خاب من استشار!
مقالات مختارة | حمدي رزق
الثلاثاء ٢٤ يناير ٢٠١٧
عجبت من تصريحات السفير أيمن القفاص، مساعد وزير المالية للشؤون الخارجية، والمتحدث باسم وزارة المالية ، أن المدعى عليه فى قضية الرشوة بوزارة المالية (المستشار المرتشى) لا يدخل فى نطاق التوصيف الوظيفى ولا علاقة له بالعمل فى هيئة الضرائب العقارية، لأن دوره مستشار للشؤون الضريبية فيما يتعلق بمسائل الضرائب العقارية!!!
القفاص يبعد التهمة عن الوزارة، بالأحرى عن الوزير، وكأن المتهم مستشار «وزير السعادة»، ما هذا الهراء، مَن الذى اختار المستشار ليُستشار، مَن الذى كلفه، وحدد مهامه، مَن الذى قدر راتبه، مَن الذى فرضه مستشاراً فى الوزارة؟ توصيف وظيفى إيه اللى إنت جاى تقول عليه يا سعادة السفير!
المستشارون يختارهم ويوصف مهامهم ويستشيرهم الوزراء، هل هبط المستشار المتهم على وزارة المالية من علٍ، هل فُرِض فرضاً على الوزير الدكتور عمرو الجارحى، هل كلفه ورسمه مستشاراً مثلاً رئيس الوزراء؟ يقينا اختاره الوزير، والوزير مسؤول مسؤولية مباشرة عن أعمال وزارته، إيجاباً وسلباً، إنجازاً ورشوة، وعليه فليتحمل الوزير نصيبه من الغُرم!
قضية المستشارين فى الوزارات تحتاج إلى وقفة رئاسية، هؤلاء بصفتهم التى تسبغها عليهم ألقابهم، مستشار الوزير، يملكون من النفاذية والاختراق فى الوزارات ما يمكنهم من تخليص الطلبات وعقد الصفقات وتقديم الاستشارات المدفوعة من خارج الوزارة، ألم يسقط قبلاً مستشار وزير الصحة، وها هو مستشار وزير المالية يسقط تباعاً، مثل هذه الصفقات القذرة التى عقدوها مع منعدمى الضمير تؤشر على حجم الصلاحيات الممنوحة لهؤلاء المستشارين!.
وعليه لابد من مراجعة قوائم المستشارين المعتمدين وزارياً، مراجعة ذمتهم المالية، والوقوف على إقراراتهم الضريبية قبل تسلم المهام الاستشارية، يعنى إيه مستشار لوزارة المالية وخارج التوصيف الوظيفى، يعنى خارج الحساب والمحاسبة، صحيح ليست لديهم سلطات أو قرارات تنفيذية على ورق الوزارة، ولكنهم يملكون استشارات وتوصيات، وهى أخطر على الوزارة، تنبنى عليها قرارات، وترسم على هدى منها سياسات، ولا يحاسبون كما يحاسب الوزراء أو وكلاء الوزارة ومديرو العموم.
ولماذا يحتاج الوزراء إلى مستشارين من خارج الوزارات، ولِمَ هذا التوصيف معمول به فى الحكومة المصرية، وهل ثبت نجاحه فعلاً، وهل عكس إيجابياً على العمل الوزارى، ومَن الذى يختار المستشارين، وهل يراجع رئيس الوزراء والجهات الرقابية فى شأن تعيين هؤلاء، ومن يراقب أعمال هؤلاء فى عمق الوزارات المصرية، وكم يكلفون الخزانة العامة؟!
تبرؤ وزير المالية على لسان متحدثه الرسمى لا يغنى عن مساءلة الوزير، كيف اخترته، وفيم استشرته، وهل أخذت باستشارته، وفيم أشار عليكم؟ أخشى أنها ليست أول رشوة وليست أول جريمة ولن تكون آخرها، سقوط مستشارين فى الصحة والمالية متلبسين بالرشوة وبالصوت والصورة والشيكات فضيحة مدوية، لم أسمع عن استقالة وزير الصحة يوم تم القبض على مستشاره فى قلب الوزارة وتقليعه هدومه حتى الشراب الذى كان يخفى فيه شيكات الرشوة، وها هو وزير المالية يتبرأ من مستشاره، ويذهب إلى عبثيات يقول بها متحدثه «القفاص»، ويقول ليس له سلطة ولا توصيف، ناقص يقول ولا نعرفه البتة!.
إمبراطورية المستشارين، التى تتساقط تباعاً على أيدى رجال الرقابة الإدارية، لابد من نفضها والتخلص منها، الوزارات مش ناقصة مستشارين، أقله ضغطاً للنفقات، أعلم أن هناك مستشارين بلا أجر، وحتى هذا لا ينفى أن فى مكنتهم استشارات بالملايين، وأعلم أن غالبيتهم معين على سبيل المجاملة، صديق شخصى، زميل فى كلية، دفعة الوزير!!
وعلى طريقة هذا ما وجدنا عليه آباءنا، تستعاد هذه الإمبراطورية من مخلفات زمن مضى وتهيمن وتسيطر وتتوغل، ما الذى يملكه مستشار وزير المالية من صلاحيات ليرتشى بأربعة ملايين جنيه، ويقبض الدفعة الأولى، مليون جنيه، أليس هذا يحتاج إلى بحث فى سلطاته وتوصيفاته الوزارية؟!
نقلا عن المصري اليوم