الأقباط متحدون - «ماسبيرو زمان».. وماسبيرو الآن
  • ٠٣:١٣
  • الخميس , ٨ ديسمبر ٢٠١٦
English version

«ماسبيرو زمان».. وماسبيرو الآن

مقالات مختارة | بقلم: سهير جودة

٥٢: ١٢ م +03:00 EEST

الخميس ٨ ديسمبر ٢٠١٦

سهير جودة
سهير جودة

 الدهشة والمتعة والحسرة أحاسيس تفرض نفسها عند مشاهدة قناة «ماسبيرو زمان»، فهى من الأحداث القليلة جداً التى تُشكل معنى مهماً فى الإعلام المصرى مؤخراً، لكن المؤسف والحسرة أنها قناة موجودة على استحياء، دون تنويه كما يجب وكما تستحق، وبالتالى فالانتباه إلى وجودها ضعيف، رغم قيمتها الكبيرة ورغم الثراء الوجدانى والعقلى الذى تُحدثه.

 
هناك عشرات القنوات التى تحمل اسم «زمان» أو «كلاسيك» فى شبكات التليفزيون الخاص، لكن قناة ماسبيرو من التليفزيون المصرى ليست مجرد قناة مخصّصة لعرض أعمال قديمة مثل الأفلام والمسرحيات والمسلسلات كباقى القنوات، وليست قناة تأخذ قيمتها من مجموعة من المواد والبرامج النادرة، لكن من معناها وقيمتها، فالقناة بما تعرضه تمثل تراث التليفزيون المصرى، تستدعى وتعيد إحياء نسق متكامل من القيم، وتستدعى تركيبة مجتمع غابت تماماً، وتستدعى شخصيات تُعبّر عن قيمة ومكانة هذا المجتمع وهذه الدولة، ونرى من خلالها درجة مدهشة من الجودة والجدية والإتقان فى العمل وكلمات مثل الريادة والتأثير والمكانة التى نلوكها عادة بألسنتنا دون أن نلمس لها وجوداً فى الواقع، نراها الآن معانى مجسّدة بالفعل أمامنا لنوع المحتوى وقوته التى تعكس شخصية مصر الحقيقية فناً وثقافة.
 
وبمجرد متابعة المكون الثقافى والفنى والإعلامى الذى كان يُقدّم فى الستينات والسبعينات نتأكد أن المقارنة لن تكون إطلاقاً فى صالح الإعلام المصرى الآن، فهذه القناة تعلن إلى أى حد تشوه الإعلام، وإلى أى حد تشوه هذا المجتمع وتراجع فى كل شىء، والغريب أن ذلك حدث فى علاقة عكسية مع التقدم التكنولوجى والتكنيك والأدوات والإمكانيات.. هذه الأشياء تتقدّم، بينما المعنى والمحتوى يتخلف ويتشوه.
 
قناة «ماسبيرو زمان» هى المرآة التى لا بد أن ننظر إليها حتى نواجه حقيقتنا الآن، حتى نُشخّص أمراضنا، وندرك ما هى الجرائم التى تحدث، والتى هى ليست مسئولية الإعلام وحده، لكنها مسئولية مشتركة بين المجتمع والدولة، فالإعلام هو مؤشر صادق على المجتمع، وبالتالى فهو يمتلك نفس التشوه ونفس الارتباك.
 
المذيعون فى هذه القنوات ليسوا مجرد أشكال لائقة، وإن كانوا كذلك، وإنما كانوا مجتهدين إلى أقصى درجة، بالإضافة إلى تنوع أفكار البرامج، والأهم أنه لم يكن هناك مذيعون يظهرون كزعماء على الشاشة، لكنهم كانوا يُقدّمون زعماء هذا المجتمع من مفكرين وعلماء ومثقفين وفنانين، وكانت هناك جرأة عمل برامج علمية متخصصة وبرامج ثقافية متخصصة وبرامج دينية لها فكر عميق، وليست فتاوى رثة أو دجلاً دينياً وبرامج عن الطب النفسى.
 
ورغم أن هذا الإعلام كان يسمى إعلام الصوت الواحد، إلا أنه يكفيه أن هذا الصوت لم يُمزّق المجتمع، ولم يخلق صراعاً فيه، والضيوف الذين تفرد لهم المساحات على درجة كبيرة من الوعى والمسئولية والجاذبية، كما فى حلقات طارق حبيب مع نجيب محفوظ، حيث تم التصوير فى ستة أماكن، ما بين مكتبه وبيته والهرم وخان الخليلى والقاهرة القديمة، وحلقة ليلى رستم مع الفنان الكبير يوسف وهبى، وأمانى ناشد مع الكاتب الكبير يحيى حقى، ومن الحوارات الراقية والرائعة حوار طارق حبيب أيضاً مع الكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوى، الذى تطرّق فيه إلى معركته مع الرقابة، التى رفضت مسرحيته «الحسين ثائراً والحسين شهيداً».
 
«الشرقاوى» تكلم عن الأزمة بلسان عف ونفسية سوية، ودون حقد أو مرارة أو تجاوز فى حق أى جهة تسبّبت فى عدم عرض المسرحية، ومؤكد أنه لو كانت هذه المعركة الآن فكنا سنرى كل التدنى والسفالة مع كل أطراف المشكلة.
 
حلقات مصطفى محمود «العلم والإيمان»، وحامد جوهر عالم البحار، مادة علمية حقيقية ومثيرة تقدم بشكل جذاب، ويقدمها متخصصون وليسوا تجاراً.
 
لن تكفى المساحة لرصد كل ما تذيعه هذه القناة من روائع وكنوز، لكن من النقاط المهمة التى لا يفوتنا الحديث عنها، الحفلات النهارية الموسيقية التى كان التليفزيون ينتجها ويذيعها من الحدائق العامة، ومن على ضفاف النيل لمطربين ومطربات كبار ومواهب شابة، وجمهورها عائلات وشباب وباعة متجولون.. حفلة راقية لمجتمع سليم الذوق.
 
هذه القناة مرآة يجب أن ننظر إليها، ليس لنستدعى الحنين إلى ماضٍ عاشه البعض منا، بينما هناك أجيال كثيرة لم تعشه، لكن الأهم أن نستدعى معانى وقيماً غابت، وندرك إلى أى مدى فداحة القبح الذى نعيشه الآن وتتبقى ثلاث نقاط مهمة:
 
إن هذه القناة لا بد أن تُسوق بشكل يليق بقيمة ما تقدمه، وأخيراً هذه القناة لو تم تسويقها بشكل جيد، ربما تتيح لهذا المحتوى أن يُرمّم بشكل علمى متطور، فهذه ثروة حقيقية، وهناك عرض مقدّم من الهند لترميم هذه الثروة مجاناً، لكن القصة تائهة بين دهاليز اتحاد الإذاعة والتليفزيون ووزارة التعاون الدولى، ومجلس الوزراء آخر من يعلم بأهمية وقيمة الثروة التى تمتلكها مصر، والتى يجب أن يحافظ عليها، وأن يتم حفظها بأحدث ما توصل إليه العلم من تكنولوجيا.
 
إعلام زمان ما أجمله.. وإعلام الآن واحسرتاه..
 
إلى عباقرة وعمالقة «ماسبيرو زمان».. نشكركم..
نقلا عن الوطن
 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع