بلد مبنى على الصخر
بقلم: القمص أفرايم الأورشليمي
مقومات قوية للثبات والأستقرار
عندما نريد أن نؤسس لبيت مبنى على الصخر، يثبت ضد تيارات الحياة المتغيرة والعواصف والرياح والزلازل يجب أن نبنى البيت على صخر وأرض قوية تحتمل البناء والمتغيرات.
ونحتاج لأهل الخبرة فى البناء وهندسة الزلازل وعمل الدعائم والقواعد الخرسانيه لثبات وبقاء بيتنا مستقر وراسخ.
وعندما تؤسس الدولة على العدل والمساواة والحرية والتعبير عن إرادة مختلف أبنائها والتخطيط السليم وحق المواطن فى أختيار سلطاته وبناء دولة موسسات تبنى على الشفافية والراقبة والمحاسبة القانونية ورفع الظلم. بعد أن عٌلم السيد المسيح له الجموع العظة على الجبل والتى تتضمن أهم مبادئ السلوك الإنسانى الراقى والفاضل قال للجموع "فكل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر. فنزل المطر و جاءت الأمطار و هبت الرياح و وقعت على ذلك البيت فلم يسقط لأنه كان مؤسسًا على الصخر.
و كل مَن يسمع أقوالي هذه و لا يعمل بها يشبه برجل جاهل بنى بيته على الرمل. فنزل المطر و جاءت الأمطار و هبت الرياح و صدمت ذلك البيت فسقط و كان سقوطه عظيمًا" متى 24:7-27.
ولكن قد تكون الحسابات الخاطئة أو فساد الضمير أو حتى سوء التخطيط والتقدير عوامل لإنهيار البيت وعدم ثباته أمام الأحداث والمحن والظروف.
إن الإصلاح المطلوب لابد أن يسبقه تحديد دقيق للمشكلات التى نواجهها وتحليل جيد واعِ لأسبابه واقتراحات محددة لحل ما نعانى منه استنادًا لدراسات علمية جادة.
إن أي مراقب للمجتمع المصري سيكتشف كم الفساد والرشوة المستشرى في مجالات عديدة وعلى مستويات مختلفة ولابد من تحديد لأنواع الفساد وأسبابه ووضع استراتيجية لمكافحته. نعم قد يوجد فساد فى أي نظام ديمقراطى لكن يتم كشفه من أعلى هرم السلطة إلى أسفله وفى إسرائيل كمثل مجاور ننتقده فى سياساته لكن يجب أن نتعلم منه أيضًا، تم خلع الرئيس من منصبة ومحاكمته فى حالة الرشوة لعزرا ويتسمان والحكم وإدانة موسى قصاب بالتحرش الجنسى كما تم محاكمة رؤساء وزرائها السابقين شارون ثم إيهود أولمرت بتهم الفساد والرشوة ونتنياهو فى فترة رئاسته السابقة بتهمة نقل هدايا قُدمت له بصفته رئيس وزراء إلى بيته الخاص وتم إرجاعها وتغريمه فليس أحد كبير على المسألة القانونية من الكبير للصغير .
إننا إذ نطبق ذلك على الدول وعوامل استقرارها ونجاحها فإننا عندما ننظر حولنا ونرى كيف صمدت الدول أما متغيرات كثيرة؟ وكيف سقطت الدول وأنهارت الممالك بفعل هزات مختلفة؟ لنفكر معًا ونقرأ أحدث التاريخ وحتى البعيد والقريب فانهيار الأمبراطورية البريطانية التى كانت لا تغيب عنها الشمس ثم إنهار الاتحاد السوفيتى وتفككه إلى دويلات كلها مدعاة للتعلم، كما أن انهيار أنظمة الحكم الدكتاتورى حتى فى العصر الحديث بسقوط نظام الشاه فى أيران وحكم "تشاوسيسكو" فى رومانيا وماركوس فى الفلبين وأخيرًا حكم زين العابدين بن على فى تونس ولا أحد يعلم أي نظام سيكون التالى؟
لكن قد تعجل أو تؤجل بعض النظم بمصيرها المحتوم بقدر ما تتعلم العبر والدروس من التاريخ. لعلنا نتعلم الدروس والعبر ولعل أنظمة الحكم والمسئولين فيها يتعلموا من أخطاء الماضى والحاضر للبناء لمستقبل أفضل.
إن الأمر لا يحتاج لمحللين سياسيين فقط، ولكن للعديد من المختصين في شتى فروع المعرفة المختلفة؛ لتحليل الظواهر من حولنا. فإن تفرع العلوم أخل بالوعي الشامل للإنسان بما حوله وبمجتمعه، ولهذا نرى حاجة أنظمة الحكم إلى العديد من المستشاريين الأمناء في مختلف المجالات للعمل معًا من أجل تقديم الدعم والمشورة والرأي والتخطيط والتنفيذ والمتابعة والمحاسبة.
مجالات الخلل والضعف
في البراكين المدمرة نرى هياج الأرض من تحتنا وتقلباتها تبحث عن النقطة الأضعف من الأرض، والطبقات غير الصلبة، وتُحدث فيها الشروخ الأرضية التي تخرج منها حمم البركان الحارق والمدمِّر، ويكون تأثيره مدمرًا إن لم يكن هناك توقُّع وعلاج وأبعاد للسكان في تلك المناطق. هكذا ونحن نبحث عن الاستقرار وعدم الوصول إلى البراكين السياسية، علينا أن نبحث في مواطن الضعف في بلادنا ومعالجتها، حتى لا تستفحل الأخطاء أو تحدث الكوارث.
القائد والبرج العاجي
في العديد من الدول نرى الطبقة الحاكمة تعيش في برج عاجي منعزل عن الشعب وهمومه وآلامه ومشاكله، ويُحاط الحكام والقادة ببعض الانتهازيين والمستفيدين، ويعتمد المسئولون على التقارير السرية التي تُكتب لتناسب ميولهم وأهوائهم ومخططاتهم، وكلما استفحل الداء، انعدمت فرص الشفاء . وهكذا نرى القائد المُلهَم والمؤمن، ولا يفيق القائد الإ على كابوس أنه المكروه والمخدوع والهارب والمطارد والمطلوب للعدالة
الاستبداد السياسي والتداول الديمقراطي للسلطة
في أنظمة الحكم غير الديمقراطية، يسود القمع والظلم والفساد والرشوة، ونرى كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والجيش والأمن والصحافة والاعلام تكون في خدمة النظام الحاكم والقائد الأوحد. إن التداول الديمقراطي والسلمي للسلطة في دولة المؤسسات والقانون والمواطنة، وقيام كل سلطة في الدولة بوظائفها، وقيام الأحزاب بدورها الرائد في تبني قضايا المواطن والوطن لخلق حراك سياسي ومجتمعي وتداول ديمقراطي آمن للسلطة التنفيذية والتشريعية، يضمن سلامة الوطن والمواطن في ظل نظام يعمل على تنفيذ الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي من أجلها تم انتخابه. أما أن تسود سلطة الحزب الواحد القائم على سلطات دكتاتورية وفساد إداري وبيروقراطي، ومصلحة النظام تكون هي العليا فوق مصلحة الوطن والمواطن؛ فإنها لابد أن تؤدي إلى أخطار وزلازل، وعلى الأقل تقود إلى انتشار الظلم والفساد والتخلف في شتى مجالات الحياة.
الفقر والبطالة والحرمان
إن الظروف الاقتصادية الضاغطة، من بطالة وفقر وحرمان وإهمال لفئات واسعة من الشعب، ومطالبهم العادلة والمشروعة، وعدم تمثيل النظام لهم، والفساد الإداري والمالي والمحاسبي، تدفع رجل الشارع العادي قبل المثقف والواعي إلى عدم الرضا الذى يصل في مرحلة فقدان الأمل ثم الثورة الشاملة ضد فساد النظام ورموزه، وهذا ما رأيناه في سقوط النظام التونسي.
الحرية وحق الحياة كقيمة عليا
إن الإنسان في سعيه في الحياة، يظل يبحث عن حقه في الطعام والشراب الصحىيوالسكن المعقول والأمن والأمان، وتأمين مستقبل أفضل له ولأولاده، وحقه في الحياة الحرة الكريمة، ومن ثم التقدم والمساهمة في التقدم والرخاء لمجتمعه وموطنه. ولكن عندما يجد أن بلاده قد ضاقت به وضاق بها، وحتى فرص الرحيل منها بحثًا عن وطن أفضل قد انعدمت، وإذ يصدم المواطن بالعراقيل والبيروقراطية والفساد، فقد يصبر، ولكن عندما يتحول كل ذلك إلى تذمُّر جماعي وعدم رضا لغالبية الشعب، فإنه لابد أن يأتي اليوم الذي تتأجج فيه المشاعر، ولو بفعلة الفاعل، ليتحول إلى ثورة شعبية ضد الفساد والمفسدين.
الإعلام والرأي العام ودوره الفاعل
نحن نعيش في عصر الإعلام والكمبيوتر والسموات المفتوحة، وقد أصبح من المستحيل حجب الحقائق عن عيون وعقول الناس.. في عصر التعليم والثقافة والفكر المستنير وانتشار القنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية، كما تُسمى في "تونس" والتواصل الاجتماعي على النت.. كل ذلك جعل المواطنين- لاسيما الشباب- والذين يشكلون القوى الضاربة في المجتمع، غير راضين على أوضاعهم المعيشية الصعبة في ظل البطالة وانعدام فرص الحل في مستقبل أفضل، مما يدفعهم للثورة على سوء الأحوال المعيشية والحياتية التي يحيونها، وعلى النظم السياسية البحث الجاد والعملي في حل مشاكل الشباب، وخلق فرص العمل والمعيشة الكريمة، والتمثيل السياسي والفكري والروحي المناسب لهم في مختلف المجالات.
الفئات المهمَّشة والمظلومة
يظن البعض أن النظام الديمقراطي هو حكم الأغلبية دون النظر إلى حاجات الأقليات في المجتمع، ويتشدق البعض بأنهم يمثلون حكم الأغلبية وهم لا يمثلون إلا أنفسهم وشلة المستغلين والبيروقراطية التي تزوِّر الحقائق، وتعمل لمصلحة قلة منتفعة لا تفيق إلا على ثورة الجياع! إن التمثيل الصادق لمختلف أطياف وفئات الشارع السياسي والديني والعرقي والنقابي، يجعل العدل يعم والاستقرار يستمر وعجلة التقدم تسير .
وفي بلاد العالم الثالث التي تتستر على الفساد والمفسدين، ويخشى الشعب من مواجهة بطش النظام، كما يخشون فساد المؤسسات- كل ذلك يهدِّد الشرعية و مقومات المجتمع كله؛ فالرشوة والمحسوبية إذا تفشَّت، فإن أسس العدالة تزول والاستبداد يتوحش. إن عدم المساواة، والاعتداء على حقوق الآخرين واستبداد النظم البوليسية القمعية، هو المعجِّل بالقضاء، وحكم حتمي بالمصير البائس على تلك الدول وهبوب رياح التغيير .
دعوة للبناء الراسخ والتقدم
من منطلق الحرص على مستقبل بلادنا، فإننا ندعو للعمل الجاد والصادق والأمين، وعلى مختلف المستويات، لاسيما لرجال الفكر والسياسة والاقتصاد والدين والمجتمع والقانون والمعرفة، من أجل البحث والتعاون والتخطيط لبناء مسقبل أفضل لبلادنا. وهذا يحتاج إلى عمل جاد لعلاج مواطن الخلل وأوجه القصور، والاهتمام بالفقراء، وربط الأجور بالأسعار، والبحث في أفق الحل الأمثل للمشكلات القائمة دون زيف أو تغطية لعوراتنا، وتركها كنار تحت الرماد يمكن أن تشتعل متى توافرت الظروف. على نظام الحكم أن يقود موجة التغيير الديمقراطي، وبناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية، وأن يكون لدى المسئولين الحس الوطني والشعبي والوعي بحاجات ومتطلبات المرحلة الحالية، وحاجات المواطنين وتطلعات الشباب، وقيام السلطة التشريعية- المنتخبة بديمقراطية- بوظائفها في سن القوانين ومراقبة عمل السلطة التنفيذية، والتمثيل الحقيقي للأحزاب ومختلف فئات الشعب فيها، كضمانات حقيقية للتقدم والاستقرار .
الإصلاح السياسي يجب أن يسمح بحرية الأحزاب والأفراد والجمعيات والمؤسسات وغيرها؛ لكي تمارس صلاحياتها في البناء والنقد واقتراح الحلول، ليستفيد المجتمع كله من التنوع، وإتاحة الفرصة لكل الاتجاهات الفكرية والسياسية والدينية والعرقية؛ لأن الوطن ملك لجميع المواطنين. كما أن مكافحة الفساد ليس مسئولية فرد مهما علت نزاهته، بل هي مسئولية نظام ومؤسسات وهيئات وحقوق إنسان، لمراقبة وتنفيذ القانون ومكافأة المتميزين ومعاقبة المسئيين بما يتناسب مع جرائمهم.
إن الإصلاح السياسي والاجتماعي والديمقراطي يجب أن يأتي من الداخل، وذلك لمعالجة المخاطر الخارجية- سواء السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية- المحدقة ببلادنا، ولعلاج مخاطر الفساد والإرهاب والفقر والمرض والجهل. فلا يجب أن ندفن رؤوسنا في الرمال، ونقول "نحن في أحسن الأحوال"؛ فالبيت المصري يتعرَّض لمخاطر جمة ورياح آتية من الشمال، حيث نرى سقوط كل النظم الشمولية في الدول الشرقية، ومراقبة الغرب لكل ما يحدث في بلادنا، ولا يمكن لنا الصراخ مطالبين بعدم تدخل أحد في شئوننا في عصر السماوات المفتوحة وسرعة نقل الخبر، وفي ظل تلقينا للمساعدات الخارجية، بل ونحن ننتقد ونطالب بإصلاح أحوال الآخرين، وفي ظل حقوق الإنسان التي تقرها المواثيق الدولية والتزام الدول بها وتوقيعها عليها. إن الخطر مُحدِق بنا من الجنوب بما فيه من صراعات في أفريقيا وتقسيم "السودان" ومحاصرة شريان حياتنا "مجرى النيل"، ومن الشرق وما تمثله "إسرائيل" من مصدر رعب نووي وصراع على الأرض في ظل عدم وجود أفق سلام شامل، بل بوادر حرب إيرانية إسرائيلة، ومن الغرب ورياح التغيير القادمة من "تونس" بثورة الجياع والمهمَّشين على الظلم والفساد.. كل ذلك ألا يكون دافعًا لنا في "مصر" مسئولين ومواطنين وأصحاب فكر وضمير وتطلع لمستقبل أفضل؛ لكي نعمل بالسعي الدائم والواعي والمستنير لمعالجة مواطن الضعف والخلل، وعمل أجندات عاجلة للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني الواجب للعبور إلى شاطئ الأمان؟!
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :