الأقباط متحدون - نجيب محفوظ يهدى رواياته لقاتله!
  • ٠٣:٢٠
  • الخميس , ١٥ ديسمبر ٢٠١٦
English version

نجيب محفوظ يهدى رواياته لقاتله!

مقالات مختارة | بقلم خالد منتصر

٥٩: ٠٦ م +02:00 EET

الخميس ١٥ ديسمبر ٢٠١٦

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

أجريت حواراً الأسبوع الماضى مع الروائى والمستشار أشرف العشماوى، الذى كان وكيل نيابة أمن الدولة الذى يحقق فى قضية محاولة اغتيال نجيب محفوظ 1994، حاورته لكى يكشف لى بعض جوانب هذا الفنان العملاق وكيف واجه الموت وهل كان يحمل غلاً وحقداً تجاه قاتليه؟!، حاولت أن أطل من خلال نافذته وأوراق تحقيقاته على مشهد من أبشع جرائم الجهل والتطرف تجاه شيخ عجوز لا يملك إلا قلمه،

ذبحه جاهل بسكين نتيجة فتوى طائشة، كانت أجواء هجوم عضو البرلمان على أديب نوبل واتهامه له بخدش الحياء ما زالت تقذف بحممها وتسمم مناخ الفكر المصرى، حكى لى المستشار أشرف العشماوى عن انبهاره بتواضع هذا الرجل وأدبه الجم ودماثة خلقه، حكى لى عن جهل القاتل وأميته وأنه لم يقرأ حرفاً من نجيب محفوظ بل كان لا يعرفه شكلاً فى البداية، حاول اغتياله فى منزله بالتنكر هو وزميله فى زى خليجى وادعاء أنهما يريدان منه التوقيع على إحدى رواياته، دخلا فعلاً شقته ولكن فشلت المهمة لأنه لم يكن موجوداً، قبل غرس السكين فى رقبته كان يمد يده ليصافح القاتل ظناً منه بأنه قارئ معجب!!، ويا لغرابة الأقدار، فقد كان السكين الذى ظل مغروساً فى رقبة صاحب «عبث الأقدار» هو هدية الأقدار لإنقاذه لأنه كتم النزيف!،

سأل نجيب محفوظ وكيل النيابة الشاب: لماذا قتلونى وما هو منطقهم؟، رد «العشماوى» وهو خجلان من الوصف «آسف لقد قتلوك لأنك فى نظرهم كافر»!!، فوجئ وكيل النيابة بنجيب محفوظ ينادى على زوجته ويطلب منها إحضار ثلاث روايات من البيت الملاصق لمستشفى الشرطة، استغرب وكيل النيابة وتحول استغرابه إلى صدمة كهربائية لم يستوعبها وقتها، ولكنه عرف بعدها أن من هو فى قامة ووزن وقيمة نجيب محفوظ ليس غريباً عليه أن يتصرف هكذا، أوصاه «محفوظ» أن يهدى تلك الروايات للقاتل!!، واستأذن الناقد الكبير رجاء النقاش أن يكتب الإهداء، أملى عليه جملة بليغة بدأها بإهداء إلى من حاول ذبحه وانتهى بعبارة «وإلى مجتمع لن ينصلح حاله إلا بالثقافة»!!، هذا هو عطاء وإحساس وعمق الفنان أمام جفاف وغلظة وجلافة المجرم، كان نجيب محفوظ وما زال الدم المتجلط على ثوبه وآثار الجراحة تطل من عنقه مؤمناً بأن الثقافة هى الحل،

مؤمناً بأن تغيير الوعى هو قارب النجاة، مؤمناً بأن قاتله «غلبان»، مجرد منفذ يمشى ويوجه بالريموت كنترول من أصحاب أفكار فاشية شيطانية يبذرونها فى وجدانات متصحرة وعقول مغيبة، زاد انبهار وكيل النيابة بهذا الأستاذ الفنان الذى يحمل تاريخاً على كاهله، عاشقاً لمصر ورمزاً لتسامحها ووسطيتها واتساع أفقها، جسده هو كل طبقات العصور الجيولوجية التى مرت على مصر وحفرت أيقونتها الفريدة قبل أن يغطيها تراب وتكلس وتحجر الفكر الصحراوى العنيف القبلى الذى هب عليها منذ السبعينات، هل نستوعب عبارة نجيب محفوظ التى أملاها فى الإهداء «مجتمع لن ينصلح حاله إلا بالثقافة»؟ من له أذنان فليسمع ومن له عقل فليستوعب ويعرف ويبادر ويخطط.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع