الأقباط متحدون - شيخ الأزهر: بوذا الحكيم من أكبر الشخصيات فى تاريخ الإنسانية
  • ٢٠:٠٠
  • الثلاثاء , ٣ يناير ٢٠١٧
English version

شيخ الأزهر: بوذا الحكيم من أكبر الشخصيات فى تاريخ الإنسانية

أخبار مصرية | مبتدأ

٤٦: ١١ ص +03:00 EEST

الثلاثاء ٣ يناير ٢٠١٧

شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب
شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب

ألقى الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، كلمة فى افتتاح فعاليات الجولة الأولى من "ملتقى شباب بورما للحوار من أجل السلام".. وهذا نصها:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأبدأ كلمتى بالتهنئة بالعام الجديد أسأل الله تعالى أن يجعله عامًا سعيدًا حافلاً بالسلام والأمان للعالم كله، وأن يجعل منه عام حقن للدماء وإطفاء لنيران الحروب التى يشتعل أوارها بين إخوة الوطن وإخوة الدين وأخوة الإنسانية..

هذا وإن مجلس حكماء المسلمين الذى يشـرف بدعوة نخبة منتقاة من فتيان دولة ميانمار وفتياتها على اختلاف أديانهم وأعراقهم ليسعده استقبالكم فى بلدكم الثانى مصـر، والبلد الطيب الذى تعانقت فيه الأديان وانصهرت تجلياتها فى نسيج وطنى واحد، شكل صخرة من فولاذ، طالما تحطمت عليها آمال المجرمين والمخربين الذي يضمرون الشـر للناس ويريدون بهم الدمار والخراب.

ولستم -أيها الإخوة والأبناء من شعب ميانمار- بحاجة إلى مزيد من القول فى بيانى الخطر الماحق الذى يتهدد أوطانكم بسبب من الأزمة التى تدور رحاها فى ولاية "راخين"، هذه الأزمة التى تفقد كل مبررات بواعثها: الدينية والإنسانية والحضارية أيضًا، وإنها لأزمة غريبة -حقا- على شعب ميانمار الذى يضرب بجذور راسخة من قديم الأزمان والآباد فى تاريخ الدين والحكمة والسلام وتعلم منه الناس الكثير والكثير فى هذا الباب، وكانت حضارته وأديانه مشاعل سلام للإنسانية جمعاء.

وأنا لا أعرف فتنة أضر على الناس ولا أفتك بأجسادهم وأسكب لدمائهم من القتل والقتال باسم الدين تارة وباسم العرق تارة أخرى، فما للقتل بعث الأنبياء وأرسل المرسلون ولا للاضطهاد والتشريد جاء الحكماء والمتألهون.

وكيف! وقد تقرر فى الأديان الإلهية كلها وفى كتبها المقدسة وتعاليمها أن إرادة الله العلى الأعلى شاءت أن يخلق الناس مختلفين فى أديانهم وألوانهم ولغاتهم وأعراقهم، ولو أنه أراد أن يخلقهم جميعًا على دين واحد، أو يجعل لهم لونًا واحدًا ولغة واحدة وجنسًا واحدًا لفعل، ولما عجز، والأديان كلها تؤكد هذه الحقيقة المحورية فى فلسفة الخلق والتكوين: "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ" (الروم: 22)، وكما تعملنا أخوة الدين تعلمنا أيضًا أخوة الإنسانية، وأن الناس بالقياس إلى المؤمن إما أخ فى الدين، أو نظير فى الإنسانية، ومما كان يردده نبى الإسلام عقب كل صلاة ويشهد عليه قوله –ﷺ- مخاطبًا ربه: "أنَا شَهِيدٌ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ إِخْوَةٌ".. ولا يوجد برهان أكبر من هذه الشهادة التى تفتح باب الإخاء الإنسانى بين العباد إلى الأبد ودون تحفظ على جنس أو لون أو عرق أو دين، وتعلمنا الأديان أن الله تعالى كما خلق المؤمن خلق الكافر أيضًا، ونحن المسلمين نقرأ فى القرآن الكريم قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (التغابن: 2)، ويقول علماء القرآن إن تقديم الكافر على المؤمن فى هذه الآية دليل على أن الكفر هو الأغلب على الناس والأكثر فيهم، ويجب أن نعلم أن الحكمة الإلهية تتعالى عن أن يخلق الله -سبحانه- الكافرين ثم يأمر المؤمنين بقتلهم واستئصال شأفتهم، فهذا عبث يزرى بحكمة المخلوق فضلاً عن حكمة الخالق، لأن الجميع خلقه وصنعته وإبداعه، وجاء فى الأثر: "الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، وَأَحَبُّ خَلْقِهِ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ"، وليس بين المؤمن والكافر إلا الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، ثم ترك كل واحد منهما حبل صاحبه على غاربه.

وقد جاء فى كتاب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن: "مَنْ كَرِهَ الإِسْلامَ مِنْ يَهُودِيٍّ أو نَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّهُ لا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ"، كما جاء فى القرآن الكريم: "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ" (الكهف: 29).

وإذا كانت الأديان كلها تتبنى هذا الأدب الإنسانى الرفيع فى دعوتها للعلاقة بين المؤمن وغير المؤمن، فهل يعقل أن تنسى تعاليم الأديان ذلك أو تصادره بين أخوة الأديان وما يترتب عليها من حقوق إنسانية وواجبات خلقية!

أيها الشباب البورمى بكل أعراقه وأديانه!
إن حكمة البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلام، التى تزخر بها أرضكم، تناديكم صباح مساء: لا تقتلوا، ولا تسرقوا، ولا تكذبوا، والزموا العفة، لا تشربوا المسكرات، وقد تعلمنا فى كلية أصول الدين فى الأزهر الشريف، ونحن ندرس حكماء الشرق أن البوذية تعاليم إنسانية وأخلاقية فى المقام الأول، وأن بوذا هذا الحكيم الصامت، هو من أكبر الشخصيات فى تاريخ الإنسانية، وكان من أبرز صفاته الهدوء والعقلانية وشدة الحنان والعطف والمودة، وأن كبار مؤرخى الأديان فى العالم يصفون تعاليمه بأنها "تعاليم الرحمة غير المتناهية"، وأن صاحبها كان وديعًا مسالمًا غير متكبر ولا متشامخ، بل سهلًا ليـنًا قريبًا من الناس، وكانت وصاياه تدور على المحبة والإحسان للآخرين، وما أريد أن أهدف إليه من وراء هذا السرد هو أن مجلس الحكماء يعقد عليكم -أيها الشباب والشابات! -آمالًا فى أن تبدؤوا غرس شجرة السلام التى تظلل مواطنى "راخين" بل مواطنى بورما بأجمعهم، وأن تبدأوا فى نشر ثقافة المواطنة، حتى تقضوا على مفهوم "الأقليات" وما يجره هذا المفهوم البائس من إقصاء وتهميش، ينتهى دائمًا بسفك الدماء وتشريد الأبرياء، وعلينا أن ندرك أن هذه الصورة الشائهة التى تنقلها أجهزة الإعلام: قتلًا واضطهادًا ومطاردة، لم تعد تليق بشعب له تاريخ حضارى عريق كشعب بورما، وأن هذه التفرقة بين المواطنين لن تزيد الأمر إلا تعقيدًا، بل إعاقة لكل طموحات التقدم والتنمية فى هذا البلد، الذى أتمنى، ويتمناه معى مجلس الحكماء وهذه النخبة من خيرة العلماء والمثقفين والإعلاميين المصريين، أن يوقف إلى الأبد هذه الصورة القاتمة التى تؤذى مشاعر الإنسانية فى الشرق والغرب، ونحن هنا فى مجلس الحكماء وفى الأزهر الشريف ندعو شعب ميانمار إلى نزع فتيل الحقد والكراهية، ونؤكد أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالتطبيق الحاسم لمبدأ المواطنة الكاملة والمساواة التامة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الدين أو العرق.. ومجلس حكماء المسلمين على استعداد دائم لتقديم كل أوجه التعاون والدعم من أجل ترسيخ هذه المبادئ، وتقديم تجربة بيت العائلة المصرى، الذى يضم المسلمين والمسيحيين من شعب مصر، والذى نجح فى فترة قصيرة أن يرسخ مفهوم المواطنة الكاملة والعيش المشترك.

أيها الشباب لا أكتمكم أننا فى مجلس الحكماء قد شغلنا طويلًا بقضية السلام فى ميانمار، وارتأينا بعد تفكير عميق ودراسة مستفيضة أن أقرب الطرق إلى التفاهم والحوار حول القضية هو هذه العقول الشابة من مواطنى بورما، لأنهم الأقدر على تجاوز هذه الأزمة التى لو تركت فإنها ستأتى على الأخضر واليابس لا محالة. ولأنهم الأرحب فكرًا والأنقى سريرة والأيقظ ضميرًا والأكثر حماسًا وتطلعًا للسلام.

أخيرًا أتمنى أن يكون لقاؤنا هذا خطوة أولى للقاءات قادمة إن شاء الله على طريق صنع سلام عادل ودائم من أجل ميانمار، وكلى تطلع إلى أن يستمع منكم مجلس الحكماء وأن يتعرف على آلامكم وآمالكم وما يمكن أن نبذله لتخفيف الآلام وتحقيق الآمال.

شكرًا لكم وشكرًا لكل من شارك بالحضور لدعم قضيتكم.

والسَّلامُ عليكُم ورَحمة الله وبركاته.

الكلمات المتعلقة
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.