«ابن طولون» صممه مسيحى و«البطرسية» رممها مسلم
مقالات مختارة | خالد منتصر
الاربعاء ٢٨ ديسمبر ٢٠١٦
هزنى بشدة الحوار القصير الذى نشر فى الصفحة الأولى من «الوطن» مع عامل البناء المسلم إبراهيم زين، الذى يشارك فى ترميم الكنيسة البطرسية بكل حب وحماس، «إبراهيم» الذى يصلى يومياً الظهر والعصر داخل الكنيسة!، انتقل من الإسكندرية إلى القاهرة ليشارك فى الترميم، يعمل بفرح وليس بمجرد روتين وأكل عيش، لا بد أن تحس عندما تقرأ عباراته البسيطة الفطرية برعشة كهرباء سحر مصر الأصيلة تسرى فى جسدك، مصر التى ما زالت نواتها تحتفظ بجينات الإنسانية والضمير برغم كل التلوث الداعشى الذى أصاب السطح، يقول إبراهيم زين الإسكندرانى الجدع الذى لا يعرف طريق استوديوهات مدينة الإنتاج ولا رطانة ميكروفونات التوك شو «بنصلى لربنا وبنصلى على النبى وعلى ستنا مريم عليها السلام، أنا شخصياً مبسوط إنى شايف صورتها وباشتغل فى بيتها»!!، الله على جمال وصفاء وجدان هذا العامل البسيط المكدود، هذا المصرى الذى لم تسحق عقله فتاوى ياسر برهامى الكريهة، ولم تسمم روحه صرخات منع تهنئة الأقباط وتضييق الطرقات وعدم المودة!، لكن هل تاريخ مصر يبدأ من عند إبراهيم زين؟!، ل
نقرأ حكاية سعيد بن كاتب الفرغانى الذى صمم وشيَّد جامع ابن طولون أجمل وأروع مساجد مصر، يقول المؤرخون، وعلى رأسهم «المقريزى»، عن هذا المهندس القبطى المبتكر المبدع، إنه هو الذى صمم مقياس النيل بالروضة، إلا أنه كما يقول الكاتب جرجس بشرى، لسوء الحظ بينما كان ابن طولون يتفرج عليها عثر حصانه بكومة تراب أهمل العمال فى نقلها فغضب على الفرغانى وألقاه فى السجن، وأقتبس لكم حرفياً ما كتبه عنه المقريزى «والذى تولى لأحمد بن طولون بناء هذه العين رجل نصرانى حسن الهندسة، حاذق بها، وإنه دخل إلى أحمد بن طولون فى عشية من العشايا فقال له إذا فرغت مما تحتاج إليه فأعملنى لنركب إليها فنراها. فقال يركب الأمير إليها فى غد فقد فرغت، فتقدم النصرانى فرأى موضعاً يحتاج إلى قصرية جير وأربع طوبات، فبادر إلى عمل ذلك. وأقبل أحمد بن طولون يتأمل العين فاستحسن جميع ما شاهده فيها. ثم أقبل إلى الموضع الذى فيه قصرية الجير،
فوقف بالقصد عليها، فلرطوبة الجير غاصت يد الفرس فيها فكبا بأحمد. ولسوء ظنه قدر أن ذلك لمكروه أراده به النصرانى. فأمر بشق عنه ما عليه من ثياب وضربه خمسمائة سوط وأمر به إلى المطبق (السجن)، وكان المسكين يتوقع الجائزة بدل ذلك دنانير، فاتفق له السوء»، فكر «ابن طولون» بعد ذلك فى بناء جامع يكون أعظم ما بنى فى مصر من الجوامع، بحيث يقيمه على 300 عمود من الرخام، فقيل له إن مثل هذا العدد من الأعمدة لا يمكن الحصول عليه إلا إذا هدمت كنائس ومعابد النصارى، وكانت هناك فتوى بتحريم ذلك، وبينما هو فى حيرة إذا برسالة من السجن يخبره فيها «الفرغانى» عن استعداده لبناء الجامع دون احتياج لأعمدة الكنائس، بل أكثر من ذلك بنى أجمل «ميضة» للوضوء بدلاً من استعارة أحواض اغتسال خميس العهد التى كانت فى الكنائس، ويقال إنه بعد بناء الجامع أجبره «ابن طولون» على اعتناق الإسلام فرفض فتم التخلص منه بجزاء سنمار!!،
للأسف لو صحت تلك القصة عن ابن طولون لا بد أن نخرج منها بدلالة واضحة وهى أن التسامح يبدأ من الناس لا من الحاكم، والتغيير هو تغيير ثقافى قبل أن يكون تغييراً سياسياً، راهنوا على نواة المصريين الصلبة ولا تراهنوا على قشرة تجار وسماسرة الدين.
نقلا عن الوطن