الأقباط متحدون - مكرم محمد أحمد
  • ٢٠:٣٥
  • الجمعة , ١٣ يناير ٢٠١٧
English version

مكرم محمد أحمد

مقالات مختارة | حمدي رزق

٥١: ٠١ م +02:00 EET

الجمعة ١٣ يناير ٢٠١٧

حمدي رزق
حمدي رزق

عاد أستاذى وشيخى ومعلمى مكرم محمد أحمد إلى بيته معافى، وعكة صحية ألزمته سريراً بارداً فى المستشفى لأيام، ولأيام دعوت الله أن يقوم بالسلامة، دعوة ابن لأبيه، العميد مكرم محمد أحمد كان ولايزال أبى الروحى، ومهما باعدت بيننا الأيام إلا أنه يظل نبراساً صحفياً ينير لمثلى الطريق القويم فى هذه المهنة الصاخبة.

لماذا هذه السطور عن الكبير مكرم محمد أحمد، وهل تعز السطور الضنينة على هذه القامة المعتبرة، وما فائدة السطور إذا لم تسطر فى حب مَن علمنى الحروف كلها؟، ومَن علمنى حرفاً صرت له عبداً، والأستاذ «مكرم» لم يطلب من تلاميذه العهد، ولا تفضّل عليهم يوماً بفضل، ولا تكبر ولا رسم نفسه يوماً معلماً أو صاحب مدرسة، ولا اعتبرنا يوماً تلاميذ، بل ظل، وإلى الآن، يعامل الجميع الصغير منهم قبل الكبير باعتبارهم زملاء مهنة ودرب.

بلغ من العمر عتياً واشتعل الرأس شيباً، ولكنه لايزال يناطح فى صخر المهنة، وكأنه ابن العشرين، لم يخلق كثير من المشتغلين بالصحافة لهذه المهنة، ولكن «مكرم» خُلِقَ فقط لكى يكون صحفياً، ولم أتخيل يوماً الأستاذ مكرم سوى صحفى، نموذج يحتذى ومثال باهر.

نذر نفسه وعمره للصحافة وأعطاها من روحه، استولت عليه النداهة، فهام بها عشقاً، عاشق صبابة، الأستاذ يكتب بجوارحه، وحبر قلمه من محبرة قلبه، تحمل سطوره قبساً من روحه، سطور معاندة فى الحق الذى يعتقده، رافضة ما تأنفه نفسه، زاهداً بالكلية عما تهفو إليه نفوس ضعيفة فى مكسب رخيص دونه الكبرياء الذى يتمتع به الكبير قامة وقيمة.

كثيرون لا يفقهون سر العميد، لأنهم لم يقتربوا من قلبه الطيب، ولم يروا منه ضحكته المجلجلة ساعة صفا، ولم يشاطروه أحزانه، كتوم، لا يشكو وهو يتألم، ولا يضجر فى أقسى حالات الضيق، ولا يترخص، مثل الفرس العربى الأصيل، منخاره الكبير شامخ، تكاد تسمع دقات قلبه فى تردد أنفاسه فى رئة واسعة، يزفر كثيراً من قساوة الأيام التى مرت بالكبير فى كبد.

من القابضين على جمر المهنة، وقلمه ثابت فى يديه لا يهتز، والحقيقة أمام ناظريه لها وجه واحد، ولسانه زاعق بما يعتقد، ولا يخشى فى الحق لومة لائم، ولا يهادن ولا يوالس ولا يعنعن وهو القائل، ولا يقول إلا بما يعرف أنه الحق، حقانى ولو على رقبته، وحافظ للجميل، تطوق عنقه كلمة طيبة فيرق وتحلى أيامه وتطيب لياليه.

جلب عليه قلمه من المتاعب فى هذه السن المتأخرة من الألم الكثير، بعدد شعر رأسه الأبيض معارك صحفية ومهنية، لو سجلها ما وسعها مجلد ذكريات، حتى فى هذه المكرمة المهنية هو ضنين، لم يكتبها بعد وهى جديرة بالتسجيل لأجيال لم تعرف مسيرة الأستاذ، وما تيسر من سيرته.

أحبه حبين، حب المهنة، وحباً لأنه أهل لذاك، فى المهنة أستاذ، وفى الإنسانية مثل ثمرة التين الشوكى، تحتاج جهداً لكى تتحصل على قلبه الحلو، رسمنى صحفياً بقرار تعيين بقلمه، وتعهدنى بالرعاية، ولما استقمت صحفياً وجهنى إلى تقصى الحقيقة، وأوصانى بالمصداقية التى هى رأس مال الصحفى وزاده وزواده فى بلاط صاحبة الجلالة، قوّم الاعوجاج، ونشأنى وزملائى على شظف العيش صابرين.

باحث عن المتاعب، الصحافة فى عرف العميد ليست نزهة خلوية فى حديقة غنّاء، ولكنها تجشم المتاعب، وكأنه يبحث بمفرده عن المتاعب، وتستغرب أن بحثه لايزال فى هذه السن المتأخرة عن معلومة أو خبر وكأنه شاب يتعلم العوم فى لجة الموت.

مكرم محمد أحمد حالة مهنية تستأهل التوقف أمام قسوته على نفسه وعلى من يحب، وتبيّن تضاريس هذا الذى لا يهدأ ولا يركن ولا تلين عريكته، وكأنه لم يولد قط ولكن قُدّ من صخر الجبل، فولاذى العزيمة، متعه الله بكل الصحة، وأفاء عليه من فضله وأسعد أيامه.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع