مطلوب (جاستا) دولي لتعويض العراقيين والفلسطينيين عن عدوان اميركا واسرائيل عليهما
ميشيل حنا حاج
الأحد ٢٢ يناير ٢٠١٧
ميشيل حنا الحاج
القانون الذي عرف باسم (جاستا)، هو القانون الصادر مؤخرا عن الكونجرس الأميركي ال 114 وأعطي الرقم 222-114 وحمل عنوان The Justice Against Terrorism Act وتشكل الحروف الأولى من عنوانه، الاسم الذي عرف به وهو JASTA .
هذا القانون منح الأميركيين المتضررين من أحداث الحادي عشر من أيلول2001، حق اقامة الدعاوي القضائية على السعودية رغم ما قد تتمتع به من حصانة دبلوماسية، مطالبين بالتعويض عن الضرر المادي أو المعنوي الذي أصابهم نتيجة تلك الأحداث. وهذه مطالبات فردية ولا علاقة لها باحتمال قيام الدولة أيضا بمطالبة الحكومة المعنية التي تسبب مواطنوها بالضرر، بالتعويض عما تكون قد تسببت به من ضرر للبلاد.
ولكن المشرع الأميركي لم يدر أنه بالسماح للأفراد الأميركيين باقامة دعاوى مستقلة تطالب دولة ما ( السعودية في هذه الحالة) بالتعويض، قد أرسى مبدئا قانونيا هاما ربما يمهد الطريق لشعوب دول أخرى غير الأميركية، لمطالبة دول ما ومنها، بل في مقدمتها الدولة الأميركية، بتعويضات عما أصابها أيضا من ضرر مادي ومعنوي، وتسببت به لها دولة ما كما حدث بالنسبة للشعب العراقي الذي تأذى كثيرا نتيبجة الغزو الأميركي غير المبرر عام 2003 للعراق متسببا بأضرار كبيرة للمواطنين العراقيين ولممتلكاتهم، اضافة لما ألحقه من ضرر للدولة العراقية كدولة، وأخذ حيدر العبادي، رئيس وزراء العراق، يطالب مؤخرا الولايات المتحدة بتعويض العراق عنه.
فاذا بات للأميركيين بموجب قانون جاستا، الحق كمواطنين فرادى، بمقاضاة السعودية مطالبين بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم نتيجة أحداث أيلول 2001 ، رغم أن التحقيق الرسمي لم يدن السعودية رسميا، أو يحملها مسؤولية مباشرة عما حدث آنئذ... فان الحال مشابه بالنسبة للعراقيين، اذ لهم قياسا على هذا القانون، الحق باقامة دعاوى من قبلهم كمواطنين فرادى، على الولايات المتحدة، مطالبين اياها بتعويضهم عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابهم نتيجة تلك الحرب البائسة الغادرة التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق بدون مبرر، خصوصا وقد كشفت التحقيقات اللاحقة عن الخطأ الجسيم الذي ارتبكته الولايات المتحدة واعترف به تقرير السير جون شيلكوت الذي رئس لجنة تحقيق بريطانية، كما اعترف به توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا، واعترف به أيضا في مذكراته جورج بوش الابن، رئيس الولايات المتحدة آنذاك.
فمع وجود السابقة الأميركية الموجهة ضد المملكة السعودية والتي باتت تمهد الآن للقياس عليها والاقتداء بها في دول أخرى، (بل يفترض بمجلس الأمن الدولي أن يقننها ويتبناها قريبا بقرار دولي صادر عنه)، بات من المتوقع أن يتقدم بعض العراقيين كأفراد، بمطالبات كهذه، خصوصا اذا أصدر البرلمان العراقي أسوة بالكونجرس الأميركي، قرارا او قانون جاستا عراقي مشابه للقرار الأميركي الذي شكل سابقة قانونية هامة يمكن الاقتداء بها في كل أرجاء العالم، علما بأن هناك اعترافات شبه رسمية، كما ورد سابقا، من قبل السير شلكوت وتوني بلير وبوش الابن بارتكاب خطأ من جانبهم يحملهم المسؤولية عما حدث، وذلك خلافا للوضع بالنسبة لقانون جاستا الذي لم تعترف المملكة السعودية بمسؤوليتها عما حدث في عام 2001.
وقياسا على ذلك أيضا، قد يكون بوسع بعض سكان فيتنام الشمالية والجنوبية، اقامة الدعاوي على الولايات المتحدة بسبب ما اصابهم من ضرر مادي ومعنوي، بل وبوسع سكان هيروشيما وناكازاكي أن تطالب أيضا الأميركيين بتعويض عما اصابهم أو أصاب أقرباءهم بضرر مادي ومعنوي. صحيح أن جاستا يتحدث عن الضرر الناتج عم عمل ارهابي، والحالة في اليابان او فيتنام، كانت نتاج عمليات حربية، ولكن الحروب غير العادلة وغير المبررة قانونيا وانسانيا، يمكن تكييفها بعمليات شبه ارهابية... انه ارهاب الدولة.
والواقع أن قائمة من يمكنه الاستفادة من هذا القانون، ومن اعتباره سابقة قانونية يمكن القياس عليها، هي قائمة طويلة قد تبدأ بالأرمن الذين تضرروا في بداية تسعينات القرن الماضي من اضطهاد فاحش لحقهم من قبل الأتراك والحكومة العثمانية القائمة آنئذ. وقد تتسع لتشمل من تضرروا بالانقلاب لأميركي الذي نفذه بينوشيه في تشيلي في سبعينات القرن الماضي وأودى بحياة مئات الألوف من التشيليين، بل أيضا من تضرر من اليوغوسلافيين من قيام الولايات المتحدة بتأجيج عملية تجزئة يوغوسلافيا الى دويلات، وغيرها من العمليات المشابهة سواء كانت الولايات المتحدة المسؤولة عنها أو دول أخرى يمكن مساءلتها عن ضرر ألحقته بالآخرين.
وهنا يأتي دور مساءلة الاسرائيليين عما ألحقوه من ضرر وايذاء للشعب الفلسطيني الذي جرى اعتداء واضح عليه من قبل الاسرائيليين. فقد اضطر الكثير من الفلسطينيين لمغادرة البلاد في عام 1948، نتيجة الأعمال الارهابية التي ارتكبتها ضدهم عصابتي شتيرن والآرغون. وكانت أبرز عملياتهم الارهابية اقتحام قرية دير ياسين في التاسع من حزيران، حيث نفذت أعمالا وحشية بحق النساء، مما أثار الرعب في قلوب المواطنين الفلسطينيين الأبرياء وغير المسلحين الا ببضعة بنادق قديمة بايد بعض المزارعين غير المدربين على استخدامها. كما قامت الهاجاناه باستخدام برج مرتفع في شمال مدينة يافا وصف بكونه معملا للبيرة، بقصف مدينة يافا الآمنة بهدف ترويع سكانها، مما اضطر العديدين منهم الى مغادرة المدينة سعيا لحماية اسرهم وأطفالهم، خصوصا وأن مذبحة دير ياسين، وما تضمنته من بقر بطون حوامل واغتصاب فتيات، كانت لم تزل مشتعلة في الأذهان. وكانت أسرتي واحدة من الأسر التي اضطرت لمغادرة المدينة حرصا على البنات الأربع في الأسرة.
وتبع ذلك على امتداد سنوات الاحتلال الصهيوني الطويل، سلسلة من المجازر بحق الفلسطينيين ومنها مذبحة كفر قاسم وغيرها من المذابح، ولعل أبرزها لكن ليس آخرها، مذبحة صبرا وشاتيلا في عام 1982 والتي نفذت بأيدي مقاتلي حزب الكتائب، لكن بتخطيط وتنفيذ تحت اشراف آريال شارون وزير الدفاع الاسرائيلي الذي ادانته محكمة اسرائلية وحملته المسؤولية عما حدث، لكن قادة الأحزاب الصهيونية كافأته لترفعه الى مرتبة رئيس وزراء اسرائيل.
هذه وغيرها من الأعمال الوحشية التي اقترفت بحق الفلسطينيين من قبل الاسرائيليين، تمنح الفلسطينيين المتضررين ماديا و/أو معنويا (وفي خضم عجز السلطة الفلسطينية الرسمية عن اقامة دعاوى كهذه في الوقت الحاضر) اقامة الدعاوى الفردية، الدعاوى الشخصية، أمام المحاكم داخل اسرائيل أو خارجها، مطالبين بالتعويض عن الضرر الذي لحق بهم (دون أن يكون في ذلك تنازلا عن حقهم في العودة الى بلادهم ان كانوا ممن يقيمون الآن خارج الأراضي الفلسطينية)... وذلك قياسا على وجود هذه السابقة القانونية التي أرستها الآن الحكومة الأميركية باقرارها قانون جاستا.
ولكن قانون جاستا، لم يكن هو القرار الأميركي الوحيد الذي أرسى سابقة خطيرة لا بد من النظر اليها جديا وبدراسة معمقة. فعندما قرر الرئيس بوتين استرداد شبه جزيرة القرم الروسية أصلا، الى حظيرة الدولة الروسية، انتفضت الولايات المتحدة رافضة هذا الاجراء، معتبرة اياه اعتداء على الآخرين وعلى ممتلكاتهم، متناسية أنها باركت قبل 68 عاما، اعتداء الصهاينة على الأراضي الفلسطينية، والاستيلاء عليها بذريعة أنها ممتلكات سابقة لهم... ممتلكات لهم منذ ثلاثين قرنا من الزمان كما يدعون.
