الأقباط متحدون - إحنا شغالين في ده يا فندم
  • ١٤:١٤
  • السبت , ٢٤ ديسمبر ٢٠١٦
English version

إحنا شغالين في ده يا فندم

سعيد السنى

مساحة رأي

٢٩: ٠٧ ص +02:00 EET

السبت ٢٤ ديسمبر ٢٠١٦

وزير الصحة
وزير الصحة

سعيد السني
خصخصة الخدمة الصحية وبيع «المستشفيات العامة» للمستثمرين، أولجمعيات خيرية بعينها، أوغيرهما، ليس حلاً، لكوارث الإهمال والفشل الحكومي في إدارة ملفي الصحة والدواء.. هذا الفشل الذي بلغ درجة قريبة من الكمال.. ففي ملف «الدواء »، صار المواطن يتمنى الموت على أن يواجه صعوبة تدبير ثمن «الدواء» الذي ارتفعت أسعاره وانفلتت إلى ما يقارب الضعف منذ ثلاثة أشهر، هذا إن كان موجوداً ومتوفراً، ثم هاهو «وزير الصحة» يرضخ لحيتان السوق الدوائي، ويسعى إلى زيادة جديدة لأسعار المستحضرات الطبية بنسبة تصل إلى 50%.

أما بخصوص الملف الصحي، فحدث ولا حرج.. فالمستشفيات الحكومية تعاني إهمالاً وسوءاً في الخدمة، ونقصاً في العلاج والمستلزمات الطبية وعدد الأسرة، وعجزاً صارحاً في الغرف اللازمة للعناية المُركزة.. ويكون على «المواطن الغلبان» إذا أصابه مرض، أن يتقبل العذاب والذُل والمهانة والتحقير في المستشفيات الحكومية طلبا لـ«علاج مجاني» غير موجود.. إذ يتحتم عليه التقدم بطلبات وأوراق ثبوتية إلى المستشفى طلبا للعلاج، وأن يقف في طوابير طويلة حتى يتم قبول الأوراق والطلب منه، بعد أن يدفع رسوما ويجتاز إجراءات كثيرة، ولابد أن يتحمل رذالات وسخافات وتحكمات «بعض» موظفي المستشفيات ممن تبلدت مشاعرهم، وخاصمتهم الإنسانية، وعزَّت عليهم المروءة والشهامة، كما عليه أن يجد لنفسه مكاناً على أقرب سلم أو ركن كي يجلس على الأرض إن وجد مكاناً، انتظاراً لفحص الأوراق والمناداة عليه، حتى ينتقل بأوراقه أو معها إلى موظف آخر في طابق آخر بالمستشفى، استكمالاً لإجراءات معقدة، ثم يتحدد له موعد للعرض على «اللجنة الطبية» التي قد تُقرِر علاجه على نفقة الدولة أو ترفض، وغالباً يكون مثل هذا الموعد بعد شهر أو أكثر، فإذا كان المريض محظوظاً، وتم عرضه في الموعد المحدد، ووافقت له «اللجنة الطبية» على إجراء جراحة ما أو علاج ما.. هنا يتم صرف «المريض» على أن يتم إبلاغه لاحقاً بموعد بدء العملية العلاجية، وهو ما يكون بعد شهر آخر أو أكثر، لبدء مسيرة «الإجراءات التجهيزية» السابقة للعلاج من أشعات وتحاليل وغيرها، وبين كل إجراء وآخر، فترات قد تطول إلى أسابيع أو أشهر، وهكذا يستغرق المريض خمسة أو ستة أشهر حتى يبلغ دوره للعلاج أو الجراحة المطلوبة.. هذه «الرحلة العلاجية المؤلمة» على نفقة الدولة قد تكون أقصر إذا كان «المريض» قاهرياً، وتطول بزيادة إذا كان مقيماً خارج العاصمة، حيث يتم إرسال الأوراق بالبريد إلى وزارة الصحة وانتظار الموافقة، ويتخللها طوال الوقت شراء «المريض» لمستلزمات أو أدوية على نفقته من خارج المستشفى، مع توزيع «الإكراميات» الصغيرة من ذويه، لعامل هنا أو موظف أمن هناك، تجنباً للمضايقات.. مثل هذا المريض الذي نتحدث عنه هو بحالة صحية معقولة وليست خطيرة، مع ملاحظة غياب آليات التسريع لإنقاذ «ذوي الحالات الخطرة» من المرضى، فغالباً يكون «ملك الموت» سابقاً بخطوات لوزارة الصحة ومستشفياتها في التخفيف عن أصحاب الحالات المرضية الحرجة، وإنهاء معاناتهم تماماً بترحيلهم إلى الآخرة، حيث الراحة الأبدية.

إن مئات الحالات الطبية الحرجة، وربما الآلاف يومياً من فقراء هذا الوطن ومتوسطي الحال الذين لم يعودوا «مستورين» بفعل سياسات الحكومة وقراراتها التي أحالت حياة الجميع جحيماً لا يُطاق، إنما يسقطون صرعى المرض وخطورة الحالة الصحية، نتيجة سوء وانهيار حالاتهم المعيشية بفعل الغلاء الذي طال كل شيء.. أمثال هؤلاء يسارع ذويهم بنقلهم إلى المستشفيات القريبة من محال إقامتهم، فلايجدون مكاناً للواحد منهم في «العناية المركزة» التي يحتاجها المرضى المصابين بذبحة صدرية أو جلطة بالقلب أو الدماغ أو شبه غيبوبة، سواء بسبب أمراض الكبد والقلب والدماغ والضغط وغيرها، وكلها حالات لا تحتمل الانتظار لساعات قليلة، حيث يكون الموت متربصاً بمثل هذه الحالات مالم يتم إسعافها.

لو كان "وزير الصحة" مخلصاً لمهنته الطبية ومهمته الوزارية، لما عرض على الرئيس فكرة بيع المستشفيات التكاملية بحجة أنها لا تعمل، ولما رد على الرئيس عبدالفتاح السيسي بقوله: «إحنا شغالين في ده يا فندم»، عندما توجه إاليه الرئيس أثناء افتتاح تطوير المجمع الطبي العسكري بكوبري القبة، طالباً منه عرض «المستشفيات التكاملية» على المستثمرين.. بل كان عليه إحاطة الرئيس بهذه الأوضاع الصحية والدوائية المتردية، والتي تحتاج «كنصولتو» لإنقاذها، ووصف العلاج، الذي لا يمكن أن يكون هو «بيع المستشفيات»، كونه مخالفا للدستور، والمواثيق الدولية التي تعتبر الحق في الصحة والدواء، قائماً على مبدأ المساواة بين مواطني الدولة، وغير متوقف أو مرتبط بقدراتهم المالية.. فواقع الحال أن المريض الذي لا يملك مالاً وفيراً، عليه الانتحار حتى يستريح ويريح أهله وذويه.. وهو حال لا يكون إلا في وطن ضائع أو شبه دولة.

نسأل الله السلامة لمصر.

Saidalsonny2@gmail.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع