مسح «أبوتريكة»!
مقالات مختارة | د. محمود خليل
الاثنين ٢٣ يناير ٢٠١٧
مواقع إعلامية عديدة تداولت خبراً يقول إن المسئولين فى «ماسبيرو» اتخذوا قراراً بحذف كل المشاهد الخاصة بلاعب المنتخب الوطنى السابق محمد أبوتريكة من أى مادة تُعلن على الشاشة خلال الفترة الحالية. مؤكد أنك تعلم أن القرار يأتى فى سياق حدوتة «إدراج اسم أبوتريكة على قوائم الإرهاب». حتى الآن لم يقطع القضاء بحكم باتّ فى مسألة «إرهاب أبوتريكة»، وقد أعلن محامى اللاعب الطعن على الحكم الصادر ضده، وبالتالى أخشى أن يكون القرار متسرعاً، ويعيد التذكير بما يتسم به هذا الجهار من انكفاء أمام السلطة، وقد ذكرت -غير مرة- أن هذه الآفة أضرت بتاريخ المبنى العريق أشد الإضرار، لأن ثمة فارقاً كبيراً بين مفهوم السلطة ومفهوم الدولة.
التليفزيون المصرى فى الأول والآخر يعبّر عن الدولة المصرية، وليس السلطة التى تحكم الدولة، وهو يعمل بنص القانون كأداة معبرة عن المجتمع ومتطلباته الإعلامية. والمجتمع -أى مجتمع- تتفاعل فيه اتجاهات متنوعة، وتتشكل على ساحته العديد من الأطياف السياسية والاجتماعية، لا بد أن يعبر عنها تليفزيون الدولة، حتى يكتمل دوره فى تقديم خدمة إعلامية حقيقية. ومن المعلوم أن ثمة انقساماً نحو الموقف من اللاعب محمد أبوتريكة، فهناك عشاق له يدافعون عنه، ولا يجدون غضاضة فى أن يؤمن بما يراه من فكر، حتى ولو كان إخوانياً، ما دام لم يدعم الإرهاب، ولم يقدم أحد دليلاً على إدانته بأى صورة من الصور فى عمل إرهابى، وهناك من يتبنى موقفاً عكسياً، يسقط فيه موقفه من جماعة الإخوان على لاعب كرة يعتقد أنه من المؤيدين لها، ويرى أن مجرد التأييد يعنى الإدانة. من حق كل طرف أن يتبنى وجهة النظر التى يراها، وتليفزيون الدولة مطالب بألا يعمل فى خدمة نظر واحدة، وإلا أدين بالأحادية والسلطوية، ولا يخفى على أحد أن سيطرة آفتَى الأحادية والسلطوية على قرارات اتحاد الإذاعة والتليفزيون، تشكل عاملاً من العوامل المفسرة لانصراف المشاهدين عنه إلى القنوات الخاصة!.
القرار فى حد ذاته يعكس أسلوباً قديماً كل القدم فى التفكير، ويذكرنى بأسلوب التليفزيون المصرى فى عرض الأفلام التى أنتجت قبل الثورة، خلال حقبتَى الستينات والسبعينات، حين لجأ التليفزيون إلى محو صورة الملك فاروق من بعض مشاهد هذه الأفلام، وكان الخير لهم تركها دون عبث، لأن الأجيال التى لم تعاصر الملك كانت تسأل: «إيه الغلوشة دى؟!»، وكانت الإجابة: «صورة الملك فاروق»، فيتم تأكيد الوجود من حيث أراد أصحاب القرار الساذج النفى!. القرار أيضاً قديم كل القدم من زاوية عدم وعى صُناعه بطبيعة البيئة الإعلامية التى يعيشها المواطن المصرى خلال العقد الثانى من الألفية الجديدة، فهناك قنوات تليفزيونية لا تعد ولا تحصى تعرض مشاهد لـ«أبوتريكة» وهناك وسائل تواصل اجتماعى وموقع يوتيوب وغيرها لا تتعامل بمنطق «النفى» الذى يعتمده التليفزيون المصرى. أذكر أننى كتبت -ذات مرة- مهاجماً محمد أبوتريكة -رغم إعجابى به كلاعب كرة- قبل ثورة يناير، عندما كان يحاول إقحام الدين فى الرياضة، لأننى مقتنع بأن هذه أمور لا تليق بالدين، ولا أجدنى الآن أقل رفضاً لمسألة إقحام «السياسة» فى «الكورة».. عيب!.
نقلا عن الوطن