نصف ثورة.. نصف مؤامرة
مقالات مختارة | بقلم : سحر الجعارة
٣٩:
٠٩
م +02:00 EET
الثلاثاء ٢٤ يناير ٢٠١٧
قل إنها كانت «نصف ثورة - نصف مؤامرة»، أو كانت «انقلاباً ناعماً» ضد مشروع «التوريث».. قل ما شئت عن ثورة 25 يناير 2011، فلن تُبدل «الحقيقة» التى عاشها المصريون مهما أبدع المؤرخون فى تبديل الأدوار والأقنعة وإلباس الحق بالباطل!.
كنت هناك فى «ميدان التحرير»، وكان معى ملايين النساء والرجال والشباب، كان معى «أصدقاء» بدّلوا قناعاتهم واعتبروا أن 30 يونيو تجبّ ما قبلها(!!).
«أصدقاء» بعضهم اعتبر أن واجبه الآن هو «الثورة» على من ثاروا، وفتحوا «بالوعات» الخيانة والعمالة والتربّح، وأن معاداة هؤلاء «فرض عين»، أما مواجهة «إرهاب الإخوان» فهى «فرض كفاية» تنوب عنهم فى تأديته «القوات المسلحة» والحالمون -من أمثالى- فى القيام به.
والبعض الآخر اعتبر أن «رسالته» هى الاعتراف بـ«فلول مبارك»، ومساندتهم ليتصدّروا المشهد السياسى والإعلامى، تكفيراً منهم عن «ذنب يناير»!. انقسمت دائرة الأصدقاء مثل قطعة مرآة تهشّمت وأصابت شظاياها وجوهنا جميعاً، فلم نعد نرى ملامحنا القديمة.. كلنا نصرخ فى آنٍ واحد: (العن فساد مبارك، أو فاشية الإخوان، أو حركة 6 أبريل، أو الاشتراكيون الثوريين.. إلخ).. المهم ألا تسمع إلا صوتك، وألا تقترب بالحديث من دستور 30 يونيو المحنّط، ولا من حكومة «د.شريف إسماعيل» أو أداء «مجلس النواب»، ولا حتى من «الفساد».. لقد خسرت: «عزيزى المناضل» حقك فى التغيير.. فى التعبير.. منذ صدّقت «البرادعى» وراهنت على نزاهة «صندوق الانتخابات».. فلم يتبقَ لديك إلا إملاءات «صندوق النقد الدولى» و«الصندوق الأسود» للنائب «عبدالرحيم على»!.
على المستوى الإنسانى توقفت تماماً عن مناقشة ثورة 25 يناير: كلهم مذنبون: (من هتف يوماً «يسقط حكم العسكر»، ومن هلل لعودة «أباطرة الفساد».. الذى اكتسب «حصانة»، والذى فقدها.. إلخ قائمة المنكوبين بحب الوطن والغرق فى شئونه وشجونه). إلا هؤلاء.. كتيبة من الشباب الطاهر، ذهبوا إلى «التحرير» للفرجة على مهرجان سياسى اعتبروه مجرد «فلكلور»، فتورطوا -ببراءة متناهية- فى تصديق «زعامات هوليوود» التى كانت تقود الشارع آنذاك!.
استفزتهم طلقات الخرطوش التى خطفت «نور عيوننا»، واعتادوا رائحة «الغاز المسيل للدموع»، حتى خسروا الرهان على «المستقبل».. فلا تحاسبوا «البراءة» فيهم، بل حاسبوا من تاجر بهم وأصبح نجماً بعد 3 يوليو.. وأنتم تعرفونهم بالاسم.
كانت يدى فى يد «جهاد» ابن شقيقتى الذى تربّى بين أحضانى، وأنا أدخل مستشفى «قصر العينى» لأول مرة، هناك حيث كان «طارق» -صديقه- يرقد مرشقاً برصاص الخرطوش.. هذان شاهداى على أن ثورة يناير لا علاقة لها بنشطاء السبوبة، ولا بمؤامرة أجهزة المخابرات العالمية. إنه جيل لم ينتمِ يوماً لحزب، ولا تدرّب فى «صربيا»، لا يعرفون (أسماء وإسراء وعلاء ودومة)، وثقافتهم السياسية لم تكن تتجاوز مشاهدة «يوسف الحسينى» ورفع صورة «حمدين صباحى»، والتحايل على «حظر التجوال».. فهل نُحاسب هؤلاء على «سرقة الثورة»، ولا نطالب مجلس المشير «طنطاوى» بكشف الحقائق، لنعرف من زوّر الانتخابات الرئاسية لصالح المعزول «مرسى».. ومَن الذى سلّم البلد للإخوان؟!.
إنه شباب لم نُقدّر حماسه واندفاعه، وتركناه فريسة للأسئلة: هل خطط «حبيب العادلى» لسيناريو «الفوضى» وتخلت عنا «الشرطة» ليأتى «جمال»؟.. أين كانت «الأجهزة»، بينما الكيانات الإرهابية تتسلل داخل البلاد لاقتحام السجون؟.. لماذا تركونا نشم «الجزيرة» حتى أدمناها، ولم نكتشف «الإخوة الأعداء» إلا مع سقوط «الإخوان»؟!. إنه الشباب نفسه الذى شكل الرئيس «السيسى» لجنة «للعفو الرئاسى» عنهم، ومعظمهم أُدين بتهمة التظاهر، أو فى قضايا حرية الرأى، وليس بينهم من ارتكب أعمال إرهاب أو قتل أو عنف.
«حتة من قلب مصر» تهتف: «تيران وصنافير» مصرية، وهى لا تعرف شيئاً عن اتفاقيات الحدود، ولا أعمال السيادة ولا المواءمات السياسية.. لأنها «حتة بكر طاهرة» لم تلوثها «أحزاب هزلية» ولا انتهازية.. هؤلاء من رسموا أحلامهم على «جدران التحرير»، فجاءت «الحكومة» ودهنته!.
المنتفعون والمتربحون من 30 يونيو لن يُبدّلوا أسماء الشهداء، فلا داعى للمزايدة بشهداء الجيش والشرطة على شهداء يناير.. ولا لضرب 25 يناير بـ30 يونيو.. فالعدالة لن تتحقق إلا بإعدام كل من شارك فى قتل الشهداء (من الثوار ورجال الجيش والشرطة).. ومن موقعة «الجمل» إلى «الاتحادية والمقطم» إلى «سيناء».
لكن «العدالة» أصبحت مجرد «فكرة رومانسية»، ومصطلحاً مهجوراً لا يردده إلا الفقراء والمهمشون الذين يقرأون مانشيتات جرائد يغطيها زيت طعمية ساخنة (القرص بجنيه ونصف)، كانت تكتب «الشعب يريد»: (عيش، حرية، عدالة اجتماعية). الآن، لم يعد الشعب يعرف ماذا يريد.. هل يأكل عيشاً مخبوزاً بنار الحرية، أم يأخذه -على البطاقة- معجوناً بفساد منظومة القمح؟. هل يصمت حتى تمر عاصفة «الإصلاح الاقتصادى»، أم يتظاهر ويدخل السجن؟. هذا الشعب ثار مرتين وأسقط رئيسين، ثم وضع مصيره فى رقبة رجل واحد هو «السيسى».. فلا تلوموه لأنه ثار، ولو على سبيل «الرومانسية السياسية»!.
نقلا عن الوطن