لبنان والبحث عن نقطة موازنة دولية
مقالات مختارة | بقلم د.جهاد عودة;
السبت ١٧ ديسمبر ٢٠١٦
هناك فرق بين الاتزان أو الموازنة EQUILIBRIUM والتوازن BALANCE، فالأولى تعنى السعى لإقامة تعادل بين المتناقضات، والثانية تعنى البحث عن تراضى الفرقاء. الاتزان يعمل على خلق معادلة مستمرة للقوة الفاعلة داخلياً وإقليميا ودولياً، والتوازن هو سعى لخلق معدلات استقرار للنظام العام والسياسى والإقليمى والدولى.
مشكله لبنان الأساسية فى كيفية خلق معادلة للقوة الفاعلة للنظام ومؤسساته قبل القيام بخلق معادلة لاستقرار النظام ومؤسساته، الاتزان يقود إلى التوازن والخلل بقواعد المعادلة الأولى يقود لخلل فى خلق المعادلة الثانية.
ويعود سعد الحريرى، ممثلاً للقوى السنية السياسية، والذى شغل منصب رئيس الوزراء بين عامى 2009 و2011، ووصل السرايا الحكومية فى إطار صفقة تسوية أدت إلى انتخاب الرئيس ميشيل عون، أحد خصومه السياسيين، رئيساً للبلاد، منهياً فراغاً فى الموقع استمر 29 شهرا.
لكن مجلس النواب اللبنانى، وعلى مدى 45 جلسة فشل فى استكمال النصاب القانونى بسبب تغيب نواب التيار الوطنى الحر، الفصيل الأكبر بين ممثلى المارونية السياسية، والذى يتزعمه ميشيل عون، وداعمه القوى حزب الله، الممثل للشيعة السياسية.
قبل 27 عاماً، فى أكتوبر 1990، غادر العماد ميشيل عون القصر الرئاسى فى بعبدا كأضحية على مذبح اتفاق الطائف، أحد أهم إنجازات السياسة السعودية فى حقبة سيادتها العربية، اليوم، يعود عون، إلى بعبدا، ويبدو أن عودته إعلان وفاة للبنان فى صيغته التى وضعتها السعودية فى اتفاق الطائف.
وبترشح عون، انهارت تحالفات 8 آذار و 14 آذار التقليدية. لأن سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، أحد أبرز وجوه 14 آذار، الذى كان مرشح التحالف الأول ضد عون، أعطى تأييده للأخير، ليجتمع الغائبون عن الطائف فى خندق واحد.
فى قول محدد ما نراه فى لبنان عملية جديدة لخلق معادلة قوة فاعلة وما يتم ترجمتها فى خلق معادلة لاستقرار مؤسسات النظام .
لبنان ليس فقط مخلوقا نتيجة توافق سياسى محلى، ولكن الأهم مخلوق نتيجة توافق جيوبلوتيكى إقليمى فى الشرق الأدنى واستراتيجى دولى، وعليه لاستقرار لبنان يجب توافر العنصرين معاً: القوة الفاعلة والاستقرار المؤسسى.
خفت النفوذ السورى فى لبان وصار رمزياً ولم يتم انتخاب سليمان فرنجية، زعيم تيار المردة، وصديق الرئيس السورى، بشار الأسد، وتم حصار النفوذ السعودى بانفتاح سعد الحريرى على مصادر أخرى للقوة الفاعلة الإقليمية، الجديد هو بزوغ قوى إقليمية ودولية جديدة فى المعادلة اللبنانية.
بعد ترحيب إيران بانتخاب ميشيل عون، ممثلاً لانتصار الشيعة السياسية، استقبل الرئيس عون، وزير الخارجية التركي، فى مقر الرئاسة بقصر بعبدا، حيث أفاد موقع الرئاسة اللبنانية، أن عون أكد خلال اللقاء على «رغبة لبنان فى تطوير العلاقات مع تركيا فى المجالات كافة، مركزاً على أهمية العمل المشترك فى سبيل مكافحة الإرهاب، وإيجاد حل سياسى للأزمة فى سوريا والمساعدة على معالجة مأساة النازحين السوريين».
ولكن هذا البزوغ الإيرانى على أنقاض اتفاق الطائف ينذر بصراع إقليمى أعنف تمثل فى بيان القمة الخليجية الـ37 فى البحرين، حيث شدد قادة مجلس التعاون الخليجى فيه على اعتبار «أى قرارات أو ممارسات أو أعمال تقوم بها إيران على الجزر الثلاث الإماراتية باطلة ولاغية ولا تغير شيئاً من الحقائق التاريخية والقانونية التى تُجمع على حق سيادة الإمارات على الجزر»، ودعا البيان طهران للاستجابة لمساعى الإمارات لحل القضية، عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية. كما رفض البيان، تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين، ضد دول المجلس والتدخل فى شؤونها الداخلية، وانتهاك سيادتها واستقلالها، ومحاولة بث الفرقة وإثارة الفتنة الطائفية بين مواطنيها.
هذا فى الوقت الذى ينتصر فيه جيش سوريا فى حلب بمساعدة روسيا وقوات حزب الله المدعومة من إيران التى نشرت خططا لبناء قواعد عسكرية فى اليمن والعراق وسوريا.
لا يجب النظر إلى أن مجلس التعاون الخليجى صار بدون سند دولى بعد إعلان تيريزا ماى، رئيسة وزراء بريطانيا التى خرجت من الاتحاد الأوروبى، عن سعيها إلى تعزيز التعاون فى مجالات الأمن والدفاع مع دول الخليج، مشيرة إلى أن «أمن الخليج من أمن بريطانيا».
وقالت رئيسة الوزراء البريطانية فى كلمة أمام القوات البريطانية فى ميناء «خليفة بن سلمان»، إن زيارتها إلى البحرين لحضور قمة مجلس التعاون الخليجى تأتى للتأكيد على الشراكة مع دول المجلس وتعزيز التعاون فى مجالات الأمن والدفاع، وشددت على أن مساعدة دول الخليج أصبحت أولوية لجميع بلدان العالم بسبب الخطر المحدق بالعالم المتحضر الذى يشكله تنظيم «داعش».
وأضافت ماى، إن «أمن منطقة الخليج العربى بات أمراً هاماً أكثر من أى وقت مضى بالنسبة إلينا»، كما أعلنت عزمها ضمان وجود دائم للقوات المسلحة البريطانية فى المنطقة إضافة إلى إنشاء قاعدة تدريب عسكرى على أراضى سلطنة عمان.
يأت هذا فى الوقت الذى أعادت فيه المملكة العربية السعودية الاتصال مع الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، من خلال باكستان، لإقامة قاعدة عسكرية سعودية فى جيبوتى، علما بأن هناك فعلاً قاعدة عسكرية بريطانية فى البحرين وقاعدة عسكرية تركية فى قطر وترتيبات وقواعد عسكرية أمريكية فى الخليج والشرق الأدنى، وطبعاً ليس ببعيد العامل الإسرائيلى ودوره.
الآن ينتظر عون وسعد الحريرى قريباً اختباراً حقيقياً للصلابة والمرونة والفاعلية فى آن واحد للقوة الفاعلة واستقرار مؤسسات لبنان.
نقلا عن الأهرام