الفساد موجود فى كل مكان فى العالم ولكن مستوى الفساد من ناحية والسيطرة عليه من الناحية الأخرى يختلف اختلافاً جذرياً. واحدة من الدول الأقل فساداً فى العالم هى السويد ولتأخذ مثالاُ لما اعتبر فساداً كبيراً هناك وبعد اكتشافه كان العقاب شديداً. العضوة رقم 2 فى الحزب الديمقراطى الاجتماعى السويدى وتشغل منصب وزيرة، وقد أعلن رئيس الحزب ورئيس الوزراء أنه قرر اعتزال العمل السياسى لأنه زهق- الأمر مختلف تماماً عن منطقتنا التعيسة التى لا يزهق فيها رئيس أو ملك وإنما يذهب فقط عندما يأتيه نداء الرب أو تكتسحه ثورة عارمة أو انقلاب من ديكتاتور آخر. قامت السيدة الوزيرة بارتكاب فضيحة فساد بالمقاييس السويدية. كانت عائدة إلى منزلها بالمترو ولاحظت وجود فستان أعجبها فى الفترينة فدخلت وقررت الشراء ولكنها لم تجد البطاقة الائتمانية الخاصة فاستخدمت بطاقة الحزب فى الشراء، وفى الصباح سددت المبلغ بالكامل وذكرت السبب فى استخدام كارت الحزب.
بعد ثلاثة شهور من الحادث وجد مكتب المراجعة أوراق الواقعة فاعتبر أن ما حدث فساداً وكتب تقريراً بالمخالفة.
وقامت الدنيا ولم تقعد فى السويد بعد نشر التقرير، واعتبر الرأى العام أن ما حدث كارثة، استقالت من الوزارة ومن مركزها القيادى بالحزب وفقدت منصب رئيس الوزراء. التهمة الأساسية هى: كيف لا تستطيع أن تكبح رغبتها فى شراء الفستان حين لم تجد كارتها الشخصى، وهذا خطر لأن رغباتها ممكن أن تؤثر على قراراتها. إذا قرأ هذه الحكاية أى رئيس مصرى أو عربى أو أى وزير من هذه المنطقة سوف تنتابه نوبة من الضحك على تفاهة وغباء النظام السويدى.
أتكلم عن وزيرين متتاليين للتموين. الأول استقال منذ عدة أشهر وحدث فى عهده فضيحة كبرى تخص القمح المستورد والمصرى وتخزينه. انتهت بعد انتشار الفضيحة إلى نشر عدة أسماء للسادة الفاسدين وحجم الغرامات التى وقعت عليهم بسبب سرقة الدولة المصرية والشعب المصرى، ولأن الوزير كان يبدو أنه مسنوداً وأنه كان مرشحاً لتولى رئاسة الوزارة، فخرج بأمان.
هل يعرف أحد حجم الفساد الذى حدث وحجم خسارة الشعب المصرى والربح من الفساد لمجموعات بسيطة من التجار؟ هل قدم أحد إلى المحاكمة؟ هل سمعنا أنهم قبضوا على أحد من بيته مساء مثلما يفعلون مع أصحاب الرأى؟ كانت هذه القضية من الأشياء النادرة التى قام مجلس النواب بعمل لجنة تقصى حقائق وكتب تقريراً وافياً بحجم الكارثة. هل يعلم أحد فى مصر ما هى نهاية هذا الفساد الذى يكلف الدولة المصرية مئات الملايين من الجنيهات فى ظروف صعبة. لم يحدث شىء وانتصر الفساد وهبر من هبر مئات الملايين أمام الجميع وطلع لسانه.
ثم تأتى فضيحة الدجاج المجمد. قيل إن أحد المستوردين قد استورد بعدة مئات الملايين من الدولارات التى صرفها من البنك بسعر حوالى 8 جنيهات مع العلم أن استيراد الدجاج المجمد ممنوع قانوناً. وبعد وصول الشحنة قرر مجلس الوزراء إلغاء الحظر لمدة 3 أيام تم إدخال الدجاج فيها ويقال إن التربح فى هذه الصفقة أكثر من مليار جنيه، بالإضافة إلى الإضرار بالصناعة المحلية. هذا ما كتب فى كل مكان. أين الحقيقة. صرح رئيس جمرك الإسكندرية فى إحدى الصحف بأنه لا دجاج دخل مصر. هل يعرف أحد الحقيقة؟ هل هناك فعلاً مجلس نواب يدافع عن مصالح الشعب؟
مطلوب فوراً بيان واضح بكل التفاصيل الدقيقة عن الحادثتين من مجلس الوزراء وإذا لم يفعل ذلك فمطلوب من مجلس الشعب وإذا لم يصدر فهى مسؤولية الرئيس. وإذا صمت الجميع فيعنى ذلك أن الدولة المصرية تؤيد الفساد.
نحن نعلم أن فساد عصر مبارك كان عظيماً وجباراً والتصالحات التى تتم اليوم خير دليل على هول فساد عهده. مصر قامت فيها ثورتان ولا أود أن يكون عصر السيسى مماثلاُ بأى حال لعصر مبارك. يقام فى مصر الآن مشروعات جبارة تكلف البلايين منها تفريعة قناة السويس والعاصمة الإدارية ومشروعات أخرى كبيرة فى البنية التحتية. أنا لا أزعم أن بها فساداً ولكن مجلس النواب الموقر والجهات المحاسبية فى مصر لا يبدو أنها كتبت تقريراً لشعب مصر تقول فيه إن هذا المشروع أو ذلك تكلف هذا المبلغ وأن جميع الأموال صرفت بالطرق المحاسبية الدقيقة ولا توجد شبهة فساد. أنا لا أعلم هل حضرات النواب يعلمون تكلفة هذه المشروعات وفى أى ميزانية مدرجة ومن يراقبها ويحاسبها. أرجو أن يكون المجلس الموقر يقوم بذلك حتى يطمئن المصريون على أموالهم.
هناك أجهزة دولية هامة ومعترف بها فى العالم كله تقيس حجم الفساد والشفافية فى كل دول العالم ولا تعلن مقياس الفساد إلا بعد التأكد من ثلاثة مصادر مختلفة. للأسف الشديد أعلنت منظمة الشفافية الدولية أن بيان رئيس وزراء مصر بتحسن موقفنا خاطئ وأن موقفنا ازداد سوءاً هذا العام. وأن مصر حصلت فى 2015 على 36 درجة من 100 أى ضعيف جداً وهو رقم يضعنا فى منطقة الفساد الكبرى. الحقيقة الناصعة أن مصر دولة بها فساد عظيم وهناك مسؤولية كبرى لمجلس الشعب والأجهزة الأمنية والرئيس فى محاربة الفساد.
بدون خطوة هامة فى هذا الاتجاه سنكون فى خطر داهم..
قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.