جابر نصار.. بين سوء الفهم وسوء القصد
مقالات مختارة | د. رفعت السعيد
السبت ٢٤ ديسمبر ٢٠١٦
وابتداء أسجل دون تردد احترامى لمجلس النواب (رغم تأكدى أن انتخاباته قد أصابها عوار دستورى بفرض اتاوات ورسوم للترشح تستبعد الفقراء والفئات الوسطى ماعدا المستمتعين بعضوية قوائم معينة، وعوار ديمقراطى وقانونى بسبب الانفاق المالى الذى تجاوز كل الحدود العاقلة) وكذلك احترامى لاعضائه برغم ملاحظات جسيمة على كثيرين منهم، لكن هذا الاحترام لن يمنعنى من تدوين ملاحظات مفزعة عن احوال وأفعال لجنة الشئون الدينية بالمجلس. فاللجنة تعيش حالة من الانفصال عما نحتاجه من رؤية حضارية وتجديد فعلى وليس مجرد أقوال كذلك الذى يعدنا به الأزهر الشريف والافتاء المنيف طوال سنوات ولا نرى منه بصيص ضوء. وقد تجمعت فى هذه اللجنة- فيما يبدو- قوى سلفية ممن يرفضون الوقوف للسلام الجمهورى ولا لتحية العلم ويتحدثون بحماس شديد عن مشروعية وفوائد الختان تحت قبة برلمان كان من المفترض أن يكون بوجوده الجديد نقلة حضارية وليبرالية ليعبر بمصر نحو ما يليق بها كثمار لثورتين وبعد معاناة جسيمة من حكم الاخوان الارهابية، وأيضا هناك من تحدثوا بذات الحماس عن زواج ابنة التاسعة وكشف عذرية الطالبات وكثير غيره من “العك” المتأسلم الذى لا علاقة له بصحيح الاسلام والذى تلقنوه عبر كتب تراثية بعضها به من الخطأ أكثر مما به من صواب.
ويبدو أن تكاتف البعض للاحتشاد فى لجنة الشئون الدينية قد استبعد منها عناصر أكثر جدارة وأكثر تفهما لصحيح الاسلام ، وعلى اية حال فإن هذه اللجنة كانت مسرحا مثيرا للدهشة للهجوم على عالم ومفكر جليل لسبب مفزع وليس مجرد مدهش وهو تجاسره على اصدار قرار بحذف خانة الديانة من اوراق واستمارات الجامعة. ويبدو أن البعض يريدها لكى يستخدمها فى استبعاد البعض بسبب من التمييز الدينى ، فلم أزل اذكر فى ثمانينيات القرن الماضى أن زارنى مواطن مسيحى من محافظة الشرقية وأشهر فى وجهى بطاقته الشخصية والاسم بطرس.. والديانة مسلم. لأن موظف السجل المدنى قال له علنا “أنا لا اعترف بالمسيحية كديانة، أما زميله فقد كان اسمه عبدالمسيح لكن ذات الموظف رفض كتابة هذا الاسم وكتب بدلا منه عبدالسايح. وأثرت ايامها ضجة انتهت باستبعاد هذا الموظف من هذا الموقع.. فالديانة تستخدم احيانا للاستبعاد وفى اخف الاحوال للمكايدة.. ويتخيل هذا السلفى الساذج انه بذلك سيدخل الجنة واقطع انه لن ينالها. وثمة مسئول مهم تطوع مكايدة لجابر نصار الذى نهض بجامعة القاهرة وطلابها إلى مستوى يليق بمصر فأعلن رفضه لشطب خانة الديانة لماذا؟ لم يجد اجابة عاقلة، فأجاب اجابة غير معقولة. السبب عند سيادة المسئول الحكومى الأمثل هو أن هذا القرار قد يوحى للبعض فى مصر وخارجها أن هناك اضطهادا للمسيحيين. “شفتم النصاحة والفصاحة” . وقد ذكرنى هذا المسئول المهم بواقعة كانت فى الزمن الماضي. فهل تذكرون قضية شهيرة شهرة مدوية هى قضية الحباك الذى ضبط متلبسا بكسب غيرمشروع ولا مبلوع... وفيما يبدو انها كانت محاولة لتصفية حسابات مع مارق عن الصف المنتظم فى رحاب الفساد. وايامها جاءنى مواطن ومعه أوراق ومستندات دامغة بفساد أفسد من أى فساد سمعنا عنه. وكنت أيامها عضوا ليس مغمورا فى مجلس الشوري. المهم اخذت حزمة الأوراق وعرضتها على الفاضل المرحوم د. مصطفى كمال حلمى وأودعتها لديه ورفضت أن ابوح باسم من سلمها لى فقد ألح فى ذلك خوفا من عقاب صارم. فزع الدكتور مصطفي.. وبعدها بيوم تلقيت مكالمة من الرئيس سأل فيها “مين اعطاك الورق ده؟” فقلت شخص لا أعرفه لكن الوثائق دامغة، ورد الرئيس هى صحيحة فعلا لكن احنا لو فتحنا الباب ده حيطفش المستثمرين ويخافوا من الاستثمار فى مصر بما يسبب كارثة للاقتصاد، وهكذا اصبح التستر على الفساد مثله مثل إلغاء خانة الديانة واجبا وطنيا. وأنا اعتقد أن معالى المسئول الحكومى الكبير اعترض على تصرف الدكتور جابر نصار لأنه فى الأصل يتأذى مما احرزه د.جابر من نجاحات تفوق الخيال فى النهوض بجامعة القاهرة. فقد نظف الجامعة نهائيا من أدران زعانف الجماعة الإرهابية والمتطرفين السلفيين، وعادت الجامعة منارة للعلم والحرية والليبرالية والفن. وصدحت فى قاعاتها سيمفونيات وأغان وفنون جعلها المتخلفون ولعدة سنوات حراما وكفرا ومروقا من الدين، وعزف فيها أمام آلاف من الطلاب الموسيقار العظيم عمر خيرت وغنت المبدعة عزة بلبع وغيرهما، وتوقفت المظاهرات الاخوانية بعد أن امسك بأحدهم يسجل وبلا خشية فى كراس اسماء طلاب وتوقيعات طلاب منهم يقبضون ويوقعون باستلامهم مبالغ مالية نظير التظاهر وتخريب منشآت الجامعة وتعطيل الدراسة. وهكذا ترافق الحزم الأمنى مع تطوير لعقل الطلاب وقلوبهم والسمو بنفوسهم بعيدا عن غثاء التأسلم الاخوانى والتطرف السلفى عبر الفنون من غناء وموسيقى وسيمفونيات كما نظم مسابقات للقراءة فى كتب أثرت تأثيرا حقيقيا فى العقل المصرى فى زمن صدورها مثل الإسلام وأصول الحكم (على عبد الرازق) وفى الشعر الجاهلى (طه حسين)، وفوق هذا وذاك نهضت الجامعة ماليا ووفرت لموازنة الدولة ما كان ينفق عليها وهو أكثر من مليار جنيه سنويا، وعاشت الجامعة وتعيش لتنهض بأبحاث علمية تنشر فى مجلات عالمية محكمة وبدأت فى الانفاق على الابحاث العلمية من حصيلتها الخاصة. باختصار أسألكم هل عرفتم سر امتعاض المسئول الحكومى من جابر نصار؟ والاجابة هى هذا النجاح المدوي.
ويبقى أن اتوجه إلى سيادة الرئيس.. لقد فعلها د. جابر نصار وتفوق ونهض بأعرق جامعاتنا فلا تتركه يذهب.
وفى علم المنطق تعبير يقول “ثمة استثناء هو افضل من القاعدة” والقاعدة انه سيبلغ سن المعاش بعد اشهر وهو يعد الأيام كى يتخلص من هذا العبء.. فلا تتركه يذهب يا سيادة الرئيس. دعه يبقى استثناء.. فمصر بحاجة إليه فى جامعته.
نقلا عن الأهرام