عرس قانا الجليل !!
أندرو اشعياء
الأحد ٢٢ يناير ٢٠١٧
بقلم اندرو اشعياء
انطلق السيد المسيح وبرفقته ستة من تلاميذه متجهًا الي عرس قانا الجليل شرق الناصرة بعدما سبقتهم القديسة الطاهرة العذراء مريم الى هناك حيث مكان سبط أشير (يش ١٩: ٢٨). وقد تنبأ يعقوب أثناء تقديم البركة للأسباط قائلًا: "أشير خبزه سمين، وهو يعطي لذات ملوك" (تك ٤٩: ٢٠) جائزًا مسافة قدرها ستة أميال شمال شرق الناصرة، أي على بُعد ساعتين سيرًا على الأقدام.
اصطحب السيد المسيح في هذه المسيره تلاميذه الذين لم يكتمل عددهم إذ لم يكن قد مضى سوى ثلاثة أيام على دعوة نثنائيل، وفيلبس قبله بقليل، وأربعة أيام على دعوة أندراوس وبطرس، أما يوحنا فلم يتجاوز الأسبوع منذ أن انتقل من مرافقة يوحنا المعمدان إلى مرافقة السيد المسيح. وحتمًا تمت دعوة المسيح من قبل صاحب العرس (سمعان القانوي) او بعض رفقاءه ولو لم يُدعي كان– تبارك اسمه – سيحضر ولكنه أراد أن يُدعى وبعدئذ يذهب لكي يدركوا بعدها ان الذي دعوه هو يسوع ولا يتشككوا بعد الأيه قائلين "ليس هو ..".
كل مظاهر الحفل كانت راقيه بل وأصبحت أكثر رُقيًا بحضور السيد المسيح، الجميع تغمرهم سعادة وفرحه غامرة. فهذا يتجول مرحبًا بالحاضرين باعثًا رسالة فرح وسلام وامتنان حيثما مر، وهذة الصبية تبتسم كثيرًا بضحكاتها الرنانة الصافية وهي مرحة طروب يهزها الحب والسعادة بل وارتسمت البهجة والترحاب على وجوه الجاضرين فالتمعت أعينهم سرورًا وفرحًا، ولكن فجأة وعلى غير المعهود بدأت الحيرة والاضطراب على وجوه اصحاب العرس إذ فرغ الخمر !! لقد نفذ الخمر الذي لا نفع له ليحل خمر يسوع الذي هو حبه إذ «حُبَّك أطيب من الخمر» (نش 1: 2). أتعجب كيف لمكان ان يُخالطه الحيرة والاضراب وكلي القداسه يُزينه ..
سريعًا انطلقت نحوه القديسة الطاهره مريم وهي مليئه بالايمان هذه التي تم ما قيل لما من قبل الملاك ..هذه التي كانت تحفظ كل هذه الامور متأمله في قبلها هذه التي عانت مشقة الهروب من وجه هيرودس محتمله تعب الرحلة بل وعناء منحدرات الطريق واهتزازات الدّابّة وشمس الظهيرة وصقيع الليل، بيد أنْ قلبًا مثل قلب القديسة مريم كان يتغلّب على عناء الجسد بأنشودة العلي، مُعظِّمةً الربّ الناظر إلى اتّضاع أَمَته... فكيف تأتي الي كلي القداسة دون أن يستجيب ؟! انطلقت نحوه قائله: ربي ليس لهم خمر (ولعلها أقصر صلاة وردت في الكتاب المقدَّس كله وأكثرها وثوقاً وتأكيداً وأمانة) ولكن حتما كان في قلبها افكارًا اخرى وربما ناجته سرًا قائله: ربي .. تمم السبيل الذي أتيت لأجله .. أيها الطبيب الحقيقي أشرق عليهم بنورك العظيم، وهب لهم خيراتك .. الحيرة امتلكت قلوبهم. أضئ بإشراق محبتك وانزع الحيرة من العرس متى صار كئيبًا بل هب هدوءًا للعرس متى فرغ الخمر عوض اضطراب المتكئين، بين قوتك بالمعجزات لأنك ابن الله .. فيا مُثري الكل افتح خزائنك ووزع على المحتاجين .. تفقد بحنانك الختن الذي انت تتكئ علي مائدته لئلا ينتشر العوز في البيت الذي دعاك ..
حتمًا نقص الخمر من ذاته خجلًا وعُدم من الاجران إنما ليس من كثرة ما إحتسوه .. بل نقص ليعلن بخفية مُبدعة إلى أن ذاته (الخمر)، بحضرة المسيح، لم يعد هو مصدر الانتعاش والانتقال من الكآبة والهم إلى الفرح والتهليل، إذ يوجد الآن مَنْ هو أقوى فعلًا وأثرًا من الخمر ..
وقف البهي في منظره بجوار ستة اجران، وأمرهم أن يملاؤها، وكانت هذه الاجران الستة تسع نحو 375 لترًا من الماء. واليهود كانوا بحاجة الى مثل هذه الكمية الكبيرة من الماء للتطهير او الاغتسال الشرعي الطقسي لأنهم يتنجّسون رمزيًا بلمسهم مواد الحياة اليومية واتصالهم الاجتماعي، فيتطهرون بغسل أيديهم (مرقس 7: 3-4). استخدم كلي الطهاره هذه الاجران ليس فقط لتتم الايه بل ليعلن انه هو القدوس وبه نتطهر من كل خطيئة..
تحولت المياه الي خمر، وحدثت المعجزة، ومن خلالها ايضًا أراد يسوع أن يقوّي إيمان تلاميذه الجُدُد برسالته السماويّة. حيث كان يعرف - تبارك اسمه - أنَّهم كانوا بحاجةٍ إلى برهان يُبيّن لهم أنّهم لم يُخطئوا في اتّباعه والبقاء معه. فاغتنمَ هذه الفرصة، وقدَّم لهم البرهان الذي يُزيل عنهم كلَّ تردّد، ويؤكّد لهم أنّهم كانوا على صواب عندما لبّوا دعوته وانضمّوا إليه. وكان البرهان الذي قدّمه لهم أنه صنع معجزةً لا يصنعها إلاّ الله وحدَه. واطّلع تلاميذه مع أهل العرس على هذه المعجزة فمجّدوا قدرته الفائقة وآمنوا به وتبعوه نهائيّاً ..
حتمًا وقتئذ صارت فرحه عارمه بل وابتهجت بالاكثر القديسة الطاهره مريم وربما فكرت سرًا : ربي .. اثق اعلم جيدًا انك انت يا ابني والهي كنز وخزينة لمن يطلبك .. ليت يطلبونك انت بكل قلوبهم لتصب في داخلهم خمر محبتك ..
جدير بالذكر ان شفاعة القديسة الطاهرة مريم مقبولة ولها دالة عظيمة جدا ولهذا تحظى بمكانة كبيرة في صلوات وليتورجيات الكنيسة.. كما انه من قرية فقيره بسيطه كهذه بدأ السيد المسيح خدمته في ركنٍ ناءٍ من الدولة منعزلٍ عن العاصمة "أورشليم" ليعلن أنه جاء ليخدم، لا ليطلب مجدًا من الناس.. وبعد تلك الأية قام سمعان القانوي وترك كل شئ وتبعه وصار من تلاميذه الأثنى عشر ولُقب بسمعان الغيور (لو6: 15) إذ صار عروسًا للعريس الحقيقي وتحتفل الكنيسة بتذكار استشهاده في 15 بشنس ..