من أى ثدى رضع الفتى؟!
مقالات مختارة | مفيد فوزي
السبت ١٧ ديسمبر ٢٠١٦
«■ محمود شفيق ..
■ لست أسميه إرهابياً ولا قاتلاً ولا مفجراً لحزام ناسف، إنما هو «المخدوع». خدعوه وأوهموه وحشوا رأسه وساقوه إلى مصيره.
■ ابن الفيوم ذو الاثنين والعشرين عاماً. على ماذا تربى؟ على ماذا تفتح الطفل؟ ماذا رأى؟ ماذا سمع؟ كيف كانت ملاعب طفولته وصباه؟ هل كان له أصحاب؟ هل لعب كرة قدم يوماً؟ هل سمع أغنية؟ هل داعبت أوتار قلب المراهق مشاعر عاطفية؟ هل رأى فيلماً لإسماعيل يسين وضحك من قلبه؟ هل كانت له شلة من شباب فى مثل عمره؟ هل كان يحمل موبايل وأسماء كانت مفضلة لديه؟ ماذا قرأ فى سنواته الأولى؟ وأى المدارس تعلم فيها؟ وأى المواد كان يحبها؟ هل كان يحلم ولمن كان يبوح بأحلامه؟ هل عاش تجربة عاطفية؟ هل خذله الفقر؟ من كان الكبير الذى يوقره؟ هل كانت أسرته على علم بكل خطاه؟ هل أمسك يوماً بقلم ورسم شيئاً ولو كان مجرد شخبطة؟ هل شاهد خضرة وملاعب ونيلا؟ هل اجتذبه نشاط مدرسى، خطابة أو تمثيل؟ هل كتب قصاصة حب مثلما يفعل الصبيان فى مثل عمره؟ هل قرأ شعراً فى حصة اللغة العربية؟ هل كان فى مدرسته حسن السير والسلوك؟ ماذا كانت تعنى له كلمة البطولة ومن هم الأبطال فى رأسه؟ هل كان له أصدقاء أقباط فى المدرسة الابتدائية؟ هل ربطته بواحد منهم مقاعد الدراسة؟ هل هو صبى مطيع وهل يعصى أمراً لكبير؟ هل كان يحرص على مواعيد الصلاة ووراء من كان يسجد لله؟ هل عاش مرة حفلة ميلاد زميل له ولو كانت بسيطة للغاية؟ هل تلقى هدية يوماً ما فى عيد ميلاده؟ من كان أقرب البشر لأذنه وما قدر قناعته بما يسمع؟ هل كان انطوائياً تروق له الوحدة أم اجتماعياً له أصدقاء؟ هل اختلس لحظة ودخن فيها أم كان يكره التدخين بطبعه؟ هل يفضل المسلسل الرومانسى فى التليفزيون أم تستهويه أدوار الشر؟ هل يعرف «البلاى ستيشن» التى سيطرت على أطفال مصر؟ هل تشاجر مع أحد وذهب لقسم شرطة؟ هل كان يشعر بتفوق آخرين فى مثل عمره؟ هل غنى فى طابور المدرسة بلادى بلادى أثناء تحية العلم؟ من أى ثدى رضع؟ وأى لبن رضعه وفطم عليه؟.
■ محمود شفيق..
■ من أرضعه الكراهية للأقباط؟ أى نصوص شحنوا قلبه بها؟ أى أقوال مسموعة أو مقروءة سمعها أو قرأها حرضته على كراهية النصارى والدين الوسطى منها برىء؟ من كان مثله الأعلى؟ من اقترب منه وبث السموم فى رأسه؟ ما نوعية البيئة التى كان يعيش فيها هذا الفتى؟ هل هى بيئة عشوائية شرب منها الحقد على المجتمع؟ هل كان يعيش حياة سوية مثل الفتيات فى مثل شريحته العمرية؟ من كانوا جيرانه وهل لهم تأثير عليه؟ هل يراقب الأهالى أبناءهم عندما يشبون عن الطوق؟ هل يعرفون أصدقاء أولادهم؟ هل يبيت الأبناء كثيراً خارج ديارهم؟ هل كان الفتى يتمتع بحب أبويه أم فقد الاهتمام العائلى؟ من بحق السماء أول من التقط هذا الشاب وكشف عن وجهه القبيح؟ ما المعلومات التى كانت فى رأس الصبى وهو يسمع الصوت الآمر الطائش؟ ما حجم انتماء الفتى للبلد؟ هل كان فى المدرسة فرقة كشافة التحق بها التلميذ محمود شفيق؟ هل كان يصافح زملاءه الأقباط فى الأعياد أم كان يتجاهلهم مثلما سمع؟ هل كان فى بلدة الفتى قصر ثقافة، نادى ألعاب رياضية، أى شىء يستوعب طاقته؟ هل لاحظ بيته يوماً أن فى جيب بنطلونه «فلوس» وربما دولارات أم صمت الأب والأم واعتبرا أن ابنهما «كسيب»؟ هل فى البيت تليفزيون صغير ملون تبث بعض قنواته أفكارا فى رأس الصبى؟ هل يحمل كمبيو ترمشتعلا بميليشيات إلكترونية تنقل له أشياء مغلوطة ومفاهيم مختلطة؟ فى أى الزوايا تعلم ومن أى الينابيع شرب الكراهية للآخر؟ من بث فى قلبه وعقله أن الجنة من نصيبه والثمن تفجير حزام ناسف فى مكان عبادة؟ لماذا تركتموه يتشبع بأفكارهم حتى ذهب إلى بوابة التنفيذ؟ أين ومتى تدرب على تفجير نفسه؟ وأين ومتى خرج من «طوع» عائلته وصار مستقلاً تلعب به الأهواء؟ هل يعرف الفتى أن «الإنسان بنيان الله» وهل «يتقى دعوة المظلوم»؟ هل هو «مش من بلدنا ولا من ولادنا»؟ ألم يلتق الفتى بعاقل يبين له صحيح الدين ويزيل عن مخه الغشاوة؟ هل يعى أن «الله محبة» أم أن عقله لا يهضم فكرة المحبة أساساً؟ لماذا سار الفتى فى «شارع الشر» حين اشتد عوده ونبذ الخير فكان صيداً ثميناً لمحترفى الشر؟ هل فعلته باعثها «التجنيد والتكليف» أم العقيدة الصماء؟.
■ محمود شفيق..
■ من قلب الوجع أكتب عن حادث القرن. من قلب الحزن الراقى أصوغ كلماتى. وإذا كنت قد أمطرت «حالة» الفتى بعشرات الأسئلة، فأنا أحاول «تشخيص» النفسية التى أحزنت المصريين صباح الأحد الدامى، مثلما أحزنهم صباح الجمعة، ضحايا مسجد السلام. فربما كان هناك مئات أمثال «محمود شفيق» من شباب فقدوا البوصلة وتاهوا، وأى محمود شفيق قادم.
■ مات من لا يستحقون الموت على يد من لا يستحقون الحياة.
نقلا عن المصري اليوم