فاستعادة روسيا الاتحادية لشبه جزبرة القرم التي كانت اصلا ولقرابة ستين عاما تقريبا مضت، جزءا لا يتجزأ من الجمهورية الروسية، لكن خروشوف الأوكراني الأصل، الأمين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي آنذاك، قرر ضمها لجمهورية أوكرانيا التي كانت أيضا عضوا في الاتحاد السوفياتي، تماما كما كانت روسيا أيضا (صاحبة شبه جزيرة القرم) عضوا في الاتحاد السوفياتي، مما جعل الانتقال يتم عمليا داخل عضوين في دولة واحدة متحدة. لكن عندما تفكك ذاك الاتحاد، بات طبيعيا أن تطالب روسيا باسترداد أرضها تلك، ولكن لتلقى خطوتها تلك اعتراضا دوليا، وخصوصا أميركيا، رغم أن الولايات المتحدة هي التي بادرت مع بريطانيا ودول أخرى في عام 1948، للاعتراف بدولة اسرائيل التي أقيمت على ما سمي بأراض كانت لليهود...منذ متى... منذ ثلاثين قرنا، وليس قبل ستين أو خمسة وستين عاما فقط هي الأعوام التي فقدت فيها روسيا هيمنتها على شبه جزيرة القرم نتيجة نقل سيادتها اداريا من جمهورية لأخرى، كلتاهما داخل اتحاد دستوري قائم آنئذ ولم يعد قائما مؤخرا.
أنا لا أعلم كيف لم تدرك الولايات المتحدة أنها باعتراضها ذاك على استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم، انما ترسي مبدئا دوليا قانونيا، يلغي مشروعية كل اعتراف باسرائيل كدولة منذ عام 1948 ، لكونه اعترافا بدولة أقيمت على أراضي الغير، نظرا لالغاء الأساس القانوني الذي استند اليه اليهود في اقامة تلك الدولة، وهو استرداد أراض كانت لهم في الماضي البعيد جدا جدا (ذلك ان كانت لهم حقا في ذاك الماضي البعيد متناسين وجود الكنعانيين العرب في تلك الأراضي).
والأرجح أن المفكرين ورجال القانون في الولايات المتحدة ربما أدركوا حينئذ ولو لوهلة هذه الحقيقة، فحاولوا بالتالي أن يبعدوا الأنظار عنها... عن المطالبة باسترداد اراض ربما كانت في الماضي ملكا للآخرين. ففي رؤية أميركية أخرى أكثر تأنيا، تبلور الموقف الأميركي الرافض لاستعادة روسيا لشبه جزيرة القرم، لأن فيه على أرض الواقع، دفاعا عن تواجدهم هم على الأرض الأميركية ذاتها التي هي أصلا ليست لهم، بل ملكا للهنود الحمر الذين استئصل الملايين منهم، كي يتمكن الأميركيون الجدد (القادمون من الخارج) من اقامة دولتهم على حساب ضحاياهم من الهنود الحمر. فالاعتراف بحق أصحاب الحق باسترداد ما كان لهم، انما يقوض أسس بناء الدولة الأميركية ذاتها التي أقيمت على ممتلكات الآخرين. لكن الولايات المتحدة ترفضه اذا تعلق الأمر باستعادة الروس لشبه جزيرة القرم، أو بمطالب بعض الهنود الحمر لاستعادة الهيمنة على بعض ألأراضي المنتزعة منهم، لكنها تباركه وتتبناه عندما يتعلق الأمر بمطالبة اليهود بأراض فلسطينية ادعوا أنهم أقاموا عليها قبل ثلاثة آلاف عام.
ومع ذلك فاني مندهش ومتسائل: كيف لم يلتفت الكتاب والمحللون السياسيون والمفكرون العرب ورجال القانون من فلسطين والدول العربية.... الى هذه النقطة الجوهرية، ويركزون عليها كأساس قانوني لبطلان وجود دولة اسرائيل على أراض ليست لهم ، ولا حق لهم في استردادها. فقد كان يفترض برجال القانون والمفكرين العرب، أن يقيموا الدولة ويقعدوها لدى رفض الولايات المتحدة الاعتراف بحق روسيا في استرداد شبه جزيرة القرم، مذكرين قياسا على ذلك الرفض، بعدم وجود أي حق لليهود باسترداد ما اعتبروه كان أرضا لهم قبل ثلاثة آلاف عام. لكنهم أي العرب قادة ومفكرين، لم يفعلوا شيئا في هذا الشأن، بل ولم يتجاوب أحد مع مقال لي في هذا الشأن، يوضح ظهور هذه السابقة القانونية وأهميتها، وكنت قد نشرت المقال بتاريخ 15 آذار 2014 على موقع الحوار المتمدن، وحمل النشر على صفحة مواضيع وأبحاث سياسية الرقم 4394 ، كما نشر على تويتر أيضا، وعلى غوغول ومواقع كثيرة أخرى. الا أن أحدا لم يقرأ ولم يسمع للأسف، وقد لا يقرأون الآن أيضا هذا المقال ولا يسمعون. فلقد أسمعت لو ناديت حيا... لكن لا حياة لمن تنادي.