باتريك كوكبيرن يكتب: ترامب وأردوغان وجهان لعملة واحدة
مقالات مختارة | المصري اليوم
الاثنين ١٦ يناير ٢٠١٧
يستعد الرئيس الأمريكى المنتخب، دونالد ترامب، لحفل تنصيبه بالكونجرس الأمريكى، ولكنه فى الوقت نفسه يصارع معارضة تستهدفه على أصعدة مختلفة من جانب دوائر الإعلام الأمريكى، والاستخبارات الأمريكية، وأجهزة الحكومة، وبعض أعضاء الحزب الجمهورى، وقطاع كبير من الشعب الأمريكى، ومن ثم فإنها من المعوقات التى تحول دون تمكنه من ممارسة سلطات مطلقة وعديدة.
غير أنه ليس ثمة مبرر يدفع ترامب إلى الشعور بالقلق، فالكثير مما يقال عنه سبق أن قيل فى تركيا عن الرئيس رجب طيب أردوغان عام 2002، حين قاد حزب العدالة والتنمية للفوز لأول مرة فى الانتخابات، وهو الفوز الذى تلاه ثلاثة انتصارات انتخابية، ووجد أردوغان نفسه بمواجهة الجيش التركى الذى تمكّن، من خلال الانقلابات أو التلويح بسيفها، من أن يصبح مصدر السلطات الشاملة فى البلاد، ولكن أردوغان تمكن، مع مرور الوقت، من التفوق فى مناورة أعدائه ومحو نفوذهم وتأثيرهم، واستغل محاولة انقلاب فاشلة من الجيش فى ممارسة المزيد من الضغوط عليه ومعاقبة كل العناصر المنشقة واتهامها بالإرهاب.
إن مَوَاطن التشابه بين أردوغان وترامب أكبر مما تبدو للمتابعين، رغم اختلاف التقاليد السياسية فى الولايات المتحدة وتركيا، والتشابه بينهما يكمن بشكل أساسى فى الطرق التى مكنتهما من الوصول للسلطة، والسبل التى يلجأ إليها الاثنان لتعزيز قوتيهما، فكلاهما ينتمى للتيار الشعبوى الوطنى الذى يلجأ لإلصاق صفة الشر بأعدائه، ويعتقدان أنهما محاطان بمجموعة من المؤامرات، ولا يحجمهما نجاحهما فى بلوغ الأهداف عن السعى لكسب المزيد من السلطات.
فى الولايات المتحدة، كان الكثيرون يعلقون آمالًا على تخلى ترامب عن الخطاب العدائى الذى تبناه خلال حملته الانتخابية، وأن يلجأ لخطاب أكثر تسامحاً وتصالحاً، ولكن هذه الآمال تبددت خلال الشهرين الماضيين؛ ففيما يتعلق بالإعلام، صَعّد ترامب من عداءاته، وهو ما يستدل عليه من إهانته للمراسلين فى المؤتمر الصحفى الذى عقده الأسبوع الماضى.
إن الحساسية المرضية للنقد تعد أحد أبرز القواسم المشتركة بين الرئيس الأمريكى المنتخب والرئيس التركى الحالي؛ وفى حالة ترامب، فإن هذه الخصلة يمكن الاستدلال عليها من تغريداته التى انهال عبرها بوابل من التهكم والهجوم على منتقديه، مثل ميريل ستريب، بينما فى تركيا هناك حوالى 2000 شخص يخضعون للتحقيق والمحاكمة فى اتهامات تتعلق بإهانة الرئيس، وأحد المواطنين الأتراك تتم محاكمته لقيامه بنشر صورة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، يزعم فيها وجود تشابه فى ملامح الوجه بين أردوغان وشخصية «جالوم» فى فيلم «سيد الخواتم» (Lord of the Rings)، ومن إجمالى 295 صحفيا حول العالم داخل السجون، تنفرد تركيا بما لا يقل عن 81 صحفيا زجت بهم السلطات فى السجون. حقاً، قد لا يواجه الصحفيون الأمريكيون المصير نفسه على يد ترامب، ولكن لا مناص من تعرضهم لضغوط ستمارسها إدارة الرئيس الأمريكى المنتخب على مؤسسات عملهم لإسكات ألسنتهم عن توجيه النقد.
بالطبع، يختلف المشهد السياسى فى الولايات المتحدة عن تركيا، ولكن ثمة اتساقا وتماثلا مذهلا بين سلوك ترامب وأردوغان، والأمر نفسه ينطبق على كل القادة المنتمين للتيار الشعبوى القومى السلطوى، الذين تولوا مقاليد الحكم فى أنحاء مختلفة من العالم، بدءاً من المجر وبولندا وانتهاء بالفلبين، وقد تبارى المعلقون والمحللون فى إيجاد اسم توصيفى لتلك الظاهرة، واستقر بهم الحال على عبارات مثل «عصر الديماجوجية» أو «عصر الغوغائية»، غير أن هذا التوصيف يوضح فقط الطريقة التى بلغ بها هؤلاء القادة سدة الحكم، وهذا النمط من القيادة السياسية ليس حديثا، إذ يوجد سجل حافل لها، وثقها المؤرخ البريطانى لويس نمير قبل 70 عاماً، وتحديداً عام 1947، فيما أطلق عليه «الديمقراطية القيصرية» التى أنتجت نابليون الثالث فى فرنسا، وموسللينى فى إيطاليا، وهتلر فى ألمانيا، وحدد «نمير» فى كتاباته بعض خصائص «الديمقراطية القيصرية»، وتتمثل فى استخدام شعارات غوغائية، واستمالة العامة، وازدراء الأحزاب السياسية والنظام البرلمانى، وازدراء الطبقة المتعلمة وقيمها، وإطلاق الوعود المتناقضة.
كما يوجد قاسم مشترك آخر بين ترامب وأردوغان يتمثل فى رغبتهما الجامحة فى امتلاك السلطة، واعتمادهما من أجل تحقيق هذا الهدف على استغلال الانقسامات الحاصلة فى بلادهما ومحاولة تضخيم آثارها، وكلاهما يعلن أنه سيعيد العظمة لبلده، ولكنه فى الواقع يدفعها إلى مرتبة أدنى وحال أضعف، وسيبقى كل منهما للأبد يحاول قطع الغصن الذى يجلس عليه هو والجميع.
نقلاً عن المصري اليوم