الأقباط متحدون | بكم من التكرار يتعلم الشطار؟
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٠:٢٧ | الأحد ١٦ يناير ٢٠١١ | ٨ طوبة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٧٨ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

بكم من التكرار يتعلم الشطار؟

الأحد ١٦ يناير ٢٠١١ - ٤٨: ٠٣ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: منير بشاي
من ذكريات الطفولة التي لا تُنسى، الفترة التي بدأنا نتعلم فيها القراءة. وأتذكر أن القراءة كانت لي في البداية أمرًا صعبًا، وكانت أمي تجلس معي لتساعدني على فك طلاسم كتاب المطالعة. وحتى تسهِّل على عملية القراءة، كنت أشترط عليها أن تقرأ هي قطعة المطالعة بصوت عالٍ مرتين قبل أن أحاول أنا القراءة. كانت هذه محاولة ماكرة من ناحيتي أستطيع بها حفظ النص عن ظهر قلب، فإذا ما بدأت أنا القراءة، يمكنني تخمين ما قد يتعثر عليَّ قراءته من كلمات.

التكرار وسيلة تعليمية هامة تساعد على الاستيعاب. والمثل الدارج يقول: إن التكرار يعلِّم الـ... فقد ثبت أن الـ... الذي يقتاده الفلاح من البيت إلى الحقل كل يوم ذهابًا وإيابا، يأتي وقت يتعلم فيه الطريق، وبعد ذلك إذا تركته يمشى من الحقل، يمكنه معرفة طريقه إلى البيت دون مشكلة.

ولكن في الحياة السياسية المصرية، هناك من يدَّعي أنه لا يفهم رغم تكرار الدرس أمامه مرة واثنين ومائة، وهو أمر يصعب تصديقه، ويدل على وجود مشكلة.

الأحداث الطائفية الموجَّهة ضد الأقباط، ليست فردية ولا هي جديدة. فقد تكرَّر حدوثها مئات المرات في العقود الأخيرة. ومن كثرة تكرارها، يستطيع أي إنسان مهما كان مستوى ذكاءه، أن يخمِّن الدوافع ورائها، والجهات التي يُشتبه فيها. ولكن عوضًا عن الاعتراف بالمشكلة، نجد المسئولين يستعملون كليشيهات معتادة ومكرَّرة؛ للمراوغة والتضليل.

لوم "جهات أجنبية" هو الكليشيه الأكثر استعمالاً، وهو تبرير مريح ينزع عن المسئولين تهمة التقصير، ويُبعدهم عن المساءلة. وهم بذلك يجدون المبرِّر لفشلهم في حماية المواطنين، ويلقون التبعة على شماعات كثيرة مثل الموساد الإسرائيلي، أو جهاز الاستخبارات الأمريكي، أو حتى أقباط المهجر!! ولكن نادرًا ما ينظرون إلى الأوضاع الداخلية التي أفرزت هذه الحوادث الإرهابية، وبدلاً من ذلك يصوِّرون لنا المجتمع المصري على أنه بخير، وأن عنصري الأمة يعيشان معًا "سمن على عسل"، وأنهما يحبان بعضهما البعض "موت". وعادة يطل علينا من يقتبس من النصوص الدينية التي تدعو إلى حبنا، ويتعمد أن يخفي عنا نصوصًا أخرى يستعملها الإرهابيون، والتي تدعو إلى تكفيرنا وقتلنا.

ويستمر غض النظر عن الشحن المستمر في الإعلام المصري وفي خطب الجمعة، ويزداد التعصب الديني والاحتقان الطائفي؛ نتيجة ترويج الأكاذيب والإدعاءات والتحريضات ضد المسيحيين. ففي حادثة تفجير كنيسة القديسين بـ"الإسكندرية"، رأينا المحافظ اللواء "عادل لبيب" أثناء تفقُّده مكان الحادث، يصرِّح بعد الحادث مباشرة بأنه يتهم "جهات أجنبية". وكان ذلك قبل أن يبدأ التحقيق، أو حتى قبل القبض على واحد ممن يُشتبه أنهم وراء الحادث.

ومن التعبيرات المستعملة كثيرًا في حوادث العنف ضد الأقباط، ما يُقال من أن مرتكبها "مختل" عقليا أو نفسيًا. ويستعمل هذا التبرير في عشرات الحوادث، والتي كان أشهرها حادث "الإسكندرية" الشهيرة سنة ۲۰۰٦، والذي لقي مصرعه فيه عم "صبحي"- ٧٨ سنة- وأيضًا جُرح (۱٧) شخصًا من المسيحيين، واستهدفت الاعتداءات أربعة كنائس قبطية في مناطق مختلفة في مدينة "الإسكندرية"، تنقَّل القاتل بينها مستعملاً الترام! ومع ذلك قيل أنه "مختل عقليًا"! مع أن التخطيط الدقيق والتنفيذ المتزامن المدروس، يشكِّك في أن يكون من قام بهذا العمل مختلاً. والطريف أنه عندما قُبض علي الجاني، وُجد في حيازته شهادة من طبيب تثبت أنه "مريض عقلي"، مما يدل على أن الرجل يعرف تمامًا ما يعمل، وقد جهَّز نفسه بكل الاحتياطات التي تمكِّنه من إرتكاب جرائمه، دون احتمال للمساءلة أو خوف من العقاب.

وهذا يعيد للأذهان مذبحة سابقة في "بني مزار"، راح ضحيتها أكثر من عشرة قتلى في جريمة بشعة، اُرتكبت في ليلة واحدة، تنقَّل فيها الجناة إلى ثلاثة منازل، وقاموا بذبح الأبرياء والتمثيل بجثثهم. ولكن النيابة قرَّرت أن تنسب كل هذا الجرائم إلى شخص واحد، قالت أنه "مختل عقليًا"، وأنه المسئول الوحيد عن الجريمة!

نأتي إلى أحدث هذه الجرائم، وهي التي حدثت في القطار القادم من "أسيوط" إلى "سمالوط" يوم الثلاثاء ۱۱ يناير ۲۰۱۱، وأدَّت إلى مصرع رجل شيخ عمره (٧١) سنة اسمه "فتحي سعيد عبيد"، وإصابة خمسة آخرين كلهم مسيحيون. وكان مندوب شرطة هو مرتكب الجريمة مستخدمًا سلاحه الميري.

وكالعادة، استبعد اللواء "أحمد ضياء الدين"- محافظ المنيا- أن تكون الدوافع طائفية، وقال: إنه لا يعتقد أن الحادث له مؤشر أو توجُّه أو دلالة طائفية! قال هذا قبل أن يبدأ التحقيق أو تظهر الأدلة. ولكن محامي القاتل، قال إنه "مختل عقليًا"، ولم يعطنا تفسيرًا كيف يُسمح لمختل أن يحمل السلاح؟!

ولكن القمص "مرقس"- وكيل مطرانية "سمالوط"- قد أعطانا التفاصيل التي تكشف لنا عن طبيعة هذه الجريمة، والتي نقلها عن شهود العيان، أن القاتل صعد إلى القطار وركب العربة رقم (٩)، ومشى فيها ذهابًا وإيابا لينتقي المسيحيين، وتعرَّف على هذه المجموعة على أنهم من المسيحيين؛ لأنه كان بينهم بنات وسيدات لا يرتدين الحجاب- المنتشر حاليًا في الصعيد-  فأطلق النار عليهم، بينما كان يصرخ "الله أكبر"!

حوادث العنف ضد الأقباط أصبحت أكثر من أن تُحصى. وليس من المتوقَّع أنها ستتوقف أو تقل حدتها على المدى القريب. لن يحدث هذا طالما أن السلطات تدفن رأسها في الرمال، لا تريد أن تتعلم الدرس المتكرِّر، وتواجه الحقيقة المرة.

ولا أدري لماذا يصّرون دائمًا على أن مسلمًا مختلاً هو الذي يقتل المسيحيين؟ ولا أعلم لماذا لا نرى مسلمًا مختلاً يقتل المسلمين؟ أو نرى مسيحيًا مختلاً يقتل المسلمين أو المسيحيين؟

ومازال هذا السؤال يبحث عن إجابة: كم من التكرار لدرس الإرهاب يحتاجه المسئولون في "مصر" حتى يتعلموا؟  فالدرس مستمر في التكرار، ومع ذلك فالمسئولون لا يريدون أن يتعلموا. والسبب ليس لأنهم أكثر غباءً من الـ... ربما العكس، في اعتقادي أنهم يحاولون أن "يستحمرونا" نحن!!




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :