حين انتخب «رونالد ريجان » رئيساً للولايات المتحدة، نهاية عام 1979، دٌهش كثيرون حول العالم، لم يكن «ريجان» نجماً ولا فاعلاً سياسياً، ولا كان واحداً من أبناء المؤسسات الأمريكية الكبرى، وكانت الدهشة أكثر فى عالمنا العربى، حتى أن مفكراً فى وزن د. فؤاد زكريا تساءل وقتها على صفحات مجلة «العربى» الكويتية، هل عقمت أمريكا فلم تجد سوى ممثل مغمور وعجوز لتختاره رئيساً لها؟ ومضت السنوات ليصبح «ريجان» واحداً من أبرز رؤساء أمريكا، ونجح بالتحالف مع رئيسة وزراء بريطانيا «مارجريت تاتشر»، المرأة الحديدية، فى أن يأخذ العالم كله فى الطريق الذى أراده هو، كما نجح فى أن يأخذ الاتحاد السوفيتى إلى حرب «النجوم» لاستنزافه اقتصادياً، الأمر الذى انتهى بتفككه من الداخل واختفائه تماماً سنة 1990، وإلى اليوم يعد «ريجان» فى نظر المؤرخين والمحللين، مهندس تفكيك الاتحاد السوفيتى.
الآن، نحن نقف على أعتاب رئاسة أمريكية جديدة، إذ يدخل ترامب البيت الأبيض بعد أقل من شهر، وكان نجاحه مفاجئاً للكثيرين، وعلى غير توقع أو غير رغبة وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى «المؤثرة» والتى تبين- فعلياً- أنها ليست مؤثرة، بل وأنها معنية بانحيازات القائمين عليها بعيداً عن رأى الشارع والواقع الأمريكى، والواضح أن الدهشة من نجاح ترامب كانت أوروبية أيضاً، والمعلن أمامنا من أحوال العالم أنه بدأ يستعد لاستقبال «ترامب»، بمعطيات وشروط «ترامب» نفسه، ذلك أن الظروف والعوامل التى سمحت له بالنجاح المريح فى الولايات المتحدة، قائمة فى معظم الدول الأوروبية، وفى غير أوروبا أيضاً، أى فى منطقتنا.
ومازلت مصراً على أن السياسة الأمريكية، وإن كانت ثابتة فى توجهاتها واستراتيجيتها العامة، فإنها فى التنفيذ تتعدل من رئيس لآخر، وللرئيس دائماً بصماته، مثلاً كانت أمام جورج بوش الأب- سنة 1991- بعد تحرير الكويت مباشرة، فرصة سانحة لإسقاط صدام حسين، لكنه لم يفعل، احتراماً لرغبة مصر والسعودية آنذاك، لكن بوش الابن، عمل جاهداً وافتعل أسباباً لإسقاط صدام وإعدامه، لأنه كان مصمماً على ذلك، وكان يكره صدام حسين بشكل شخصى، نفس الأمر يمكن أن يقال عن القذافى، حين قامت الطائرات الأمريكية بغارات عنيفة على ليبيا زمن الرئيس «ريجان»، واعتبرته الإدارات الأمريكية المتعاقبة «شريراً»، لكن إدارة «أوباما» كان لديها إصرار على ضرورة إزاحته، على النحو الذى كشفته السيدة «هيلارى كلينتون» فى مذكراتها.
نحن أمام رئيس جديد للولايات المتحدة، وهو الآن بصدد تشكيل أركان إدارته، والعالم كله يترقب، فيما يخص منطقتنا، الأمور- حتى الآن- أقرب إلى الوضوح، والموقف من إسرائيل لن يتغير، كأى رئيس للولايات المتحدة، لا ننسى أن الرئيس «أوباما» وقّع قبل حوالى شهرين أكبر اتفاقية سلاح مع إسرائيل فى تاريخها.
على مستوى الإرهاب، هناك فارق، كانت إدارة «أوباما» تتلاعب فى هذا الأمر، وتميز بين إسلام معتدل وآخر عنيف، ومن يمثل الاعتدال لديهم، ليس الإسلام الصوفى مثلاً، وليس الأزهر الشريف، والمؤسسات الدينية الرسمية، بل يمثله عندهم جماعة الإخوان الإرهابية، وجبهة النصرة التى هى جزء من تنظيم القاعدة، الذى خرج من رحم جماعة الإخوان، وبهذا التلاعب سمح للإرهاب أن يتفشى فى المنطقة، على النحو الذى نراه، والحق أنه انتشر فى العالم كله، وليس فى منطقتنا فقط، مازال حادث الدهس فى برلين ماثلاً أمام أعيننا.
لكن هل هذا يكفى- وحده- لدحر الإرهاب والإرهابيين؟!
بالتأكيد لا، هناك دور كبير علينا، الدور الرئيسى، لا ننسى أن الشعب المصرى خرج فى 30 يونيو وأزاح جماعة الإخوان، على غير رغبة الإدارة الأمريكية، واختار طريقه بنفسه ولنفسه، والمؤكد أن الإدارة الجديدة سوف تسقط الغطاء عن الجماعة الإرهابية، ويمكن أن تضع حداً فاصلاً بين حقوق الإنسان فى الحياة الكريمة، وحق الإرهابيين فى الإرهاب، وهذا ليس بالهين فى المعركة مع الإرهاب، ترامب أعلن، وهو مرشح، أنه يعتبر جماعة الإخوان إرهابية.
واجهت مصر وبلاد المنطقة الإرهاب من قبل، وفى كل مرة انتصرت، والفارق فى هذه المرة هو الغطاء الدولى الذى منح للجماعة الإرهابية من إدارة «أوباما».
الرئيس الجديد واضح فى إدانته للإرهاب، وللإرهابيين، لا يتلاعب بالألفاظ والكلمات، ويبدو أنه لن يوظف فريقاً من الإرهابيين لخدمة مشاريعه وسياساته فى المنطقة، كما حدث من قبل، وهذا ما يمكن أن يعجل بنهاية الإرهاب والإرهابيين فى بلادنا.
نقلا عن المصرى اليوم