الأقباط متحدون - اختطاف الخطاب الدينى
  • ٠٤:٠١
  • الاثنين , ٥ ديسمبر ٢٠١٦
English version

اختطاف الخطاب الدينى

مقالات مختارة | عبد الناصر سلامة

٠٠: ١٠ ص +02:00 EET

الاثنين ٥ ديسمبر ٢٠١٦

عبد الناصر سلامة
عبد الناصر سلامة

للأسف أصبح الخطاب الدينى فى مصر مختطَفاً، لحساب مجموعات من المرتزقة، وطلاب الشهرة، وأصحاب الأجندات الخارجية، حتى لو كان بعضهم يرتدى العمائم، وذلك فى غياب رجال الدين الحقيقيين، الذين آثروا التقوقع، أو آثروا السلامة فى مواجهة هذه المجموعات، وهو الأمر الذى كان يجب أن نفطن له مبكراً، فى ضوء اهتمام بعض القنوات التليفزيونية بهؤلاء المرتزقة، إما لوحدة الهدف، وإما بحثاً عن الإثارة، والنتيجة فى النهاية كانت ذلك اللغط الحاصل فى المجتمع الآن من جهة، وتلك الظواهر الغريبة والدخيلة عليه من جهة أخرى، وفى مقدمتها الإلحاد والشذوذ، وهو ما كان يهدف إليه هؤلاء وأولئك منذ بداية الأمر.

فى البداية، أود التأكيد على تضامنى الشخصى مع علماء الأزهر الأجلاء، سواء أعضاء مجمع البحوث الإسلامية، أو أساتذة الجامعة، فى موقفهم من عدم الظهور التليفزيونى فى وجود هذا الشخص أو ذاك من هؤلاء المرتزقة، حتى لا تتساوى الرؤوس، أو حتى لا يبدو الأمر وكأنه مناظرة دينية أو ثقافية حقيقية، ذلك أنها سوف تكون بين حق وباطل، أو بين علم وجهل، وهو ما يفقدها أهم أركانها وهو التكافؤ الفكرى، أو حتى التكافؤ على المستوى الشخصى، فلا يعقل بأى حال الجمع فى لقاء واحد بين من أفنى حياته فى طلب العلم، وبين هذا المأجور أو ذاك المدعى، الذى حمل على عاتقه تشويه العقائد الدينية، لتحقيق أهداف أصبحت معلومة للجميع.

إلا أن المتابع للأمر سوف يكتشف أن هناك إحجاماً من علماء الأزهر الكبار عن التواصل مع البرامج الدينية عموماً، أصبحت معه الساحة سداحاً مداحاً، لأمثال هؤلاء، وخاصة فى ظل تراجع انتشار القنوات التليفزيونية الرسمية، وأصبح المواطن ضحية فضائيات رجال الأعمال، بكل ما تحمل من عبث فى معظمها، وهو الأمر الذى كان يُحتم تدارك الموقف على الفور من خلال وسائل عديدة، حتى لو تطلب ذلك سرعة إطلاق قناة الأزهر الفضائية، التى كثر الحديث عنها، دون إنجاز على أرض الواقع.

ازدراء الأديان فى حقيقة الأمر هو ترجمة حرفية لتكدير السلم العام، هو دعوة إلى العنف من أوسع الأبواب، هو بداية انحطاط المجتمع وتدهوره، هى تهمة لا يجوز فيها عفو، كما لا يجب معها تسامح، كما لا يصح التعامل مع مرتكبيها على أنها حالة تعبير عن الرأى أبداً، ذلك أن كل العبث الحاصل فى المنطقة الآن، من إراقة دماء، وتدمير مجتمعات، إنما هو نتيجة اختلاط الحابل بالنابل فى الشأن الدينى، الذى يسميه البعض طائفياً، نتيجة انقسام المجتمع إلى شيع وأحزاب، كانت مجرد معتقدات كامنة على مدى ما يزيد على الألف عام، إلى أن ظهر على الساحة الآن من يشعلها صراعات مسلحة، بوازع خارجى، وتمويل لا يتوقف من مال وعتاد وأفراد، من كل بقاع الكرة الأرضية.

مستصغر الشرر أيها السادة هو ذلك الانفجار الكبير الذى نراه الآن حولنا فى كل مكان، من لبنان واليمن، إلى سوريا والعراق، إلى ليبيا وسيناء، لم يكن الأمر يحتاج إلى أكثر من متخلف عقلياً هنا، أو موتور مرتزق هناك، حتى يمكن أن تصل الأوضاع إلى ما وصلت إليه، لم يكن الأمر يحتاج إلى أكثر من برنامج تليفزيونى، حتى نفاجأ بمصانع للتطرف والعنف فى النجوع والقرى، كرد فعل على ذلك الهوس الذى ينشر الآثام فى وضح النهار، بل فى حماية السلطة الرسمية، بل العفو الرسمى.

المسؤولية الآن تصبح مشتركة، بين رجال الدين الذين اعتبروا أن الأمر لا يعنيهم، وفضائيات وصحف الإثارة التى حملت على عاتقها الترويج لمدعى الفكر والعلم، وكأنهم وكلاء عن أصحاب المال الذين كانت تحوم حولهم الشبهات منذ اللحظة الأولى، وهو الأمر الذى كان يجب التحذير منه مبكراً، وذلك بعدم السماح للأزهر بالانزواء والانطواء، وأيضاً عدم السماح لهؤلاء الأفاكين بالعبث بعقول المشاهدين والقراء، إلى الحد الذى خرجت معه الأوضاع عن السيطرة، انتقلت بها إلى ساحات القضاء.

الأمر الغريب فى هذا الصدد هو تلك الهوة الواسعة بين كل من الأزهر والأوقاف، ربما فى كل المجالات، إلا أن هذا المجال تحديداً يجب التوقف أمامه، فلا يجب أن يكون الأزهر بمعزل عن التوجيه الخطابى للأوقاف بأى شكل من الأشكال، ذلك أنه بحكم نص الدستور هو المسؤول عن الشأن الدينى، بمعنى أن الأوقاف مجرد إدارة مالية، سواء للوقف الخيرى، أو للموظفين، أو للمشروعات، مما جرّد خطبة الجمعة تحديداً من كل أهدافها الدينية والاجتماعية، أصبحت فقط بوقاً لهذا أو ذاك، لم تأخذ أبداً فى الاعتبار ضرورة التصدى لأمثال هؤلاء المروجين للفاحشة فى صورة تنوير وتثقيف.

على أى حال، وبعد أن قال القضاء كلمته فى مثل هذه القضايا بالإدانة، وبعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، من ادعاء النبوة، وزعم الألوهية، وغير ذلك من الفواحش والكوارث، وبعد أن وصلت الأوضاع فى المنطقة إلى ما وصلت إليه من مآسٍ بلغت حداً غير مسبوق، من سفك للدماء لا يتوقف، أعتقد أن الأمر الآن فى حاجة إلى إعادة نظر من كل الوجوه، سواء فيما يتعلق بصمت الأزهر، أو تراخى الأوقاف، أو عبث الصحف والفضائيات، أو الموقف الرسمى من هذه الشرذمة، التى تستمد وجودها وقوتها من آخرين للأسف، بل تسعى إلى تعديل الدستور بما يحقق غاياتها.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع