رسالةُ الإرهاب: نذبحكم فى كل مكان!

أظنُّ الرسالةَ باتت واضحةً تصرخُ فى وجوهنا جميعًا. عصابةُ الدمّ خصومُ الحياة يقولون لنا بصوت غليظ إنهم «عابرون للمكان وللزمان». لن نتعجّل إجراءات المباحث التى سوف تحسم، بإذن الله، ملابسات استشهاد آخر ضحايا الدم: الطبيب «بسّام صفوت ذكى» أخصائى الجراحة العامة بمستشفى ديروط المركزى، الذى عُثر عليه مذبوحًا فى مسكنه قبل يومين، وشهد له زملاؤه بالمستشفى والإدارة الصحية بأسيوط بأنه كان حسن الخلق يتمتع بعلاقات طيبة مع الزملاء كافة، وأن لا أعداء له. لكن حوادثَ إرهابية ثلاثةً خلال أسابيعَ ثلاثة: بدءًا بتفجير سبع وعشرين سيدة وطفلة مسيحيات كنّ يصلين فى كنيستهنّ البطرسية فى وضح النهار، مرورًا بنحر مسيحيّ مسالم يجلس على باب متجره أمام المارّة فى شارع حيوى بالإسكندرية فى الحادية عشرة مساء، وانتهاء بذبح طبيب مسيحيّ فى مسكنه، لابد يقول لنا إن الإرهابيين يرسلون لنا رسالة فحواها: «فى بيوت الله، وفى الطرقات الحاشدة، وفى بيوتكم الآمنة، جئناكم بالذبح، نهارًا وليلا وعلى رؤوس الأشهاد».

ولستُ أدرى ماذا ينتظر العالم ليواجه «الإرهاب»؟! «الإرهاب الإرهاب» وليس «الإرهابيين»، ما أقصد. هل لابد أن يفنى العالمُ، حتى يبدأ أولو الأمر فى مواجهة العدوّ الحقيقى الذى يدمّر الإنسانية، ويُقوّض الحضارات ويمحو المنجز البشرى، مع فجر كل يوم جديد، بدأب لا ينفد وإصرار لا تفتر عزيمتُه؟! هل الأمرُ بكل ذلك الغموض فلا ينتبه صنّاعُ القرار فى بلادى أن الإرهابَ يكمن فى «الأدمغة» وليس فى خزائن الرشاشات والأحزمة الناسفة والقنابل والمُديّ والنصال؟ بماذا يشعر أربابُ الفتن حين تصرخ سيدة: «هو الدين بتاعكو كده؟» فى وجوه غوغاء يرشقون بيوت الله بالأحجار وشظايا الزجاج أو يحرقون منازلَ آمنة ويقتلون بشرًا مسالمين؛ بثقة تامة فى الإفلات من العقاب، فى مشهد مُهين لمصر ولتاريخها، لا يليق إلا بالعصور الهمجية الأولى قبل بناء الدولة وسيادة القانون؟! هل يشعر أربابُ الفتن من شيوخ الظلام بالرضا عن النفس حينما يُشار بإصبع الاتهام فور وقوع أية جريمة فى أى بقعة بالعالم إلى صدرنا نحن المسلمين؟ هل يشعر حكامُ مصر المتعاقبون بالفخر حين كتب «بطرس غالى» فى مذكراته: «سوء الحظ جعلنى أنتمى للأقلية فى وطن غير متسامح»؟

فى دولة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة التى أمضيتُ بها العام الماضى، أصبحت تلك المشاحناتُ العَقَدية والسخافاتُ المذهبية والمشاجراتُ العنصرية والملاسناتُ والبذاءاتُ الطائفية من بقايا «الفولكلور المنقرض» الذى يشاهده سكّانُ تلك الدولة على شاشات الفضائيات كوقائع راهنة تحدث فى بلادنا، فيتعجبون ويضربون كفًّا بكفّ كأنهم يشاهدون قناة ديسكفرى تعرض على Animal Planet غرائبَ وعجائب المخلوقات المنقرضة الآفلة. فى تلك الدولة الجميلة: تعيش فى وئام تام (ولا تتعايش)، مئاتُ الجنسيات يحملون مئات العقائد والطوائف والمذاهب، وليس من حقك «مجرد» أن تتجاسر وتفكر أن تسأل شخصًا، وإن كان عاملا بسيطًا، عن دينه أو طائفته أو مذهبه، أو حتى إن كان يؤمن أن هناك إلهًا لهذا الكون أم لا. لماذا؟ وكيف كان هذا؟ لأن هناك رجلا مثقفًا مستنيرًا اسمه الشيخ زايد، أحب وطنه حبًّا جمًّا فقرر أن يخلق نموذجًا فريدًا لمجتمع حُرّ راقٍ متحضر يحترم «الإنسان» كقيمة عُليا يجب الاستثمار فى طاقاتها اللانهائية من أجل الإنماء والترقّى وبناء المنظومة الحضارية السامية التى خلقنا اللهُ واستخلفنا على الأرض من أجلها. حصلت الإمارات العربية المتحدة على المرتبة الأولى عالميًّا فى التعايش السلمى بين الجنسيات لاحتضانها أكثر من ٢٠٠ جنسية على أرضها، وفقًا للتقرير السنوى للمنظمة العالمية للسلم والرعاية والإغاثة التابعة للأمم المتحدة. والحق أننى أفضل كلمة: «العيش» عن كلمة: «التعايش السلمى»، لما تحمل الكلمة الأخيرة من معنى التعايش القسرى بين الخصوم، مثل التعايش مع المرض أو مع العدو. هى حالٌ من العيش المتناغم كما بين أعضاء أوركسترا سيمفونى محترف يدرك أن أقل نغمة نشاز من أى عازف، تُفسد مجمل اللحن، لهذا يعزفون بجمال وسمو، وعينهم على قائد الأوركسترا الذى يعشق النغمة النظيفة مثلما يعشق المستمع؛ فيأبى أن تدخل أذنيه نغمةٌ نابية تشذ عن اللحن الموزون الآسر. هذا المايسترو، الشيخ زايد ومن تبعه من حكّام، كانوا من الجسارة وقوة البأس بحيث أصمّوا آذانهم عن فقراء الروح خصوم الحياة أعداء الجمال من أرباب الفتن الذين يبخّون سمومهم الملغومة على شاشات الفضائيات وفوق هامات المنابر وفى المنشورات التحريضية التى هى المسبب الأول لكل ما يجرى على أرض مصر، وفى مجمل بقاع الأرض، من جرائم طائفية يومية وبلطجات مقززة على يد موتورين يُسلّمون عقولهم وآذانهم لتلك الماكينة الإرهابية الجهنمية: الفتاوى التحريضية. الشيخ زايد هِبة الإمارات، ربُّ هبْ لنا مثله.
نقلا عن المصري اليوم