الأقباط متحدون - مكائد ودسائس لحرق وهدم الكنائس
  • ٠٩:٥٢
  • الأحد , ٢٥ ديسمبر ٢٠١٦
English version

مكائد ودسائس لحرق وهدم الكنائس

فاروق عطية

مساحة رأي

٢٢: ٠٩ م +02:00 EET

الأحد ٢٥ ديسمبر ٢٠١٦

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

فاروق عطية
   بدأت المكائد والدسائس لحرق وهدم الكنائس منذ تولي أنور السادات سدة الحكم، وكان قبلها قد صرح في جدة عام 1965- عندما كان السكرتير العام للمجلس الاسلامي - بأنه خلال عشر سنوات سينهي وجود الأقباط المسيحيين في مصر، ومن يتبقي منهم سيصبح ماسح أحذية، وراح السادات قتيلا بيد الحيات التي أطلقها وبقي المسيحيون وسيظلون بعناية الله لأهل الكنانة أجمعين.

   عند وفاه عبد الناصر لم يكن فى السجن من الجماعات الإسلامية الإجرامية سوى 118 شخصا – 80 من الإخوان المسلمين المتشددين مثل عمر التلمسانى ومحمد قطب ومصطفى مشهور، و 388 من جماعات التكفير والهجرة أبرزهم على عبده إسماعيل وشكرى مصطفى. طلب السادات فى بدايه حكمه ملفاتهم وقرر الإفراج عنهم فى صفقة سياسية بدون مقابل ومن طرف واحد ومن غير تأمين رغم  تحذير جميع أجهزه الأمن والشرطة بخطورة ذلك، فقد كانوا جميعا مصنفين " خطر جداً ".  وكأن التاريخ يعيد نفسة فقد وقع الخليفة عثمان بن عفان في نفس الخطأ عندما وافق على الإفراج عمن حدد عمر بن الخطاب إقامتهم وكأنه وافق علي قرار بإعدامة على يد أولائك الصقور الشرهة المتعطشة للدماء، وتكررت نفس الحكاية مع السادات – وإنتشر المتأسلمون فى ربوع مصر ينشرون الموت والفزع والإرهاب وخططوا لكل محاولات الإغتيالات فى مصر.

   كما كان الفاطميون ومن بعدهم المماليك يطلقون علي أنفسهم ألقاب كالحاكم بأمر الله، المعتصم بالله، الملك العادل، الملك الظافر، كذلك أطلق السادات علي نفسه لقب "الرئيس المؤمن” كما رفع  شعار "دولة العلم والإيمان". وتبنى سياسة مهادنة الجماعات الإسلامية الإجرامية التى تتخذ من الدين ستاراً لنشاطها الدموى. حدث بينه وبين الإخوان المسلمين تقارب شديد، وأعطاهم حرية التحرك مع تقييد حركة جهات الأمن، وفوجئت مصر بمذبحة الكلية الفنية العسكرية، ثم تلاها خطه صالح سرية "تخدير أفراد الحراسة للإستيلاء على أسلحة ثقيلة من الجيش" تمهيدا لقتل السادات وكبار رجال الدوله الذين كانوا مجتمعين فى وقت واحد فى مبنى اللجنه المركزية بكورنيش النيل، وقبض على صالح سرية وكارم عزام وطلال الأنصارى وحكم عليهم بالإعدام وخفف الحكم علي الأخير إلي السجن المؤبد. في خريف عام 1981 علي إثر حدوث بوادر فتن واضطرابات شعبية رافضة لمعاهدة الصلح مع إسرائيل وسياسات الدولة الاقتصادية، قامت الحكومة بحملة اعتقالات واسعة شملت المنظمات الإسلامية ومسؤولي الكنيسة القبطية والكتاب والصحفيين ومفكرين يساريين ولبراليين، وصل عدد المعتقلين بالسجون المصرية إلي 15366 معتقلا، وكان ذلك بمثابة المسمار الأخير الذي دق في نعش حياته. وتولي سدة الحكم بعد مقتله نائبه حسني مبارك الذي سار علي نفس درب سابقه في مهادنة التيارات الدينية، تاركا لهم الحبل علي الغارب وازدياد حدة الاحتقان الطائفي بشرط عدم التعرض لعرشه شخصيا.

   وحتي نكون منصفين، لم يكن السادات وحده مسؤولا عن التطرف الديني الذي استشرت حدته إبان فترة حكمه. لكن الحقيقة أن لجمال عبد الناصر السبق وبداية الخطيئة بتحويله الجامع الأزهر لجامعة وانتشار المعاهد الدينية في كل محافظات مصر بل في معظم مدنها، وكان ذلك هو المعول الهادم للوحدة الوطنية التي كانت مختفية منذ عصر محمد علي باشا وباقي الحكام من أسرته. في المعاهد الأزهرية الابتدائية والثانوية وفي كليات جامعة الأزهر المختلفة، تدرس كتب التراث مثل كتاب الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع والصحيحان البخاري ومسلم وكتب ابن تيمية وغيرهم ممن أوردوا الكثير من الأحاديث التي تحض علي قتل تاركي الصلاة أو المشركين والكفار وأسري الغزوات باسم الدين، بل والتحريض علي أكل جثثهم بعد قتلهم، وكذلك روايات لما فعله السابقون من جرائم مماثلة. وازدادت الوطأة بعد النكسة واضطرار العديد من المصريين النزوح إلي دول الخليج البترولية خاصة المملكة السعودية للعمل وعاد الكثير منهم متشبعا بالفكر الوهابي المتشدد ونشره في قري مصر ومدنها.

   قد يتساءل البعض: ألم تكن كتب التراث هذه موجودة منذ مئات السنين وكانت الفتنة الطائفية تكاد تكون معدومة ؟ نعم كانت هذا الكتب موجودة ويدرسها طلاب العلم بالجامع الأزهر، وكان الدعاة بعد تخرجهم يلقون خطبهم في الجوامع والزوايا بما تعلموه من هذه الكتب، ولكن كان المتلقين لهذه الخُطب يسمعون ولم تكن لديهم القدرة والتنظيم علي التطبيق. وبعد ظهور تنظيم الإخوان المسلمين (1928) وانتشار دعوتهم والعمل علي نشر أفكارهم بين الشباب والانتقال بعدها للحشد العسكري السري المنظم صارت لهم القدرة علي تطبيق ما يؤمنون به من عقائد تعلموها من كتب التراث بل وزادو عليها مؤلفاتهم علي نفس الدرب والطريق. وبدأوا في تطبيق أفكارهم إبان الحكم الملكي وكان محدودا لقوة الحرس الحديدي الذي كان يقاوم عملياتهم بشتي الطرق حتي اغتيال زعيمهم حسن البنا. أيضا في فترة حكم عبد الناصر تم اعتقال العديد من قياداتهم لمحاولاتهم الاستيلاء علي الحكم بالقوة.

    زاد معدل الفتنة الطائفية في فترة حكم حسني مبارك الذي هادن الجماعات الإسلامية وعلي رأسها تنظيم الإخوان المسلمين، وكنا نأمل بعد قيام ثورتين أن يتغير الحال ويسود الود والحب كما كان بين كل أقباط مصر مسلمين ومسيحيين من مئات السنين، ولكن ليس كل ما يتمني المرء يدركه. تخلصنا من ديكتاتورية وفاشية مبارك بثورة 25 يناير، ثم تخلصنا من الفاشية الدينية المتمثلة في حكم المرشد بثورة 30 يونيو، ولكن ظل الحال هو الحال. استبدل نظام الحكم الجديد الإخوان بالسلفيين الوهابيين وهم أشد مكرا وأكثر تشددا، فأذاقوا إخوتهم في الوطن أكثر مما كانوا يذوقون. نسمع ما يقوله السيسي عن الدولة المدنية وحق المواطنة وإصلاح الخطاب الديني وتفعيل سلطة الدولة بالقانون والعدل نصدقه، ولكن ما يحدث علي أرض الواقع من ازدياد العنف ضد المسيحيين وضد من يطالب بالإصلاح وتنظيف كتب التراث مما علق بها من مغالطات كانت تصلح في الماضي ولكنها لا تصلح اليوم فنزداد عجبا.

   يوم الأحد الماضي (11 ديسمبر 2016) حدث تفجير إرهابي بالكنيسة البطرسية المجاورة للكاتدرائية المرقسية بالعباسية، أدي إلي تدمير الكنيسة واستشهاد 26 معظمهم من السيدات والأطفال إضافة لـ 70 مصابا. كان الإعلان الأول الذي نشرته الصحف بناء علي تصريح مسؤول من الطب الشرعي أن الانفجار نتج عن تفجير قنبلة وضعتها سيدة منقبة تحت أحد المقاعد في المنطقة المخصصة للسيدات وخرجت وتم التفجير عن بعد. بعدها أعلن الأمن الوطني أن الانفجار ناتج عن دخول انتحاري مبني الكنيسة وحين جري خلفه خادم الكنيسة فجر حزامه الناسف مما أدي لتحطيم الكنيسة والإصابات المذكورة. وأحدثت تلك التصريحات المتناقضة الكثير من البلبلة وعدم التصديق لأي من الروايتين. وفي اليوم التالي أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أن إسم من قام بتفجير نفسه بحزام ناسف، هو شاب في الثاني والعشرين من عمره ينتمي لعصابة الإخوان المسممين بايع تنظيم داعش الإرهابي وإسمه محمد شفيق محمد مصطفي وهو من مواطني الفيوم وكان طالبا بكلية العلوم جامعة الفيوم، وأضاف قائلا إوعوا تفكروا أن ما حدث ناتج عن تقصير أمني. لم يصدق الكثيرين رواية السيد الرئيس ظانين أنه قد غُرر به وأعطي بيانات غير صحيحة من الأمن حتي ينفي عن نفسه التقصير، خاصة وأن تقصير الأمن كان واضحا جليا حيث ذكر العديد من الشهود أن رجال الأمن المكلفين بالحراسة كانوا متجمعين في سيارة علي الرصيف المقابل يتناولون إفطارخم تاركين بوابة الكنيسة بلا حراسة.

   وتأكد صدق رواية السيد الرئيس بما تلي من مشاهد من داخل معامل الطب الشرعي تثيت بما لا يدع مجالا للشك، كما أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الحادت عن طريق إرهابي فجر بفسه بحزام ناسف داخل الكنيسة. وكانت الخسائر المادية تفوق المائة مليون جنيها، وهي عبارة عن تدمير للوحات الخاصة التي رسمها الرسام الإيطالي " بريمو بابتشيرولى" والتي تتزين الكنيسة بها ولوحات الفسيفساء التي صنعها " الكافاليري أنجيلو جيانيزى" من فينسيا مثل فسيفساء التعميد، والتي تمثل السيد المسيح ويوحنا المعمدان في نهر الأردن. وتم تدمير حوض من الرخام يقف على أربعة عمدان، وصورة بالفسيفساء في قبة الهيكل تمثال للسيد المسيح وعلى يمينه السيدة العذراء وعن اليسار "مارمرقس الرسول. وقد تعهد سلاح مهندسي جيش مصر علي ترميم الكنيسة وإعادتها لما كانت عليه خلال 15 يوما لتكون جاهزة للصلاة في عيد الميلاد المجيد، وقد بدأ بالفعل في الترميم.