الأقباط متحدون | محنة الكرد الفيلية.. حتى في العراق الجديد؟
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٩:٠٧ | الجمعة ٢٨ يناير ٢٠١١ | ٢٠ طوبة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٩٠ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

محنة الكرد الفيلية.. حتى في العراق الجديد؟

الجمعة ٢٨ يناير ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: د.عبدالخالق حسين
ألا حد يرغب أن يوصف بأنه من (الأقلية)، خاصة إذا كانت هذه "الأقلية" من السكان الأصليين وقد ضربت جذورها في أعماق تاريخ الوطن. ولكن شئنا أم أبينا، لا يمكن الاستغناء عن هذه المفردة للتعبير عن مشاكل شعب متعدد الأطياف كشعبنا العراقي. فنادراً ما نرى شعباً متجانساً من قومية واحدة، وديانة واحدة، ومذهب واحد. وفي هذه الحالة، لا بد وأن تكون هناك أكثرية وأقلية. وفي مرحلة متخلفة من الحضارة، تحاول المكونة المهيمنة على السلطة اضطهاد المكونات الأخرى والتمييز بينها. لذلك فكلمة (الأقلية) ضرورة لغوية، وقانونية أيضاً، حيث وضعت الأمم المتحدة لها تعريفاً، وسنت لها القوانين الدولية من أجل حماية حقوق الأقليات. أما شعبنا العراقي فلعله ضرب رقماً قياسياً في تعدد أطيافه المختلفة، وذلك لأسباب جغرافية وتاريخية، لا مجال لذكرها في هذه المداخلة.

حقيقة أخرى جديرة بالذكر، وهي أنه خلال مختلف الحقب التاريخية، تعرض الشعب العراقي، بمختلف أطيافه، دون استثناء، إلى الظلم من قبل الأنظمة المستبدة طوال التاريخ، ولكن كان الظلم هنا على أنواع ودرجات. فحصة الأقليات من الظلم مضاعفة، لأن الأقليات تمثل الحلقة الأضعف في المجتمعات البشرية وخاصة المتخلفة منها. وفي هذه الحالة يقع عليها الظلم ليس من قبل السلطة الجائرة فحسب، بل وحتى من قبل المجتمع أيضاً.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان الشعب العراقي في عهد البعث مضطهداً بكامله، ولكن حصة الأكراد كانت مضاعفة، وذات أشكال متعددة مثل: إبادة الجنس عن طريق الغازات السامة في حلبجة، وعمليات الأنفال وغيرها، والمقابر الجماعية في طول البلاد وعرضها، إضافة إلى التهجير القسري الذي شمل الشيعة، والكرد الفيلية بتهمة التبعية الإيرانية.

وبعد إسقاط حكم البعث الفاشي عام 2003، ظهر لنا استبداد من نوع جديد، ألا وهو استبداد مليشيات الأحزاب الدينية، وفلول البعث الصدامي، وحليفتها منظمة "القاعدة" الإرهابية، مستغلة ظروف عدم استقرار المرحلة الانتقالية نحو تكامل بناء الدولة العصرية الديمقراطية. وهذه المليشيات والمنظمات الإرهابية راحت تضطهد الأقليات الدينية والمذهبية مثل الصابئة والمسيحيين والأيزيديين والشبك وغيرهم، في محاولة منها لتفريغ العراق منهم عن طريق حروب الإبادة والتهجير، إلى درجة أن الصابئة والمسيحيين على وشك الاختفاء من العراق تماماً كما حصل لليهود في العهدين الملكي والبعثي، وهم من أبناء العراق الأصليين.

ولكن محنة الكرد الفيلية هي من نوع آخر وتبدو بلا نهاية وحتى في العراق الجديد، ومهما تغيرت الأحوال السياسية، فهم "أقلية ضمن أقلية" حيث اجتمعت فيهم "اللعنتان" الكردية والشيعية. لذلك عانت هذه المكونة الأمرَّين في جميع العهود على يد السلطات العنصرية والطائفية المتعاقبة في الدولة العراقية الحديثة، وعوملت كأضعف حلقة في المجتمع، ولذلك كانت الأولى ليقع عليها الجور وظلم السلطة والتشكيك بوطنيتها وجنسيتها العراقية، وهم عراقيون عن أب وجد إلى ما قبل التاريخ المكتوب. فهذه الشريحة قدمت المئات من الشخصيات اللامعة في مختلف المجالات: الحركة الوطنية، والسياسية، والاقتصادية، والتجارية، والثقافية والفنية..الخ، ودفعت حصتها من التضحيات في سبيل الوطن ورفعته، وهذه التضحيات أكثر من أن تحصى.

وقد بلغ الظلم بحق هذه الشريحة الذروة في عهد حكم البعث الجائر، الذي أسقط عنهم الجنسية العراقية، وأرغمهم على الهجرة بتهمة التبعية الإيرانية، بعد أن صادر منهم جميع ممتلكاتهم وأموالهم، المنقولة وغير المنقولة، وجردهم من جميع الوثائق التي تثبت عراقيتهم وأملاكهم، بما فيها الشهادات الدراسية وإجازات السياقة، إضافة إلى حجز الألوف من شبابهم في معتقلات ثم أبادتهم فيما بعد.

هذه المظالم باتت معروفة لدى الجميع، ولكن ما لم يكن معروفاً لدى الجميع هو استمرار الظلم على هذه الشريحة من شعبنا حتى بعد سقوط الفاشية البعثية، إذ تصلنا أنباء مقلقة مفادها أنه بعد التحرير حيث عاد الكثير من الكرد الفيلية، أسوة بغيرهم من أبناء الشعب المهاجرين والمهجَّرين، إلى وطنهم العزيز، وسعوا إلى استعادة جنسيتهم التي صودرت منهم. ولكن عند مراجعتهم لدوائر الجنسية في بغداد، لاستعادة الشهادة الجنسية، لا تزال معاملاتهم تتم في شعبة الأجانب!!! كما وقد صدموا بطريقة المعاملة الفظة من قبل بعض الموظفين في هذه الدوائر. فعندما يراجع المواطن المهجَّر سابقاً لتمشية معاملاته لا تزال هذه المعاملات تتم في شعبة الأجانب، أي أنه ما يزال يعامل كأجنبي في وطنه، وليس مواطناً كامل الحقوق. فما هو شعور الإنسان عندما يعامله موظف في دائرة حكومية في بلده كأجنبي؟ لا شك أن أول سؤال يقفز في ذهنه هو: ما الذي تغيَّر؟ إذنْ أنا مازلت أعامل كأجنبي في وطني حتى بعد سقوط الفاشية البعثية. فهل هذه المعاملة عن قصد ولأسباب عنصرية، استمراراً لقوانين العهود البائدة؟ أم عن عدم الإدراك واحترام مشاعر المواطنين؟

نحن نعرف أن الحكومات المتعاقبة بعد التحرير، أبقت معظم الموظفين من العهد البائد في وظائفهم. وهذا شيء جيد أثنينا عليه وطالبنا به، لأننا نعرف أنه لا يمكن الاستغناء عن الملايين من الموظفين في دوائر الدولة والتضحية بهم، وهم أبناء شعبنا على أي حال، حتى ولو كانوا بعثيين سابقين، خاصة وأن معظمهم أجبروا على الانتماء لحزب البعث طلباً للسلامة، وليفوروا لقمة العيش لهم ولعائلاتهم. ولكن مع الأسف الشديد أساء البعض من هؤلاء هذه السماحة، فعملوا على نشر الفساد، ومواصلة سياسة العهد البعثي البائد في تعاملهم السيئ مع المواطنين بالأسلوب الفض لنشر التذمر بين أبناء الشعب، وتشويه سمعة الدولة ما بعد البعث وإيذاء المواطنين. فهؤلاء الموظفون مازالوا يقسمون المواطنين إلى مواطنين أصليين، وتبعية في شهادة الجنسية، ويبدو أنهم يريدون إبقاء لعنة التبعية تلاحق الكرد الفيلية إلى الأبد.

كما و أخبرني صديق أثق به، ومطلع على ما كان يجري في دوائر شهادة الجنسية في بغداد في العهود البائدة، أن شهادة الجنسية هذه كانت تقسم إلى (أ) و (ب). فالشهادة ذات علامة (أ) تعني أن حاملها من تبعية عثمانية و(ب) من تبعية إيرانية. ليس هذا فحسب، بل و حتى شهادة الجنسية (أ) كانت توقع من مدراء معينين، فتوقيع فلان يعني أن حامل هذه الشهادة سني، وتوقيع الآخر يعني أن هذه الشهادة ترجع إلى شيعي.
يبدو أن هذه السياسة مازالت متبعة لحد الآن، إذ لاحظ البعض من المراجعين الذين استطاعوا استرجاع الشهادة الجنسية أن هذه الشهادة مازال فيها الكثير من الرموز والشفرات الغامضة، كما كان في السابق ولعلها لنفس الأسباب، تحسباً للمستقبل.

لا شك أن الموظفين في الدوائر هم واجهة الدولة للشعب، لأنهم في حالة تماس مباشر مع المراجعين، وسلوكهم، ينعكس سلباً أو إيجاباً، على قمة السلطة وعلاقة الدولة بأبناء الشعب. لذلك نهيب بالمسؤولين الكبار، على مستوى رئاسة الجمهورية والوزراء، أن يعالجوا هذه المسألة الخطيرة، وألا يتركوها بأيدي الذين يريدون مواصلة سياسة التفرقة بين المواطنين لأسباب طائفية وعنصرية، والإساءة لسمعة الدولة الديمقراطية، في زمن نطمح فيه بناء دولة القانون والمواطنة والديمقراطية والمساواة بين المواطنين، فعصر تقسيم المواطنين إلى تبعية عثمانية وإيرانية قد ولى، فالكل هم من التبعية العراقية فقط، ودون أي تمييز على أسس عنصرية أو دينية أو طائفية




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :