الأقباط متحدون | انتفاضة الشعب التونسي ترعب الحكام العرب
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٧:١٢ | الاثنين ١٧ يناير ٢٠١١ | ٩ طوبة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٧٩ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

انتفاضة الشعب التونسي ترعب الحكام العرب

الاثنين ١٧ يناير ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: د عبدالخالق حسين
يعتبر يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011 يوماً تاريخياً مجيداً في حياة الشعب التونسي العظيم، حيث بلغت انتفاضة الشعب ذروتها بإعلان مغادرة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، البلاد، بعد حكم دام 23 سنة.
كانت تونس تبدو من أكثر البلدان العربية استقراراً، ولكن الانتفاضة الشعبية الأخيرة أثبتت أن الأمور لم تكن على ما يرام كما كانت تبدو على السطح، بل كان هناك زلزال ينتظر، ليسقط، ليس طاغية تونس فحسب، بل وليهز عروش جميع الحكام العرب ويبعث فيهم الرهب، وهو دق ناقوس الخطر في المنطقة، وتبليغ رسالة: أن الشعب يمهل ولا يهمل.

تفيد الأنباء أن الذي أشعل فتيل الانتفاضة، هو شاب تونسي يدعى محمد بوعزيزي، من ولاية بوزيد في تونس، بائع خضار متجول يأخذ بضاعته بالدين، وفي احد الأيام لما بدأ ببيع الخضار اعتدى عليه أفراد الشرطة بتأليب من موظفي البلدية، توجه إلى مقر الولاية شاكياَ ولكن الأبواب صدت في وجهه، ومنع من مقابلة أي مسئول، فلم تبقى له وسيلة سوى أن أشعل النار في نفسه يوم 17 ديسمبر الماضي، احتجاجاً على هذه المعاملة، فاشتعلت تونس كلها. (الرابط في ذيل المقال).

انطلقت الانتفاضة الشعبية العارمة قبل أسابيع بشعار: "خبز وحرية وكرامة وطنية"، وراحت تنتشر في جميع أنحاء تونس كالنار في الهشيم، والملاحظ أنه لم تخرج أية مظاهرة مضادة ومهما كان حجمها، تأييداً لبن علي، أو دفاعاً عنه، وهذا دليل لا يقبل الشك، على أن سلطة بن علي كانت مرفوضة من الشعب التونسي، وأنها أفلست أخلاقياً وسياسياً ودستورياً، ولذلك سقطت بهذه السرعة وبركلة من الشعب.  
لقد جاء بن علي إلى السلطة، كرئيس تونس الجديد عام 1987 بانقلاب دستوري، إن جاز التعبير، بعد أن أعلن سبعة أطباء أن الرئيس الحبيب بورقيبة غير قادر على الحكم بسبب الشيخوخة والتردي في قواه العقلية. وكان من المفترض أن يتقاعد بن علي في عام 2004 ولكن كعادة الحكام العرب المدمنين على السلطة، في أيار/ مايو 2002 حصل على الدعم في استفتاء حول تعديلات للدستور بما ضمن بقاءه لفترتي رئاسة أخرى. ويُنتَخب الرئيس في تونس مرة كل خمس سنوات عن طريق تصويت عام، و قد أعيد انتخاب الرئيس بن علي بدورة رئاسية خامسة في أكتوبر/ تشرين الأول 2009.

وقد حاول بن علي تهدئة الأوضاع في الأيام الماضية بكيل الوعود في تبني الديمقراطية، وتحسين الوضع المعيشي، وعدم ترشيحه للرئاسة لعام 2014، ولكن الجماهير الغاضبة أصرت على استقالته الآن. وأخيرا انتصرت إرادة الشعب، حيث أرغم على الرحيل ليعيش لاجئاً في السعودية بقية حياته كما حصل لعيدي أمين من قبل. وتولى رئاسة الجمهورية بشكل مؤقت السيد فؤاد المبزع والذي طلب من رئيس الوزراء محمد الغنوشي تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، تشارك فيها قيادات الأحزاب الوطنية، والوعد بإجراء انتخابات ديمقراطية عادلة في المستقبل القريب.

لا شك أن ما حصل في تونس، هو رسالة إنذار إلى الحكام العرب الذين اغتصبوا السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية، ليتمسكوا بها مدى الحياة ولأبنائهم من بعدهم، عن طريق التلاعب بالدستور، وانتخابات صورية مزيفة يفوز فيها الرئيس بـ 99.99% من الأصوات، ليحكموا شعوبهم بالقبضة الحديدية لعشرات السنين، من أمثال حسني مبارك، وعلي عبدالله صالح، وبشار الأسد، والقذافي، وعمر حسن البشير وغيرهم.

والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا حصلت هذه الانتفاضة في تونس دون بقية البلدان العربية الأخرى المشابهة في ظروفها الاقتصادية والسياسية لظروف تونس، إذ انطلقت انتفاضة الخبز في الأردن قبل أيام وفي السنوات السابقة، ولم تؤدي إلى سقوط الحكومة.
كما وسألني صديق يلوم حظ العراقيين العاثر، قائلاً: أنظر ما فعله الشعب التونسي الشجاع، حيث أسقط بانتفاضته الشعبية حكومة المستبد (بن علي)، فلماذا لم يسقط الشعب العراقي نظام البعث الجائر بنفسه بدلاً من أن يأتي الأمريكان لتحريره؟
الجواب في رأيي واضح.
نعم، نظام الرئيس التونسي بن علي كان مستبداً وقمعياً وجائراً، وهناك أزمة اقتصادية في البلاد، وفساد إداري واسع الانتشار، ولكن المسألة نسبية حتى في درجة الاستبداد، ولعل بن علي أقل حكام العرب جوراً وقمعاً قياساً بصدام حسين، وبشار الأسد، ومعمر القذافي وغيره. والشعب العراقي لم يقصِّر في انتفاضاته العديدة ضد نظام البعث الجائر، ولم تكن آخرها انتفاضة آذار 1991، التي سيطر الشعب المنتفض خلالها على 14 محافظة من مجموع 18، ولكن لقسوة القمع الذي انتهجه النظام، تم سحق الانتفاضة، وكانت الحصيلة أكثر من 300 ألف قتيل، وملايين المشردين اللاجئين، ولحد الآن تم العثور على أكثر من 400 مقبرة جماعية في مختلف أنحاء العراق، إضافة إلى التهجير القسري، وحروب الإبادة ضد الأكراد في عمليات الأنفال وحلبجة.

لقد كلفت الانتفاضة التونسية الشعب التونسي 76 شهيداً خلا أربعة أسابيع، وربما ضعف هذا العد من الجرحى. وهل تعتقد أنه لو كان حزب البعث يحكم تونس لا سامح الله، لأكتفى بهذا العدد من القتلى وترك السلطة؟ أبداً، لكانت إبادة جماعية. فنظام البعث لم يتردد في إبادة كل الشعب في سبيل البقاء في السلطة. كما ونرى ما تفعله فلول البعث في العراق منذ سقوط حكمهم الجائر وإلى الآن، حيث يواصلون إجرامهم في حرب الإبادة ضد الشعب العراقي من أجل استعادة سلطتهم التي فقدوها.

كذلك تصور لو خرجت الجماهير في سوريا بمظاهرات مشابهة لمظاهرات تونس، فماذا ستكون النتيجة؟ هل سيغادر بشار الأسد دمشق؟ كلا وألف كلا. لقد حصلت مظاهرة جماهيرية في مدينة حماة في السبعينات، فنزل الجيش السوري بقيادة رفعت الأسد، شقيق الرئيس حافظ الأسد آنذاك، وسحق الجماهير بالدبابات، وقتل أكثر من 30 ألف مواطن وسوِّيتْ المدينة بالأرض. هذا ما لم يفعله بن علي، لأنه غير مؤدلج، وجيشه لم يحمل آيديولوجية شمولية، بعثية أو غير بعثية، تؤمن بإبادة الشعب في سبيل السلطة... بل أشار عليه المحيطون به بالرحيل فرحل.

لقد نقل عن صدام حسين قوله أنه استغرب من شاه إيران، فلم يدمر جميع المنشآت الاقتصادية قبل رحيله قبيل انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، ليحيل الحياة إلى جحيم للسلطة التي تأتي من بعده، لأنه هو الذي قال أيضاً: "أن الذي يحكم العراق من بعده سيستلمه أرضاً بلا بشر". لذلك، ليس هناك مجال للمقارنة بين نظام بن علي ونظام صدام حسين. فبالتأكيد لم تكن قسوة بن على بنفس درجة قسوة صدام، وربما لأن بن علي لم يكن ليملك الإمكانيات مثل نظرائه الحكام العرب الآخرين، ولأن الشعب التونسي أكثر تحضراً، وأقل تحملاً للظلم، وقد بلغوا النقطة الحرجة من المعاناة التي عندها لا بد وأن يحصل الانفجار، وأن ليس في ثورتهم ما يخسروه سوى قيودهم، على حد تعبير ماركس. ولا بد أن الانتفاضة ستصل البلدان العربية الأخرى، إن عاجلاً أم آجلاً.
 
خلاصة القول، انتفاضة الشعب التونسي ثورة وطنية شعبية بكل معنى الكلمة، وهي رسالة أقضَّت مضاجع الحكام العرب في المنطقة، وتشجيع للشعوب العربية أن تحذو حذو الشعب التونسي البطل، ونتمنى على قيادات الجماهير المنتفضة أن لا يقبلوا بأنصاف الحلول، وأن لا ينخدعوا بالوعود الكاذبة لتهدئة الوضع وليعود كما كان في السابق، بل يجب أن تتشكل حكومة إئتلافية مؤقتة لتصريف الأعمال، من قادة الأحزاب الوطنية، تهيئ لانتخابات برلمانية ورئاسية، حرة ونزيهة وتحت مراقبة دولية.
نتمنى للشعب التونسي الشقيق، حكومة وطنية ديمقراطية منتخبة من الشعب وإلى الشعب، تحقق للشعب الأمن والاستقرار، والازدهار الاقتصادي.

وقد بشرهم الشاعر التونسي الخالد، أبو القاسم الشابي، بقصيدته الخالدة (إرادة الحياة) حين قال:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة ... فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليلي أن  يـنجـلـي .... ولا بـد للقيد أن ينكســر
ومن يتهيَّبْ صعود الجبال... يعش أبد الدهر بين الحفر




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :