أحزمة ناسفة.. فكرية!
مقالات مختارة | مفيد فوزي
السبت ٢٤ ديسمبر ٢٠١٦
فى نقاط محدودة مستقيمة القصد. أخاطب قارئا مستنيرا مفتوح البصر والبصيرة ولا يعانى من «قصر النظر» أو «الحول الذهنى».
■ طلب منى أكثر من زميل إعلامى أن أحل ضيفا على شاشته لنتحاور حول موضوعات هى «حديث المدينة» وقد استشعرت بحاسة لا تخطئ أن المراد هو ما أثير من «لغط» حول حلقة برنامج «نظرة» الذى حاورنى فيه حمدى رزق والذى كان موضوعه المدون على الشاشة «قواعد عشق الحياة الأربعين» لكن الحوار ابتعد عن مجراه ليدخل منطقة «التوابل» ويرسو فى عجالة عند علاقتى بواحد من رموز مصر الفكرية كان يمتلك كاريزما خاصة وسحر بيان هو الشيخ الشعراوى، انطلقت بعدها آراء وأقاويل تروج لترسيخ باطل، أنى «أتطاول» على الشيخ الجليل وأنى أسأت إلى الإسلام الحنيف ممثلا فى رمز من رموزه والذى كان ولا يزال يشار إليه بالبنان، وله مكان ومكانة فى القلوب فهو الذى دون مزايدة قد تفرد فى تفسير آيات القرآن الكريم ببلاغة منقطعة النظير، تأثرت بها وأحببته، وقد اعتذرت بهدوء لزملاء المهنة وقررت مختارا بإرادة حرة أن أخاطب الناس كما اعتدت من خلال مقالى المكتوب بقلب مفتوح وبعقل تربى وتهذب على قبول الآخر بصدر رحب يستوعب الجميع ويعرض القضايا بتجرد فى مجتمع أحسب أنه صار متشنجاً متربصاً تستهويه الأفخاخ «جمع فخ» أكثر مما تستهويه الحقيقة، اخترت طواعية أن تحمل سطورى وجهة نظرى مؤمناً أنى مصرى بالتاريخ والجغرافيا ومدركاً أننا مصريون، مسلمين وأقباطا، على هذه الأرض الطيبة التى تواجه «تحديات شرسة» لا تسمح بترف الثرثرة الفارغة وليس عندى منهج البغض وسوء النوايا.
■ اخترت صيغة الكتابة لإيمانى الشديد بأن الحروف والكلمات المسطورة على الورق تخلق وتولد نوعا من الألفة بين يد القارئ وعينيه وبين العين والعقل، ربما أطلت من حوارى التليفزيونى ظنية العيب أو التجاوز- إن وجد - فأنا أتكلم عن الشيخ الجليل كبشر، كواحد من آحاد الناس، كوزير حمل حقيبة الأوقاف يوماً، هذه الصفة البشرية كانت خلفيتى وحائطى.
■ فضيلة الشيخ الشعراوى- الذى هو كإنسان يخطئ ويصيب- هو الذى علمنى «كيف أشكر الله وأردد الحمد لله لأصون النعمة» وصارت شعاراً ومنهجاً فى حياتى، وصرت أردد الحمد فى السراء والضراء وقد كنت أتابع بإعجاب الشيخ الجليل فى تفسيراته وأنبهر باستنباطاته، فالقرآن كتاب الله وعقل الشعراوى موسوعى تناول الآيات بالشرح، وربما ردد خلفه من مستمعيه وعشاقه كلماته الفصحى مما زاده «غلاوة» عند أقباط أعرفهم بالاسم.
■ يدرك الشيخ وهو العالم الجليل أنه لا عصمة لبشر ولا تقديس فى الإسلام وأن كل شخص يؤخذ منه ويرد. إن الإمام مالك وهو من أئمة الإسلام حينما أشار إلى قبر رسول الإسلام الكريم «كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا المقام»، لكن الخطأ والتعصب خصال بشرية، وأحسب أن تلك السهام التى طالتنى لأنى فقط «مسيحى»، لكنها صارت مهنة وتكليفا ونشاطا ومهمة إشعال الحرائق فى جسد الوطن قبل أجساد بنى الوطن الواحد وصار التأويل ولى ذراع الحقائق حرفة البعض لكنها شهوة، مع أنه ليس من المستساغ عقلا ومنطقا أن التعرض لرأى ما معناه التعرض لكل ما يتصل به. إنها فجوة فكرية زادها سوءا انحسار التعليم ودنو سقفه، فالشخصية العامة التى قبلت العمل العام ستظل عرضة «للأذى المشروع» وهى عبارة صكها جمال الغيطانى يوما، ومغزاها أن نتناول الشخصية تقييماً اتفاقا واختلافا ما دام قد وقف على مسرح الشأن العام.
■ ظنى أن سوء النوايا هو السبب الكامن خلف تلك القضايا وغيرها والتعصب هو الحافز للغليان، غليان عقول استبق اللسان فيها العقل، ونفوس غلب الهوى فيها الضمير ولعله «عشق عميق لشخص الشعراوى الداعية والإمام» لكنى من جديد أحمل احتراماً وتبجيلا للرجل اتفقت معه أو اختلفت، ولكن على أرضية تفاهم ومساحة احترام نفتقدها فى الزمن الداعشى.
■ هل ما جرى من لغط مصدره أنى كمسيحى اقتربت من منطقه محظورات وبذلك نكون قد ضربنا «المواطنة» فى مقتل لكنى أعطى عذرا لمن ملك الشيخ الشعراوى قلوبهم قبل عقولهم، فحين يرجمون غيرهم بالأباطيل، لن ينالوا صكوك الغفران، فالشيخ الجليل كان- رحمه الله - نصف وزنه إصغاء للآخر لكنها الأقدار العثرة توقع فى شرك سوء النوايا عندما تكون العقول فخاخا أصابها ميكروب الغرض.
■ نقلب الصفحة ونلتفت للبلد فهذه «الفتنولوجيا» تنسجها ميليشيات معروف أصلها وفصلها يهمها «وقف حالنا» والعودة «إلى الوراء».. أما هذه الهمة واللمة، فقد حلمت أن تكون حول إرجاع وطن، تعليم أولاده، صحة رجاله، اقتصاده ورفعته، حلمت أن ندخر هذه المبادرة فما ينفع الناس بالتفاؤل الصحيح، حلمت بمساحة من التسامح وقبلها الفهم، فبلدنا لا يحتمل مطلقاً جرائم أشد فتكا «بأحزمة ناسفة فكرية»!!، نحملها فى عقولنا ولا يراها أحد ونخفيها عن عيون الأمن ونخبئها فى صدورنا حيث لم يخترع بعد أجهزة تكشف النوايا.
فى الشأن العام
هذه قراءة جديدة لقصيدة قديمة لنزار قبانى وعنوانها «هل تسمحون»؟
«هل تسمحون لى
فى بلاد يغتال فيها المفكرون ويكفر الكاتب
وتحرق الكتب.. فى مجتمعات ترفض الآخر.. وتفرض الصمت على الأفواه..
والحجر على الأفكار
وتكفر أى سؤال.. كان لابد أن أستأذنكم أن تسمحوا لى
فهل تسمحون لى
أن أربى أطفالى كما أريد وألا تملوا على
أهواءكم أو أوامركم؟
هل تسمحون لى
أن أعلم أطفالى أن الدين لله أولا
وليس للمشايخ والفقهاء والناس
هل تسمحون لى
أن أعلم صغيرتى أن الدين هو أخلاق وأدب وتهذيب
وأمانة وصدق قبل أن أعلمها بأى قدم تدخل الحمام وبأى يد تأكل
هل تسمحون لى
أن أعلم ابنتى أن الله محبة وأنها تستطيع أن
تحاوره وتسأله ما تشاء
هل تسمحون لى ألا أذكر عذاب القبر لأولادى
الذين لم يعرفوا ما هو الموت بعد
هل تسمحون لى..
أن أعلم ابنتى أصول الدين وأدبه وأخلاقه
قبل أن أفرض عليها الحجاب
إن أقول لابنى إن إيذاء الناس وتحقيرهم
لجنسيتهم ولونهم ودينهم هو ذنب كبير عند الله
هل تسمحون لى
أن أقول لابنتى إن مراجعة دروسها بتعليمها أنفع وأهم عند الله من حفظ آيات القرآن عن ظهر قلب دون تدبر معانيه
هل تسمحون لى
أن أقول لابنتى إن الآخرين ليسوا كفرة
وألا تبكى خوفا عليهم من دخول النار
هل تسمحون لى
أن أجاهر أن الله لم يوكل أحداً فى الأرض بعد الرسول لأن يتحدث باسمه
ولم يخول أحدا بمنح صكوك الغفران للناس
هل تسمحون لى
أن أقول إن الله حرم قتل النفس البشرية.. وأن
من قتل نفسا بغير حق.. كأنما قتل الناس جميعاً وأنه لا يحق لمسلم أن يروع مسلماً
هل تسمحون لى
أن أعلم أولادى أن الله أكبر وأعدل وأرحم من
كل فقهاء الأرض مجتمعين
وأن مقاييسه تختلف عن مقاييس المتاجرين بالدين وأن حساباته أحن وأرحم
هل تسمحون لى؟».
فهل تسمحون له؟!!
نقلا عن المصري اليوم