فى مثل هذا اليوم..إستسلام الأمير عبد القادر الجزائري للفرنسيين
سامح جميل
الجمعة ٢٣ ديسمبر ٢٠١٦
فى مثل هذا اليوم 23ديسمبر 1847م ..
سامح جميل
الأمير عبد القادر ابن محي الدين المعروف بـ عبد القادر الجزائري هو كاتب وشاعر وفيلسوف وسياسي ومحارب، اشتهر بمناهضته للاحتلال الفرنسي للجزائر. ولد قرب مدينة معسكر بالغرب الجزائري يوم الثلاثاء 6 سبتمبر 1808 الموافق لـ 15 رجب 1223 هـ، رائد سياسي وعسكري مقاوم قاد (جيش أفريقيا) خمسة عشر عاما أثناء غزو فرنسا للجزائر هو أيضا مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة ورمز للمقاومة الجزائرية ضد الاستعمار والاضطهاد الفرنسي. اعتبره الفرنسيون "يوغرطة الحديث".
خاض معارك ضد الاحتلال الفرنسي للدفاع عن الوطن وبعدها نفي إلى دمشق وتوفي فيها يوم 26 مايو 1883...
اضطرت فرنسا إلى عقد اتفاقية هدنة معه وهي اتفاقية "دي ميشيل" في عام 1834. وبمقتضى هذه الاتفاقية اعترفت فرنسا بدولة الأمير عبد القادر، وبدأ الأمير يتجه إلى أحوال البلاد ينظم شؤونها ويعمرها ويطورها. وقد نجح الأمير في تأمين بلاده إلى الدرجة التي عبر عنها مؤرخ فرنسي بقوله: «يستطيع الطفل أن يطوف ملكه منفردًا، على رأسه تاج من ذهب، دون أن يصيبه أذى!!». وكان الأمير قد انشأ عاصمة متنقلة كأي عاصمة أوروبية متطورة آنذاك سميت الزمالة. وكان قد أسّس قبلها عاصمة وذلك بعد غزو الجيش الفرنسي لمدينة معسكر في الحملة التي قادها ‘كلوزيل’. وضع الأمير خطة تقضي بالانسحاب إلى أطراف الصحراء لإقامة آخر خطوطه الدفاعية وهناك شيد العاصمة الصحراوية «تكدمت». وبدأ العمل فيها بإقامة ثلاث حصون عسكرية، ثم أعقبها بالمباني والمرافق المدنية والمساجد وغيرها. وهناك وضع أموال الدولة التي صارت في مأمن من غوائل الغزاة ومفاجئاتهم. وقد جلب إليها الأمير سكانا من مختلف المناطق من الكلغوليين وسكان أرزيو ومستغانم ومسرغين والمدية.
وقبل أن يمر عام على الاتفاقية نقض القائد الفرنسي الهدنة، وناصره في هذه المرة بعض القبائل في مواجهة الأمير عبد القادر. فنادى الأمير في قومه بالجهاد ونظم الجميع صفوف القتال، وكانت المعارك الأولى رسالة قوية لفرنسا وخاصة موقعة "المقطع" حيث نزلت بالقوات الفرنسية هزائم قضت على قوتها الضاربة تحت قيادة "تريزيل" الحاكم الفرنسي.
ولكن فرنسا أرادت الانتقام فأرسلت قوات جديدة وقيادة جديدة. واستطاعت القوات الفرنسية دخول عاصمة الأمير مدينة "معسكر" وأحرقتها، ولولا مطر غزير أرسله الله في هذا اليوم ما بقى فيها حجر على حجر، ولكن الأمير استطاع تحقيق مجموعة من الانتصارات دفعت فرنسا لتغيير القيادة من جديد ليأتي القائد الفرنسي الماكر الجنرال "بيجو". ولكن الأمير نجح في إحراز نصر على القائد الجديد في منطقة "وادي تافنة" أجبرت القائد الفرنسي على عقد معاهدة هدنة جديدة عُرفت باسم "معاهدة تافنة" في عام 1837 م.
وعاد الأمير لإصلاح حال بلاده وترميم ما أحدثته المعارك بالحصون والقلاع وتنظيم شؤون البلاد، وفي نفس الوقت كان القائد الفرنسي "بيجو" يستعد بجيوش جديدة، ويكرر الفرنسيون نقض المعاهدة في عام 1839 م، وبدأ القائد الفرنسي يلجأ إلى الوحشية في هجومه على المدنيين العزل فقتل النساء والأطفال والشيوخ، وحرق القرى والمدن التي تساند الأمير، واستطاع القائد الفرنسي أن يحقق عدة انتصارات على الأمير عبد القادر، ويضطر الأمير إلى اللجوء إلى بلاد المغرب الأقصى، ويهدد الفرنسيون السلطان المغربي، ولم يستجب السلطان لتهديدهم في أول الأمر، وساند الأمير في حركته من أجل استرداد وطنه، ولكن الفرنسيين ضربوا طنجة وبوغادور بالقنابل من البحر، وتحت وطأة الهجوم الفرنسي يضطر السلطان إلى توقيع معاهدة لالة مغنية وطرد الأمير من المغرب الأقصى.
قاد عبد القادر ووالده حملة مقاومة عنيفة ضدها، فبايعه الأهالي بالإمارة عام 1832 م، عمل عبد القادر على تنظيم المُجاهدين، وإعداد الأهالي وتحفيزهم لمقاومة الاستعمار، حتى استقر له الأمر وقويت شوكته فألحق بالفرنسيين الهزيمة تلو الأخرى، مما اضطر فرنسا إلى أن توقع معه معاهدة (دي ميشيل) في فبراير 1834 م، معترفة بسلطته غرب الجزائر، لكن السلطات الفرنسية لم تلتزم بتلك المعاهدة، الأمر الذي اضطره إلى الاصطدام بهم مرة أخرى، فعادت فرنسا إلى المفاوضات، وعقدت معه معاهدة تافنة في مايو 1837 م، مما أتاح لعبد القادر الفرصة لتقوية منطقة نفوذه، وتحصين المدن وتنظيم القوات، وبث الروح الوطنية في الأهالي، والقضاء على الخونة والمتعاونين مع الاستعمار. لكن سرعان ما خرق الفرنسيين المعاهدة من جديد، فاشتبك معهم عبد القادر ورجاله أواخر عام 1839 م، فدفعت فرنسا بالقائد الفرنسي (بيجو) لتولي الأمور في الجزائر، فعمل على السيطرة على الوضع بإتباع سياسة الأرض المحروقة، فدمر المدن وأحرق المحاصيل وأهلك الدواب، إلا أن الأمير ورفاقه استطاعوا الصمود أمام تلك الحملة الشعواء، مُحققين عدة انتصارات، مستعينين في ذلك بالمساعدات والإمدادات المغربية لهم، لذا عملت فرنسا على تحييد المغرب وإخراجه من حلبة الصراع، فأجبرت المولى عبد الرحمن سلطان المغرب، على توقيع اتفاقية تعهد فيها بعدم مساعدة الجزائريين، والقبض على الأمير عبد القادر وتسليمه للسلطات الفرنسية، حال التجائه للأراضي المغربية.
كان لتحييد المغرب ووقف مساعداته للمجاهدين الجزائريين دور كبير في إضعاف قوات الأمير عبد القادر، الأمر الذي حد من حركة قواته، ورجح كفة القوات الفرنسية، فلما نفد ما لدى الأمير من إمكانيات لم يبق أمامه سوى الاستسلام حقناً لدماء من تبقى من المجاهدين والأهالي، وتجنيباً لهم من بطش الفرنسيين، وفي23 ديسمبر 1847 م اقتيد عبد القادر إلى أحد السجون بفرنسا، وفي بداية الخمسينات أفرج عنه شريطة ألا يعود إلى الجزائر، فسافر إلى تركيا ومنها إلى دمشق عام 1855 م، عندما وصل الأمير وعائلته وأعوانه إلي دمشق، أسس ما عرف برباط المغاربة في حي السويقة، وهو حي ما زال موجوداً إلي اليوم، وسرعان ما أصبح ذا مكانة بين علماء ووجهاء الشام، وقام بالتدريس في المدرسة الأشرفية، ثم الجامع الأموي، الذي كان أكبر مدرسة دينية في دمشق آنذاك، سافر الأمير للحج ثم عاد ليتفرغ للعبادة والعلم والأعمال الخيرية، وفي مايو 1883 م توفي الأمير عبد القادر الجزائري ودفن في سوريا.
لم يكن جهاد الأمير عبد القادر ضد قوى الاستعمار بالجزائر، هو كل رصيده الإنساني، فقد ترك العديد من المؤلفات القيمة ترجمت إلى عدة لغات، وعقب حصول الجزائر على الاستقلال تم نقل رفاته إلى الجزائر بعد حوالي قرن قضاه خارج بلاده، وفي 3 أبريل 2006 م افتتحت المفوضة السامية لحقوق الإنسان بجنيف معرضاً خاصاً للأمير في جنيف إحياءً لذكراه، كما شرعت سورية في ترميم وإعداد منزله في دمشق ليكون متحفاً يُجسد تجربته الجهادية من أجل استقلال بلاده...!!
استسلام الأمير عبد القادر، يوم: 23 ديسمبر 1847. رسم من قبل أوغسطين ريجيس