جريمة تفجير الكنيسة "البطرسية" الإرهابية هي جريمة إبادة جماعية
د. عوض شفيق
الاثنين ١٢ ديسمبر ٢٠١٦
سنظل حائرين بين العدالة الجنائية والعدالة القصاصية
يجب عدم الخلط بين الجرائم الإرهابية وجرائم العنف المسلح في البيانات الرسمية
يجب عدم الخلط بين مفهوم العدالة الجنائية ومفهوم القصاص
كيفية مواجهة التحديات للجرائم الإرهابية كجرائم إبادة جماعية وجرائم حرب بوضع استراتيجية خماسية الأبعاد
د.عوض شفيق
شئتم أم أبيتم فالجريمة التي وقعت اليوم داخل الكنيسة البطرسية، في يوم الأحد (يوم الصلاة والعبادة) لآستهداف جماعة دينية وتصرف الجناة (المنفدين والمخططين والمحرضين والمموليين والمساهمين مباشرة والمساهمين بالتبعية) بالعزم اللازم مع القصد اللازم والخاص "النية الإرهابية" في قتل الأقباط كجماعة دينية مستهدفة من الإرهابين بدوافع دينية وقتل بحسب الهوية. (والهوية هنا تعنى الوجود المادى المتمثل في الكنيسة والمؤمنين والوجود المعنوى المتمثل بعقيدة الإيمان المسيحى) هي جريمة إرهابية وإبادة جماعية للأقباط. هذه هي عناصر الجريمة الإرهابية كجريمة إبادة جماعية وفقا لقانون الإرهاب والقانون الدولى.
البيانات الرسمية الصادرة عن أجهزة الدولة يتم الخلط بين الأعمال الإرهابية والعنف المسلح (أو النزاع المسلح غير الدولى ) التي تقوم بها جماعات مسلحة أو جهات فاعلة من غير الدول ضد الدولة وأجهزة الأمن والشرطة والقوات المسلحة. فلا بد من التمييز وعدم الخلط بين الأعمال الإرهابية كجرائم إبادة جماعية التي يتم ارتكابها ضد المواطنين الأقباط كجرائم إبادة جماعية مستوفية الشروط طبقا للمادة 2 من اتفاقية منع الإبادة الجماعية 1948 وذلك باستهداف جماعة دينية وقتلهم... وجرائم الحرب التي ترتكبها جماعات مسلحة غير نظامية ضد الدولة كجرائم حرب في النزاعات المسلحة غير الطابع الدولى (وفقا للمادة 3 المشتركة في قانون النزاعات المسلحة واتفاقيات جنيف الأربعة )
ونظراً لعد وجود حدود وفواصل بين الجرائم الإرهابية في قانون الإرهاب وعدم الأخذ بالاعتبارات السياسية والقانونية ولعدم الكفاءة والتدريب في كيفية استنباط الأدلة الجنائية واستخلاص النية الإرهابية والنية الحربية بين الجريمتين من خلال التحقيقات الجدية والاستعانة بخبراء دوليين وأصحاب الخبرة القانونية والأمنية والسياسية في تنميط العمل الارهابى والإرهابيين والعمل المسلح غير النظامى الذى تواجه القوات المسلحة والقوات الأمنية سيظل هذا الخلط هو سيد الموقف وتضيع حقوق ضحايا المدنيين والعسكريين وستظل طريقة استخدام القوة حائرة بين الضرورة الإنسانية والضرورة العسكرية
ولا جدال حينما تصرخون بصوت عظيم إلى الله وتطالبونه المقاضاة والانتقام من دم شهداء البطرسية -وقبلها شهداء القديسين وغيرها - ويكون الرد الالهى "استريحوا وقت قليلا حتى يكمل بقية الرفقاء أن يتم قتلهم مثلهم..." (الكتاب المقدس رؤيا يوحنا اللاهوتى) لأن هذا هو النمط والخطة الألهية في كيفية انتهاء الحياة الزمنية وصولا الى الحياة الأبدية. ومن خلال التدمير الذاتى للإنسان وأنسنته (بنى آدم ونسله البشع والشرير)
فمهوم القصاص الذى يطالب به المؤمنون والسياسيون هو مبرر أخلاقى ولا يتناول الأهداف الاجتماعية أو السياسية التي تحققها المقاضاة. فلذلك لا ينبغي مساوة العدالة الجنائية بالقصاص. واذا أخذنا بأن متابعة العدالة الجنائية من خلال التحقيق وكشف الحقيقة والمقاضاة كمسألة انتقام أو قصاص فإن هذا النشاط مشكوك في قيمته الأدبية والقانونية. وسيؤدى هذا المفهوم لانتقاص حقوق الضحايا وأهالى الضحايا والشهداء (القتلى) من الجانبين العسكرى والمدنى والدينى) . ولذلك اصبح وصف العدالة الجنائية بأنها قصاصية الطابع وصفا قديما ومسخاً غير مفيد، لأن الهدف ينبغي أن يكون تحقيق مشاركة الضحايا وأهالى الضحايا فى العملية الجنائية بطريقة مفيدة بقدر أكبر للكشف عن الحقيقة والحق في معرفة حقيقة الجريمة الإرهابية "البطرسية" وغيرها من الجرائم الإرهابية.
ولحين أن يقضى الله ويقوم بنفسه الرد والانتقام من دماء الشهداء، يجب على أجهزة الدولة مواجهة التحديات الخمس لمقاضاة جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب في وضع استراتيجية للمقاضاة - والتي نادينا بها وسنظل ننادى بها - وتتلخص في الآتى:
1- الحاجة إلى التزام سياسى واضح بالمساءلة. لذلك يستطيع صانعو السياسة نزع الطابع السياسى عن متابعة العدالة والمحاكمات القضائية - لأنها تجرى عموماً في بيئة ذات طابع سياسى معين - من خلال مناقشات المساءلة والمحاسبة في عدم التدخل في العملية القضائية إحتراما لمبدأ فصل السلطات. ولكن التجربة العملية توضح أن غياب الالتزام العام بسياسة العدالة يقترن غالباً بسياسة الإفلات من العقاب (مثل واقعة تفجير القديسين 2011 واقعة اغتيال النائب العام، وواقعة الكنيسة البطرسية الآن)
2- ضرورة وجود استراتيجية واضحة والحاجة إلى كفالة تعزيز المبادرات بالقدرات اللازمة والمقدرة التقنية للتحقيق في الجرائم المذكورة، أو المقاضاة على المستوى الوطنى، والقضاء المحلى سيكون هو المختص بنظر هذه الجرائم. ويكون للاختصاص الدولى للمقاضاة أمام المحاكم الدولية الدور التكميلى أو ما يسمى "بمبدأ التكاملية" للنظر في هذه الجرائم لاحقا نظرا لعدم رغبة الدولة سياسيا باضطلاع دورها الأساسى في التحقيق والمقاضاة محليا بنفسها، أو غير قادرة على القيام بذلك نظراً لضعف قدرتها التقنية في التحقيق.
3- ضرورة إيلاء اهتمام خاص بالضحايا ومشاركتهم في العملية القضائية أعمالا بمبدأ الاعتراف الدولى بحقوق ضحايا الجرائم الإرهابية وجرائم الحرب وإبادة جماعية
4- الحاجة إلى فهم القوانين الواجبة التطبيق على هذه الجرائم واعتبارها جرائم دولية حتى لو لم ينص عليها القانون المحلى واعتبار هذه جرائم من الجرائم دولية وإلا ستكون الدولة متهمة بارتكاب ما يسمى بـ"جرائم النظام" نتيجة الاخلال بالتزام أساسى وسياسى وهو مسؤولية الحماية الذى يرتكز على التزام قانونى وهو "الالتزام بالمنع".
5- الاهتمام بمهارات قضائية في إدارة المحاكمات إلى جانب الالتزام بسلامة الإجراءات القانونية.
ولحين تنفيذ هذه الاستراتيجية سنظل حائرين بين العدالة الجنائية والعدالة القصاصية