الأقباط متحدون - حادث الكنيسة.. وابتسامة البطل!
  • ١٦:٢٥
  • الاربعاء , ١٤ ديسمبر ٢٠١٦
English version

حادث الكنيسة.. وابتسامة البطل!

مقالات مختارة | د. محمد صلاح البدرى

١٨: ٠٨ ص +02:00 EET

الاربعاء ١٤ ديسمبر ٢٠١٦

د. محمد صلاح البدرى
د. محمد صلاح البدرى

«١»
يزداد توتره وهو يقبض على ما يحمله حول جسده تحت الملابس.. ولكنه ينجح أن يخفيه وهو يدلف إلى الكنيسة البطرسية فى هدوء مع باقى المصلين صباح الأحد.. إنه لا يبتسم أبداً.. ولكنه اضطر للابتسام لرجال الأمن عند دخوله حتى لا يشكوا فيه.. سيقوم بمهمته سريعاً.. فهو ينتظر تلك اللحظة بشغف شديد!

إنه الإرهابى «محمود شفيق محمد مصطفى».. ذلك الشاب العشرينى الذى فجر نفسه بحزام ناسف فى الكنيسة صباح الأحد الماضى.. والذى قتل معه أكثر من خمسة وعشرين روحاً.. سيقولون إنه انتحارى وإرهابى ومجرم.. إنه لا يأبه بكل ذلك.. فهو يفعلها تقرباً إلى الله.. يدلف إلى ساحة الصلاة.. ينظر إلى الساعة المعلقة على الحائط بينما أصوات الترانيم ترتفع فى تناغم حوله.. يتمتم بالشهادة.. ثم ينتهى كل شىء.. يتصاعد الدخان ليملأ الأجواء ويجعل الرؤية من بعيد غير واضحة.. الكثير من الفوضى التى تبدو واضحة فى المكان.. العديد من سيارات الإسعاف تصرخ لتمر بالمصابين والجرحى.. الأشلاء تتناثر بشكل عشوائى لتجعل المشهد كله لوحة عبثية.. البعض يموت.. ليموت الآخرون!

«٢»
تهتف المذيعة باسمه ورتبته.. يصعد إلى المسرح ممسكاً بعكازيه وعلى وجهه ابتسامة هادئة.. يمكنك بسهولة أن تميز اختفاء إحدى ساقيه.. تصيبك الدهشة من ذلك التناقض بين ابتسامته ومظهره وهو يفتقد ساقه.. ترتج القاعة بالتصفيق الحاد.. وينهار ذلك الحاجز الذى يمنع أنهار الدموع من الاندفاع.. يطلب من الرئيس أن يقول كلمة.. ليشكره ويشكر قادته.. ويحذرنا من الاستهتار بما يحدث فى سيناء.. إنه أحد أبطال معارك الجيش مع التكفيريين هناك.. بطل فقد ساقه.. وقام السيد الرئيس بتكريمه فى مؤتمر الشباب منذ أيام.. بطل يستحق أن نفخر أن أنجبنا مثله.. وقف ممشوقاً يحكى لنا عمن يفقدون حياتهم هناك كل يوم.. وقف يحكى عن إصابته وعن بطولات زملائه دون أن يهتز.. ودون أن يفقد ابتسامته.. التى أبكت الجميع!

البعض الآخر يموت.. لنحيا نحن.

«٣»
فضول شديد ينتابنى كثيراً لأعرف فكر ذلك العبقرى الذى تمكن من محو كل بواقى الحضارة من رأس شاب متعلم عصرى.. وأقنعه أن يطيل ذقنه بصورة غير مهذبة.. ويكفر المجتمع كاملاً.. ثم يتطور الأمر لينضم إلى تنظيم القاعدة أو أحد مشتقاته مثل داعش أو أنصار بيت المقدس.. ليبدأ فى حمل السلاح وقتل مدنيين دون أن يطرف له جفن.. بل ويصل به الأمر إلى أن يفعلها داخل دور العبادة مثل حادث الكاتدرائية.. أو بجوارها مثل حادث كمين الهرم.. إنه يفعلها وهو مقتنع اقتناعاً كاملاً أن إزهاق تلك الأرواح ليس أكثر من وسيلة للتقرب إلى الله.. الأمر ليس سهلاً بكل تأكيد.. وصناعة الدواعش فن يستحق الدراسة.. ربما حان الوقت لندرسه بعمق!!

«٤»
يقول البطل.. «لقد حصلت على بطولة العالم قبل الإصابة.. وحين حدثت وفقدت ساقى.. ظننت أن الحياة قد انتهت.. حتى زارنى فى المستشفى القائد العام وطلب منى أن أستمر.. وأن أعده أن أصبح بطلاً للعالم مرة أخرى.. وقد اشتركت فى بطولة العالم بالفعل.. وحصلت على مركز متقدم»..

ثم يستطرد بحماس.. «الحياة لن تتوقف.. والأمل مستمر دوماً.. وما أرخص ما نقدمه لهذا الوطن.. فهو يستحق الكثير».

كيف يتمكن من الحديث بهذه الثقة؟ كيف نجح فى أن يتجاوز ما حدث له بل ويحتفظ بابتسامته؟

لأنه بطل.. هذا كل شىء!

«٥»
البعض يموت ليموت الآخرون.. ولكن البعض يموت.. ليحيا الآخرون.. والفارق بينهما هو الفارق بين إيمان مشوه مبنى على أفكار مهترئة مريضة.. وإيمان بالله وبالوطن.. لا يمكن أن يتأثر أبداً.. التقصير الأمنى الذى أدى لحادث الكاتدرائية لا يمكن إنكاره بالطبع.. ومحاسبة المسئول عن دخول من يرتدى حزاماً ناسفاً إلى داخل الكنيسة واجب حتمى.. ولكن قبل أن نفعل ذلك.. فلنبحث عن الدواعش فيما بيننا.. ولنحاول أن نكتشف ماذا يفعلون بعقولهم حتى يصلوا إلى هذه الدرجة.

المواجهة ليست أمنية فحسب.. فدراسة كيفية زرع الأفكار التكفيرية والإرهابية فى عقول هؤلاء أهم وأكثر تأثيراً..فلنبحث عن الأسباب التى تجعل البعض يعتنق فكراً يحلل إزهاق الأنفس.. بينما يبذل البعض الآخر حياته فى سبيل الوطن.. فلنبحث عن التناقض فينا.. الذى يجعل الوطن ينجب من يقتل أهله.. وينجب فى نفس الوقت.. ذلك البطل المبتسم!
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع