السيسي في بورسعيد
مقالات مختارة | محمود بسيوني
الاربعاء ٢٨ ديسمبر ٢٠١٦
فى اعتقادى أن هناك مشهدين يجب التوقف أمامهما بكثير من الفحص والتأمل، الأول زيارة المشير طنطاوى لميدان التحرير يوم 11 نوفمبر الماضي، والثاني زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى بورسعيد يوم السبت المقبل، فى أول زيارة له للمدينة الباسلة وفى ذكرى مرور 60 عاما على هزيمة العدوان الثلاثى على شاطئ قناة السويس .
أنا من المؤمنين بفكرة الرمز، والرمز هنا توقيت وزمان ومكان ورسالة، كان توقيت زيارة المشير طنطاوى لميدان التحرير رسالة من الجيش المصرى لمن تآمروا على مصر في 25 يناير ، تقول إن مصر نجت من المؤامرة وقادرة على مواجهة توابعها وآثارها الجانبية بقوة شعبها وصلابة جيشها، أما بورسعيد فكانت أهم نقطة ينهار فيها الاستعمار القديم بقطع ذيل الأسد البريطانى فى معركة بورسعيد 1956 وامتدت شرارتها لكل العالم برسالة الحرية والنضال ضد الاستعمار، وفيها انطلقت أولى موجات الثورة على حكم المرشد وكانت أول محافظة حررت توكيلا للفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع آنذاك، في إشارة بالغة الأهمية للعلاقة الخاصة بين بورسعيد والجيش المصري .
اعترف أنني منحاز لمحافظتي الجميلة ولتاريخها وشعبها المحب للحياة والمنفتح على العالم المار أمامه في القناة ، أحبها الرئيس جمال عبدالناصر وعلى أرضها ألقى خطبه المدوية وحمل أهلها سيارته بعد أول زيارة عقب نهاية العدوان فى رسالة للغرب أن بورسعيد رغم الدمار متمسكة بقرار التأميم ومستعدة لدفع الثمن ، وأحبت بورسعيد البطل الشهيد أنور السادات وعشقها السادات، وعلى أرضها أعلن للعالم عودة حركة الملاحة إلى قناة السويس، بعد انتصار الجيش المصرى فى حرب أكتوبر 1973 ، وحول بورسعيد إلى مدينة حرة لتنفتح أكثر على العالم وعلى باقي محافظات مصر ، وبدأت الهجرات الداخلية إليها للاستفادة من فرص التجارة والرخاء الاقتصادى .
لم تحب بورسعيد حسني مبارك، وكانت محاولة الاعتداء عليه عام 1999 بداية قطيعة مع المحافظة ، شعرت بعدها بالإهمال والترصد والتضييق ، وشعر أبناء بورسعيد بالاضطهاد من قبل الحكومة وعاقبت الحزب الوطني آنذاك بإسقاط مرشحيه في انتخابات البرلمان عامي 2000 , 2005 . عقب حادث استاد بورسعيد عام 2012 شعر أبناء بورسعيد أن النية مبيتة للانتقام من مدينتهم فالبعض ربط بين حادث الاستاد وبين مدينة بأكملها ليشعر البعض أن العقاب اقتصادي وسياسي ورياضي وتهيأ الجميع لشطب المصري فإذا به يحصل على حكم البراءة من المحكمة الرياضية الدولية ويتنازل عن المشاركة طواعية في الدوري تهدئةً للأجواء .
نزلت بورسعيد ضد حكم المرشد وقدمت الشهداء فى رفح الأولى والثانى وكل شوارعها مزينة بصورة بطل من أبنائها سقط فى معارك الشرف بسيناء ، وتحمست للرئيس السيسى منذ بداية ظهوره السياسي وكانت صورته يؤدى التحية العسكرية بعد إنهاء حكم الإخوان بطول أعلى مبنى مطل على القناة حتى تراها السفن العابرة، وفرحت بورسعيد بفوزه بالانتخابات واحتفلت بالقناة الجديدة ، إلا أن الأزمات ضغطت على البورسعيدية بعد صدور قرارات تستهدف المنطقة الحرة والاحتكاك بفريق النادى المصرى وأخيرا المماطلة فى تسليم شقق الإسكان الاجتماعى للمستحقين .
وكان السبب وراء ذلك الانهيار التجاري فى المدينة وتأثرها بقرارات تقييد المنطقة الحرة التى خلفت الآلاف من حالات البطالة، فضلا عن ارتفاع أسعار الوحدات السكنية ببورسعيد سواء بالشراء أو الإيجار والتى وصلت لمعدلات غير مسبوقة، بورسعيد حزينة وتحتاج لمن يحنُ عليها .. وقطعا ستشعر بالفرح حينما يقوم الرئيس بافتتاح الكوبري العائم الرابط بين ضفتي القناة من ناحية منطقة الرسوة، والمزارع السمكية بمنطقة شرق بورسعيد، وأوبرا بورسعيد المركز الثقافي بحي الشرق لكنها تحتاج أيضًا لحلول تعالج مشاكلها المتراكمة .
تحتاج لتحرك عالي المستوى يرعى مصالحة حقيقة بين جماهير النادي المصري ( شعب بورسعيد و جماهير النادي الأهلي) لقد مر أكثر من خمسة أعوام على مجزرة بورسعيد ولا بد من إنهاء تلك الخصومة بين أبناء الشعب المصري ضمن مبادرة أكبر لمواجهة العنف الناتج عن التعصب الكروي .
تحتاج قرارات من الحكومة تستعيد بها المميزات النسبية للمنطقة الحرة من خلال استعادة حقوق بورسعيد المسلوبة فى قانون إنشاء المنطقة الحرة طبقا للقانون رقم(5) لسنة (75) بما يحقق الاستفاده القصوى من بنود ومواد قانون المنطقة الحرة مع إعطاء بورسعيد ميزات نسبية لبعض السلع المستورده والحد من الاستيراد بنظام الوارد .
تحتاج إلى تنشيط السياحة الداخلية لتنشيط الحركة التجارية والقضاء على التهريب وسد منافذه حيث إن توفير السلع خارج بورسعيد بأسعار قد يكون قريبة جدًا من أسعارها ببورسعيد أو أرخص، تسبب فى أزمة طاحنة لدى البورسعيدية لاعتماد قسم كبير منهم على التجارة .
تحتاج إلى حل مشكلة الاسكان وتوفير الوحدات السكنية وإلزام المصانع والمشروعات الكبرى بإعطاء أولوية لأبناء المحافظة مع تخصيص نسبة من أرباح الكيانات الاقتصادية الكبرى داخل بورسعيد لصالح تطويرها.
أعلم أن أزمات بورسعيد جزء من أزمات أكبر تمر بها مصر كلها ، وأخطرها أزمة الدولار والكساد التجارى وإغلاق باب الاستيراد .. ومن أجل ذلك أطرح حلولا للمشاكل الصغيرة الكفيلة بتغيير نمط حياة المواطن وتنهى جزءًا كبيرًا من الاحتقان والغضب لدى البسطاء .
نقلا عن البوابة نيوز