الأقباط متحدون - انقشعت الغيوم وانتهى الغموض وراء المسببات الحقيقية لغبار الحرب في سوريا
  • ٠٨:٣٣
  • الخميس , ٨ ديسمبر ٢٠١٦
English version

انقشعت الغيوم وانتهى الغموض وراء المسببات الحقيقية لغبار الحرب في سوريا

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

١٤: ١١ ص +02:00 EET

الخميس ٨ ديسمبر ٢٠١٦

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
ميشيل حنا الحاج
 الغيوم التي غطت الأسباب الفعلية الكامنة وراء اشتعال الحرب في سوريا بتمويل خليجي وتعاون تركي تمثل بفتح الحدود التركية  تسهيلا لمرور المقاتلين والسلاح الى سوريا...هذه الغيوم بدأت أخيرا تنقشع. وكانت الأسباب المبررة لنشوب تلك الحرب، كما قدرها المحللون السياسيون ومنهم شخصي المتواضع،  تتراوح بين الحيلولة دون تبلور الهلال الشيعي الممتد من ايران الى سوريا، وبين تحجيم الدولة التي تقود جبهة الممانعة للحل الاستسلامي مع اسرائيل، الى رفض سوريا مرور أنابيب الغاز القطري باتجاه أوروبا عبر الأراضي السورية، اضافة الى رغبة سعودية في مد نوع آخر من الأنابيب هي أنابيب الدعوة للوهابية. ومنها أيضا تصفية الحسابات بين دول الخليج وخاصة بين السعودية وايران، وذلك عبر حرب بالوكالة تخاض بينهما على الأراضي السورية. 
 
وقد يكمن في تلك الأسباب كلها أو بعضها، جزءا من الحقيقة، ولكن ليس كل الحقيقة التي تجلت أخيرا بعد انقشاع الضباب الذي حاولت بعض الجهات تغليفها به، عبر طرح الاحتمالات السابقة كسبب للحرب، لابعاد الأنظار عن أسبابها الحقيقية، كباعث فعلي لاشتعالها. 
 
فالسبب الحقيقي كان في ظهور الاحتمالات القوية لتحول سوريا الى دولة نفطية منافسة، مما كان سيؤهلها  لموقع قيادة المنطقة، ولمنافسة فعلية للمساعي السعودية الراغبة في تكريس المملكة في موقع القائد المطلق للدول العربية خاصة، ولدول الشرق الأوسط عامة، استنادا لما تملكه من أموال وفيرة يغدقها عليها الذهب الأسود، وتوزع بعضا منها على بعض الدول العربية التي تعاني مصاعب اقتصادية، ومنها لبنان والأردن وتونس وفلسطين ومصر... كثمن لاعلان ولائها للسعودية ومبايعة تكريسها قائدة لهذه المنطقة.
 
فالجمهورية السورية التي كانت تحظى بنعمة الاكتفاء الذاتي، وعدم الحاجة الى الاقتراض من بنك النقد الدولي، أو التوسل لساكني الرياض كي يتعطفوا عليها ببعض العون المالي...كانت مؤهلة في هذه الحالة، لأن تصبح منافسة للسعودية بجدارة، نتيجة امتلاكها مخزونا كبيرا من النفط في الشواطىء السورية الدولية المحاذية لطرطوس وبانياس، وهي كمية مخزونة تعادل كامل مخزون النفط الكويتي، اضافة الى كميات كبيرة من الغاز.
 
وكانت احدى القنوات العربية قد عرضت مؤخرا،  لقاء مطولا مع خبير نفطي كشف فيه أن الاعلان عن وجود هذه الآبار قد تم في نهايات عام 2011، أي بعد نشوب الحرب الأهلية في سورية ببضعة شهور. لكن بعض المحللين يرجحون بأن المعلومات عن تواجد تلك الآبار، قد بدأت تتبلور لأجهزة الاستخبارات الأميركية قبل الاعلان الرسمي عن اكتشافها من قبل شركة أنسيس Ansis، التي قامت بالبحث والمسح قبل الاعلان الرسمي عن اكتشاف تلك الحقول النفطية الغنية التي تضمنت 14 حقلا في المياه الاقليمية الدولية السورية، بينما وجد بئر آخر في المياه الدولية الاسرائيلية، وحقلان نفطيان في المياه الدولية اللبنانية، مع وجود بعض الحقول المشتركة بين سوريا وقبرص لتواجدها في مياه دولية مشتركة بين الدولتين. 
 
وكان لمجرد ظهور بوادر هذا الاكتشاف، وقع الصاعقة على بعض الدول النفطية وخصوصا الخليجية منها، وبالذات السعودية، لأنه اذا تحقق وشرع في ضخ النفط من سوريا، فانه كان سيقلب موازين القوى في المنطقة، حيث اعتمدت  السعوديةعلى قوتها النفطية وما تدره من اموال، وعلى كيفية استثمار هذه الأموال في تجنيد وشراء التأييد لها... للاعتراف بها وتكريسها كقائدة للعالم العربي. 
 
فسوريا المكتفية أصلا ذاتيا، عندما تبدأ في تصدير النفط، ستصبح قادرة على تقديم العون المالي لبعض الدول التي تحتاجه كالأردن ولبنان وتونس وفلسطين، بل ولمصر العربية التي تسعى بعض الدول الى لوي ذراعها عبر امتناعها عن تصدير النفط لها، كما تسعى لايصالها الى موقف التابع لا المشارك، من خلال ربط اعاناتها المالية لمصر، لا بروح الأخوة العربية، بل بالسعي للحصول على المردود المقابل المتمثل بالرضوخ لمشيئتها، واجبارها على مباركة خطوات تلك الدولة حتى ولو كانت مجحفة في حق بعض الدول الضعيفة، متناسين أن مصر العربية، كانت هي القائد الحقيقي للعالم العربي، ابتداء من عهد الملك فاروق، مرورا بعهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وخصوصا في مرحلة الوحدة القصيرة بينها وبين سوريا، والتي شكل الانقلاب الانفصالي ضدها في عام 1961، الخطوة الأولى نحو اغتيال تواجد مصر والى جانبها سوريا، في موقع القيادة للعالم العربي، وتبعها حرب استنزاف مصر في اليمن، وما تلاها من هزيمة عام 1967، انتهاء برحلة الرئيس السادات المهينة الى اسرائيل، والتي كرست انتزاع موقع قيادة العالم العربي من يد مصر العربية وذهابها للمملكة السعودية.
 
أما الآن وقد لاحت في الأفق بوادر نعمة كبرى ستتدفق على سوريا، نعمة ستضعها في موقع القيادة خصوصا اذا عادت الى التنسيق مع مصر التي ستكون تواقة لتنسيق كهذا، ومع اكتساب ود الدول الضعيفة ماليا كتونس والأردن ولبنان وفلسطين، يصاحبه تنسيق قد لا يكون محدودا مع العراق الشقيق، فان عصا القيادة في المنطقة، كانت مؤهلة لأن تعود لأصحابها الذين كانوا السباقين في ذاك الموقع، وكانوا أصلا الأكثر تأهيلا له، لكونهم حتى في مرحلة فقرهم، الدول الأكثر تقدما على دول المنطقة الأخرى. اذ كانت مجموعتهم تشكل الدول الاكثر عراقة ونهوضا وحضارة وثقافة وتقدما في مواجهة التكتل النفطي الخليجي الذي وضع قدمه حديثا على عتبة الحضارة والثقافة والاقتراب من مرحلة ما من الرقي والحداثة.
 
ويؤكد الدكتور عماد فوزي الشعيني، الخبير في قضايا النفط، والأستاذ المحاضر في جامعة دمشق، أنه يملك التقارير والجداول والخرائط التي تؤكد هذا الاكتشاف في الشواطىء السورية، والذي حققته شركة "أنسيس" سابقة الذكر بعد مسح مساحة تقارب خمسة آلاف كيلومتر مربع في البحر، والتي سلمت لاحقا كل معلوماتها لشركة جاتكس Jatex النرويجية، ولكن حالت ظروف الحرب دون المضي قدما في التنفيذ وضخ النفط السوري الذي تزداد كمياته كلما ارتفعت شمالا من بانياس نحو طرطوس.  والمعروف أن تواجد النفط في المياه الاقليمية السورية لا يبدو مستبعدا، ذلك أن سوريا تملك فعلا عدة آبار نفط في البر السوري، وقد استثمرتها الدولة الاسلامية واستفادت من بيع نفطها لتركيا وشراء سلاح مقابل النفط المباع بثمن بخس.
 
 لكن هذا الاكتشاف شكل الشعرة التي لم تترك امام احدى الدول خيارا بل اشعال حرب في سوريا تدوم طويلا وطويلا جدا. ولعل هذا الاحتمال هو الذي يدفع مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، للتأكيد مؤخرا، بأن تحرير حلب، المعركة المفصلية والهامة، لن يؤدي الى نهاية الحرب في سوريا. فالحرب كما يرى بعض المحللين، ويبدو بأن الاتحاد الأوروبي يرجح احتماله، مؤهلة لأن تستمر طويلا، بل وطويلا جدا، بغية ايصال الدولة السورية الى مرحلة لن تكون معها قادرة على الاستفادة من نفطها لبلوغ مركز القيادة في المنطقة، حتى لدى حلول السلام بعد سنوات طويلة، والمباشرة فعلا في استخراج النفط السوري. ذلك أنها سوف تكون عندئذ قد انهكت تماما، وباتت لسنوات طويلة، بحاجة لأموال هذا النفط، مهما كانت كمياته وفيرة، لاعادة بناء الدولة وبنيتها التحتية والفوقية التي اغتصبتها ودمرتها نيران حرب ضروس غير مبررة. وبهذا لن يكون لديها فائضا ماليا تنفقه على دول الجوار، الدول الأكثر قربا لها، بل الأقرب لها،  ليس من باب الحدود الجغرافية فحسب، بل من حيث المشاركة في معالم الحضارة والثقافة والرقي. وبهذا لا يتحقق ذاك التكتل السياسي المتوقع، ولن تظهر الى الوجود تلك الجبهة السياسية القادرة على مواجهة النفوذ، بل الهيمنة غير المبررة على بعض دول المنطقة من قبل دولة واحدة.
 
لكن الأسباب المبررة لنشوب تلك الحرب وتهيئة الظروف الملائمة لها، لم يكن مرده النزاع على موقع القيادة فحسب، اذ كانت له أسباب أخرى، ومنها أن فائض الأموال التي كانت ستتدفق على الدولة السورية، كانت ستساعدها على بناء جيش قوي، يزداد قوة بتوفر الأموال اللازمة لمزيد من التسليح بتوفر المال الفائض نتيجة الاكتشاف النفطي، مما كان سيعزز جبهة الممانعة، بل وقد يوصل سوريا الى تحقيق التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل ان لم يكن التفوق عليها، الأمر الذي لم ترغب به اسرائيل أو حليفتها الولايات المتحدة. وبطبيعة الحال، لم ترغب به تركيا أيضا الطامعة بانتزاع بعض الأراضي السورية بذريعة نأسيس منطقة عازلة واسعة المساحة، تضمها لاحقا الى تركيا، مما دفع الدولة التركية، اضافة لأسباب أخرى متعددة، للدخول كطرف في تلك الحرب ولو من وراء الستار، وذلك من خلال فتحها حدودها لمرور السلاح والمقاتلين الى الأراضي السورية.  
 
وهكذا التقت المصالح السعودية الأميركية الاسرائيلية التركية، لوجوب اشعال تلك الحرب، وابقائها مشتعلة الى ما شاء الله ان أمكن. فبعد وضعها لأوزارها، لن تكون سورية قادرة ولسنوات طويلة، كما سبق وذكرت،على الوقوف على قدميها مهما استخرجت من نفط، بل ولن تكون قادرة على بناء قوتها العسكرية لاحتياجها أولا لاعادة بناء قد يستغرق عقودا من الزمان.
 
وهكذا يستخلص الدكتور عماد الشعيني، أن هذه النعمة قد تحولت بقدرة قادر الى نقمة على سوريا، بل وعلى دول الجوار أيضا. فلو تم هذا الاكتشاف وشرع في ضخ النفط في زمن السلم، لتبدل كل شيء في المنطقة، سياسيا، قياديا، وعسكريا. ومن هنا، اذا صحت هذه المعلومات، يمكن استيعاب الأسباب الحقيقية للسعي الأميركي الاسرئيلي الخليجي التركي، لاحباط الآمال السورية التي تتناقض مع مصالح تلك الدول. 
لكن التدخل الروسي  فاجأهم وقلب المعادلة. اذ قد يكون هذا التدخل قادرا على قلب موازين الحرب في مدة زمنية أقصر من المدة التي أرداتها تلك الدول، وخططت، كي لا أقول تآمرت، لابقائها مشتعلة لسنوات طويلة في سوريا.