الأقباط متحدون - اطلبوا التقشف ولو فى الصين!
  • ٢٢:٤١
  • الثلاثاء , ٢٧ ديسمبر ٢٠١٦
English version

اطلبوا التقشف ولو فى الصين!

مقالات مختارة | بقلم : محمود مسلم

٣٠: ٠٩ م +02:00 EET

الثلاثاء ٢٧ ديسمبر ٢٠١٦

محمود مسلم
محمود مسلم

 حضرت إلى بكين بصحبة مجموعة من الزملاء الصحفيين للمشاركة فى ملتقى الحوار الفكرى الصينى المصرى عبر طريق الحرير، الذى تنظمه كلية الدراسات العربية بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين بالتعاون مع المكتب الثقافى للسفارة المصرية هناك.

 
وفوجئنا بعد الجلسة الأولى للمؤتمر بـ«د. بسام» عميد الكلية العاشق لمصر، يدعونا إلى وجبة الغداء ويعتذر بأدب شديد عن أن الوجبة بسيطة بسبب قرار لجنة الانضباط بالتقشف، وهو ما أثار أسئلة عديدة لدينا، فأجاب الرجل: كانت الدعوات مفتوحة بلا سقف مالى لكن لجنة الانضباط التى شكلها الرئيس الصينى منذ عام تقريباً أعلنت تطبيق التقشف، وأصبحنا مضطرين إلى شراء وجبة غداء للضيوف فى حدود 30 يوان «أقل من 5 دولارات»، وعندما سألنا المضيف الصينى: هل هناك أزمات مالية تواجه الصين لتفعلوا ذلك؟ فرد: لا، ولكن الإسراف أمر غير جيد، ويجب أن يكون الجميع مستعداً، وأشار إلى أن قرارات اللجنة تطبق على جميع الهيئات وهى ليست مقتصرة على بند الغذاء فقط، بل تشمل أموراً عديدة لتقليص النفقات، وتتم متابعة القرارات بدقة.
 
تركنا الوجبة البسيطة أو انتهينا منها بسرعة لنسأل د. حسين إبراهيم، المستشار الثقافى لمصر بالصين، وهو أيضاً أستاذ اللغة الصينية بكلية الألسن جامعة عين شمس، عن هذه اللجنة، فقال إن التقشف يتم فى جميع الهيئات الصينية، فمثلاً الوزير فقط هو الذى يقيم فى فندق خمس نجوم بالخارج، وأى زيارة لمسئول رسمى لا تتجاوز بأى حال 5 أيام مع مراعاة أن هناك يومين سيستغرقهما فى الذهاب والإياب.
 
«د. حسين» فجَّر مفاجأة أخرى حينما قال إن اللجنة ليست مختصة بالتقشف فقط، ولكن بمواجهة الفساد، وقد قبضت على 19 ألف مسئول منهم قيادات كبيرة جداً سواء فى الحكومة أو الحزب الحاكم، وحينما سألناه: هل يتم الإعلان؟ قال طبعاً حتى سائق التاكسى يعرف وتقوم اللجنة بإحالة الواقعة إلى القضاء بعد التحقق منها، ولا تبحث فى الوقائع فقط لكنها تفتش عن الثروات الكبيرة لدى مسئولى الحكومة ومصادرها خاصة مع هروب رؤوس أموال كثيرة خارج الصين.. وأوضح أن كثيرين من مسئولى وموظفى الحكومة أصبحوا يخشون مقابلة أحد خارج مكان العمل حتى لو كانت الدعوة على كوب من الشاى «الصينى طبعاً».
 
بالمناسبة حجم الاقتصاد الصينى فى نهاية عام 2015 وصل إلى 10٫8 تريليون دولار أمريكى، وهو ثانى أكبر اقتصاد عالمياً، كما أن احتياطى العملات الأجنبية 3330 مليار دولار، وهو الأول فى العالم، ومع ذلك تركز الدولة فى وجبة الضيافة ذات الخمسة دولارات لأنها أدركت مبكراً خطورة الإسراف وتفشى الفساد.
 
فى الصين نسمع حكايات وروايات عن مواجهة التحديات والتقدم ورؤية الدولة، وخطوات جادة للمحافظة على تماسكها الأمنى والثقافى فى ظل تطور التكنولوجيا، لكن كانت فكرة لجنة الانضباط هى الأكثر إثارة فى دولة لا تعانى من أزمة اقتصادية حادة مثل مصر، والأهم من قرارات اللجنة هو تنفيذها على الكبير والصغير، بينما الواقع فى مصر يكشف عن إسراف حكومى لا يتناسب إطلاقاً مع الأوضاع المالية أو كون الدولة تخوض حرباً حقيقية، فهل نتعلم من الصين هذه الآلية فى مواجهة ظاهرة تفشى الفساد والإسراف؟ فالأولى إدراك وجود الفساد المستشرى كثيراً وبآليات مختلفة عن الآليات التى نما وترعرع فى عزها وأيضاً أن تطبق نظرية اطلبوا التقشف ولو فى الصين!
نقلا عن الوطن
 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع