الأقباط متحدون - تأملات فى الميلاد المجيد
  • ٠٥:٢٥
  • الأحد , ١ يناير ٢٠١٧
English version

تأملات فى الميلاد المجيد

د. مجدي شحاته

مساحة رأي

٣٢: ٠٣ م +02:00 EET

الأحد ١ يناير ٢٠١٧

بقلم : د . مجدى شحاته
ان ميلاد السيد المسيح بداية خطة الخلاص التى رسمها الله لفداء البشر  .. فكان التجسد الالهى أمر حتمى وضرورى لخلاص الانسان عن طريق العدل والرحمة فى آن واحد . تجسد الابن الوحيد والكلمة الازلى لكى يقبل عقوبة وأجرة خطية آدم وعصيانه ، لينجوا آدم ونسله من الهلاك الابدى ويفتح أمامنا باب الحياة الابدية ... نعم انها رسالة فرح لكل الناس . " ها انا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب ، انه ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب " ( لو 2 : 10 - 11 ) .
كان ميلاد السيد المسيح عجيبا اعجازيا ، ولد بطريقة لم تحدث لكائن من البشر سواه ، ولن تحدث لاى كائن من البشر من بعده وهو الوحيد الذى تنبأ الانبياء بمولده قبل الميلاد بمئات السنين . هناك تفاصيل عجيبةشاهدها الانبياء بعين الايمان عن تجسد الله ، فتحدثوا عنها بالروح القدس ... فعندما أرادالله أن يخلى ذاته من أمجاده السمائية وينزل على الارض فقد كشف لداود النبى هذا الاخلاء : " ياجالس علىالكروبيم، أشرق قدام افرايم وبنيامين ومنسى ايقظ جبروتك وهلم لخلاصنا يا الله ارجعنا وانر بوجهك فنخلص " ( مز 80 : 1-3 ) وتنبأ أشعياء النبى قائلا " ليتك تشق السماوات وتنزل " ( أش 64 : 1 ) . ومن أقوى وأجمل النبوءات عن ميلاد المسيح والتى تجمع بين الله والانسان فى شخص واحد ، وتؤكد أن المولود له أسماء وصفات الله فيكون هو بالحقيقة الصورة الانسانية التى سيظهر بها الله للعالم .. تنبأ أشعياء النبى نبوته العظيمة : " لانه يولد لكم ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا الها قديرا أبا ابديا رئيس السلام " ( أش 9 : 6) وهذه النبوة جاءت مطابقة لما قاله معلمنا بولس الرسول " عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد تبرر فى الروح تراءى لملائكة كرز به بين الامم اومن به فى العالم رفع فى المجد " ( 1تى 3 : 16 ) .وعن بنوتهللآب تنبأ معلمنا داود النبى "الرب قال لى أنت ابنى. أنا اليوم ولدتك . اسألنى فأعطيك الأمم ميراثا لك وأقاصى الارض ملكا لك . " ( مز 2 : 7،8 ) والمقصودبعبارة  " اليوم  ولدتك " هو الميلاد الأزلى للابن من أقنوم اللآب ، والابن هو المتحدث فى هذه الآية عن قول الآب له " أنا اليوم ولدتك ". وجاء فى أعمال الرسل " ان الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم اذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضا فى المزمور الثانى أنت ابنى أنا اليوم ولدتك "( أع 13 : 33 ) .
لقدأعلن أشعياء النبى قبل الميلاد بمئات السنين بكل وضوح وصراحة " ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل " ( أش 7 : 4 ) ويقصد بكلمة ( عمانوئيل ) شخص السيد المسيح ( الله معنا ) ، وهذه النبوءة العظيمه تتطابق مع قول معلمنا متى البشير أن المولود من العذراء الطاهرة مريم هو نفسه ( عمانوئيل ) الذى دعاه الملاك جبرائيل والذى تنبأ به أشعياء النبى  " هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا " ( مت 1 : 23 ) . كذلك تنبأ زكريا النبى وقال : " ترنمى وافرحى يا بنت صهيون لانى هأنذا آتى وأسكن فى وسطك يقول الرب فيتصل أمم كثيرة بالرب فى ذلك اليوم ويكونون لى شعبا فأسكن فى وسطك فتعلمين ان رب الجنود قد 
 
 
أرسلنى اليك " . وفى هذه النبوة يوضح ما تنبأ به أشعياء النبى بكلمة ( عمانوئيل ) والتى تعنى أن الله معنا ، يسكن فى وسطنا ، وتتصل به أمم كثيره  فيعلمون أنه مرسل من الاب رب الجنود . هذه النبوءات تحدد ظهور الله متأنسا فى شخص السيد المسيح أذ يعلن انه من تشتهيه الامم سيأتى ليكون سلامها وأمنها وموضع سرورها . لقد تنبأ داود النبى بتجسد الله الكلمة وكأنه يرى الله قائما بشخصه ومعروفا باسمه فى أرض اليهودية فصارت مسكنا له . " من صهيون كمال الجمال الله أشرق ، يأتى الهانا ولا يصمت ... ذابح الحمد يمجدنى و المقوم طريقه أريه خلاص الهه " ( مز 50 : 2، 23 )   " الله معروف فى يهوذا اسمه عظيم فى اسرائيل . كانت فى ساليم مظلته ومسكنه فى صهيون "      ( مز 76 : 1،2 ). نعم لقد عين لنا الروح القدس الصورة الانسانية التى سيظهر بها الله بأكثر من شاهد .. فيقول ميخا النبى " اما انت يا بيت لحم .. فمنك يخرج لى الذى يكون متصلتا على اسرائيل . ومخارجه منذ القديم منذ أيام الازل . " ( ميخا 5:3 ) .. وتنبأ دانيال النبى فقال " كنت ارى فى رؤى الليل واذا مع سحب السماء مثل ابن الانسان أتى وجاء الى قديم الايام فقربوه اليه فأعطى سلطانا ومجدا وملكوتا تتعبد له كل الشعوب والامم والالسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض " ( دا 7 : 13 ، 14 ) .. ان هذا الانسان هو كلمة الله الذى هو ابنه .. وهو وحده الذى مستحق أن تتعبد له جميع الشعوب والقبائل والالسنة فهو الله المتأنس الذى أخذ جسدا وصار انسانا .
منذ حداثة عمرى وأنا طفل صغير و حتى يومنا هذا، كلما حل عيد الميلاد المجيد اعيش بكل جوارحى ومشاعرى مع شخصيات الميلاد فى المذود وحول المذود ... تعلوا معا أيها الاحباء نتقارب مع شخصيات الميلاد المحبوبة الجميلة بل الشخصيات السمائية .. عمانوئيل صاحب العيد .. طفل المذود .. المخلص .. الفادى .. عمانوئيل اسم جميل فيه كل الرجاء والامل والتعزية لكل البشر .. نعم لكل البشر فباب الايمان والخلاص والتوبة مفتوح امام كل البشر ... ان بركة الميلاد تحل علينا حينما نشعر ان المسيح معنا فى وسطنا ساكن فى قلوبنا . ان طفل المذود ينظر الى قلبك اليوم ويقول " هذه هى راحتى الى الابد ههنا أسكن لانى اشتهيتها " ( مز 132 : 14 ) ان  السيد المسيح لو ظهر فى جلال لاهوته ما كان انسان يستطيع ان يقترب اليه .. فعندما نزل الرب على الجبل ليعطى الوصايا العشر،ماذا حدث .. " وكان جبل سيناء كله يدخن من أجل ال الرب نزل عليه بالنار وصعد دخانه كدخان الاتون و ارتجف كل الجبل جدا " ( خر 19 : 18 ) .. وارتعد الشعب ، ولكن اليوم .. يوم الميلاد اخلى الله ذاته من الامجاد المحيطة به و من عظمة السماء ، واختلط بالناس تكلم معهم وتكلموا معه ، كان معلما وصديقا يجول يصنع خيرا ، وهكذا قال لتلاميذه : " لااعود اسميكم عبيدا  لكنى قد سميتكم أحباء " ( يو 15 : 15 ) . السيدة العذراء القديسة مريم .. الشهادة الحيه لحقيقة التجسد ، أم كل حى بالروح ..القائمة الى جميع الاجيال لتطوبها .. الام والعرش التى حملت الله الكلمة فى احشائها ، الملائكة يسبحون خالقهم فى بطنها وبعد الميلاد يظللون عليها وهى حاضنة وليدها الابن الكلمة المتجسد  . السيدة العذراء مريم أطهر واعظم الشخصيات بعد صاحب العيد فى قصة الميلاد التى استحقت ان تحمل ابن الله فى احشائها وتلده وتحتضنه طفلا رضيعا حتى لحظة ان كانت تحت أقدام اللآب عند الصليب .. فهى ام المولود والمصلوب  . انها امنا على طول الطريق ، رحلتنا من المذود الى الصليب .. من يوم ميلادنا فى المعمودية الى يوم ان نقول للرب  ( في يديك استودع 
 
 
روحى ) . القديس يوسف النجار ، الانسان البار هكذا يشهد له الوحى ، والبار كقول ذهبى الفم هو صاحب الفضائل العديدة ، فنال القديس يوسف مكانة فريدة بين رجال الكتاب المقدس ، ونال درجة رفيعة فى مجمع القديسين ، فهو الخادم الامين والمطيع المخلص لسر التجسد ، وهذا شرف عظيم له .. لقد صدر ليوسف النجار تكليف سماوى وقبله خاضعا مؤمنا .. لقد تحدثت له الملائكة ، فكان قلبا صاغيا وعقلا خاضعا .. كان له رسالتين اساسيتين : الاولى تكشف سر التجسد الالهى والفداء  .. والثانية .. الهروب مع العائلة المقدسة الى مصر ، وفى الطاعة المطلقة ليوسف البار واليقين الكامل بالعمل الخلاصى الذى قدمه الرب للبشرية .
هناك قديسون متزوجون عاصروا قصة الميلاد ونالوا بركته مثل زكريا الكاهن وزوجته اليصابات  ، وعندما تقابلت القديسة العذراء الطاهرة مريم حاملة للسر الالهى فى بطنها محجوزا عن معرفة الناس جميعا ، نرى جلال الاهوت معلنا حتى ليوحنا الجنين الذى تحرك ممتلئا من الروح منبها اليصابات ايضا ان ترفع العذراء القديسة من اجل كرامة ألوهية جنينها .. لقد كانت زيارة السيدة العذراء لأليصابات زيارة عادية ، فتاة صغيرة حامل بجنين تزور امرأة متقدمة فى ايامها وتدخل بيتها وبمجرد أن تسام عليها يكشف الروح القدس عن وجود السر الالهى العظيم الموجود فى أحشاء البتول . 
ومن شخصيات الميلاد ايضا ، الرعاة الذين كانوا من أول ثمرة الايمان بالسيد المسيح بين الامم . كان الرعاة فى البرية ساهرين ، وعلى حراستهم متواجدين ، كانوا يرعون حملانهم الصغيرة ، فى وسط الليل بزغ نور عجيب أ ضاء البرية فادهشهم !! ومن شدة وهجه أفزعهم فخاف الرجال خوفا عظيما ولم يدركوا ان راعى الرعاة قد أتى ... وهنا ظهر لهم ملاك الرب ليعلن لهم البشلرة : " لا تخافوا فها أنا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب .. انه ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب " ( لو 2 : 10 -11 ) وخلال هذا المشهد العظيم اذ بجند السماء من الملائكة ينشدون ويسبحون ويمجدون الرب " المجد لله فى الاعالى وعلى الارض السلام وبالناس المسرة " ( لو 2 : 14 ) 
من الشخصيات المرتبطة بالميلاد ، هؤلاء  الحكماء  الذين جاءوا من  بلاد فارس الى  المذود         ( المجوس ) .. رحلوا مسافات طويلة تاركين بلادهم وأهلهم دون اى هدف سوى أنهم أطاعوا ما وضعه الله فى قلويهم فآمنوا  وأتوا يسألون : " أين هو المولود ملك اليهود فاننا رأينا نجمة فى المشرق وأتينا نسجد له " ( مت 2 : 2 ) .. لقد ظهر لهم نجما عجيبا تحرك من الشمال الى الجنوب ، والمعروف أن النجوم تتحرك من الغرب الى الشرق ، ظهر النجم أثناء طلوع الشمس فكان نوره أكثر  سطوعا من الشمس .. قدموا للمولود هداياهم من الذهب واللبان والمر .. الذهب الذى يرمز للسيد المسيح الملك ، والبان يرمز اليه ككاهن ، والمر الذى يرمز الى آلامه من أجلنا .. لقد أعلن المجوس ايمانهم ( جئنا لنسجد له ) وصاروا شهودا للمسيح فى بلادهم حاملين اسمه كأول من آمن من الامم .
ان الميلاد هى بداية عمل الخلاص ، خلاص الانسان الذى يسعى اليه الله حتى لو قصر وأهمل الانسان فى خلاص نفسه . .. الميلاد يعلمنا العديد من الفضائل والدروس فى حياتنا العملية وينبغى ان يكون له فاعلية ونسلك بها فى حياتنا  . مناهم فضائل الميلاد  ، عدم الاهتمام بالمظاهر فالسيد المسيح ولد 
 
 
فى بلدة صغيرة هى بيت لحم فى مذود بقر فى يوم عادى ،ميلاد السيد المسيح يعلمنا الاتضاع  فهو الله الذى اخلى ذاته وأخذ صورة انسان  " أخلى ذاته ، واخذ شكل العبد ، وصار فى الهيئة كانسان " ( فى 2 7 ) نتعلم من ميلاد السيد المسيح البساطة ، فقد أعلن الرب عن مجيئ المولود للرعاة ، وللمجوس  ، وعلينا ان ندرك بأن اسرار الله تعلن لقلوب بسيطة تغرح وتسعد بها ، ولا نجعل تيارات العالم المعاصر المعقدة ان تسلب البسلطة من قلوبنا ، من دروس الميلاد أيضا أن المولود جاء  " فى ملء الزمان " ( غل 4 : 4 ) ولو ان الوعد بالخلاص تم الاعلان عنه قبل الميلاد بآلاف السنين ، الا ان لكل شيئ تحت السماء وقت ، وكل شيء يتم فى حينه الحسن ، حسب مشيئه الهه وارادته  ، ان مفهوم  " ملء الزمان "  يعلمنا فضيلة الصبر ، وننتظر مشيئة الله وارادته ، ولا نقلق  بل  ننتظر فى سلام وهدوء وراحة بال ، ننتظر الرب " من محرس الصبح حتى الليل " ( مز 129 )
فى ذكرى ميلادك  سيدى والاهى يسوع .. طفل المذود ، نتأمل هدايا المجوس فتندهش عقولنا وتخفق قلوبنا .. أكشف عن عيوننا ياسيد .. والهب قلوبنا لنتعمق فى هداياهم والمعنى الدقيق والعميق فى تقديماتهم ، والسر الخفى لقبولك هداياهم صامتا راضيا .. ونحن ياسيدى نأتى اليك فارغين اليدين ليس لنا ما نقدمه لك سوى قلوبنا لتسكن فيها .. نأتى اليك لتمنحنا عطايك وخيراتك .. نأتى اليك لتعطينا ما نقدمه لك ... نعم ياسيدى " من يدك أعطيناك " ...  فى عيد الميلاد المجيد نصلى لصاحب العيد أن نولد من جديد ويملء السلام والمحبة قلوب البشر فى كل بقاع الارض ، وكل عام وانتم بخير  .
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع