليو، ويبخس رواية مؤرخى ثورة 1919، ما هو أهم وأبقى أن نقف احتراماً وإجلالاً من ثورة هذا الشعب وننتصر لشيوخه وشبابه ونسائه، لكل ثورة نجاحاتها وإحباطاتها، ولكل ثورة رموز صعدت فوق أكتاف الجماهير تشرئب أعناقها لفجر جديد.
القضية ليست احتفاء بثورة يناير نكاية فى ثورة يونيو، أو بخساً لثورة يوليو، أو تجاهلا لثورة 19، وإحقاقاً الدكتور أسامة الغزالى ليس من أصحاب هذا المذهب فى الانتقاء أو الانتفاء أو البخس أو التجاهل، ولكنها للأسف أصبحت سمة للآخرين.
هناك مَن يمقت ثورة يناير ويراها سبباً للخراب والدمار، وينتصر لثورة يونيو باعتبارها خلصت مصر من الإخوان والعملاء، وهناك مَن يرى ثورة يناير نورا ونارا، وهناك مَن يراها من فعل القدر، ولا يرى غيرها، ويبخس سواها، ويذهب إلى رفض ما قبلها وما تلاها، ثورة يونيو تحديداً.
نفى الآخر آفة ابتُلينا بها، وألقى بذرتها الإخوان والتابعون يوم أشهروا قانون العزل المشؤوم، لا طبقوا عزلاً ولا قطعوا دابراً، ولكنهم تركوا المكارثية السياسية تسعى بين المصريين، تجاهلوا شعارات الثورة فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وتفرغوا لتصفية الحسابات، واقتسام الغنائم والجوائز كيوم أُحد، وتكالبوا على مقومات الدولة تكالب الأكلة على قصعتها.
حديث الإقصاء يسرى وتدركه العيون بلا عناء، صرنا بعضاً يمزق بعضاً، مزقنا ملابسنا، ثم استدرنا على لحومنا بأنيابنا الزرقاء، ثم كانت الطامة الكبرى عندما مزقنا ثورتنا شر ممزق، وصارت طرقاتنا يؤمها الضباع والثعالب والحدأ والغربان، وصار الشريف عميلاً، وصار الكريم فلولاً، وصار الشعب مُحَيَّراً مُبَلبَلاً، مَن ظنَّه موسى طلع فرعون!
القضية ليست أهم ثورة أو أهم الثورات، ليس مهماً توصيفها بثورة أو هبّةٍ أو نفرة أو حتى غزوة، ليس مهماً على الإطلاق إطلاق الأوصاف فى ذيل ثورة لم تلملم أشلاءها بعد، ولم تجسد عناوينها وشعاراتها بعد، المهم أن نغادر مرحلة الاستقطاب سريعاً، أن تغادرنا المكارثية التى ابتُلينا بها، أن نقف أمام حالنا هنيهة بعد ثورتين فى سنتين، للأسف لم يتبق لنا سوى الحزن معَشِّشا فى البيوت!
رفاهية الأهم والمهم والأقل أهمية، وهذه ثورة وهذه هبّة، وهذه ثورة وهذه كمالة، رفاهية يملكها أمثالنا من الكَتبة، ولكن الشارع له أحكامه القاسية، الشعب له حساباته الأكثر واقعية، الشعب الذى ثار مرتين ماذا جنى من ثورته، الشعب الذى خرج متنسماً الأفضل، ماذا تحصّل، الشعب يئن من أيام تَلَت!
هل هناك مَن كان يعتقد أن الشعب سيخرج يغنى ويرقص للثورة فى يوم عيدها، لن أحدثكم عما يستبطنه الشعب من الآلام وجميعاً يعانيها، لا تستغرب مواطناً خرج فى ثورتين، يلعن الثورات جميعاً، لأن القِدْر يغلى بماء قراح فى بيته وأولاده يتضورون جوعاً!
نقلا عن المصري اليوم