* المستشار "البيومي محمد البيومي":
- القاضي الذي يستند لديانة معينة في الحكم لا يستحق صفة القاضي.
- لو كنا "دولة قانون"، لتم تنفيذ أحكام بطلان الانتخابات.
- "ساحل العاج" يطبِّق الديمقراطية ونحن لا نطبِّقها.
- أنسب مكان للمرأة "مجلس الدولة"، وتعيينها قاضية قريبًا.
- عدم وجود قانون موحَّد لبناء دور العبادة سبب أحداث "العمرانية".
- لا يجوز للأمن استخدام ذخائر حية ضد أي مسيحي أو مسلم.
- ليس لدينا إتجاه للتفرقة بين القاضي المسلم والمسيحي، وقلة عددهم مسألة أدوار.
- يجب أن تشرّع الدولة قانونًا يمنع التمييز ويعطي المساواة للجميع.
- انتخابات 2011 ليست إلا تعيين عن طريق التزوير.
- النظام قائم على التوريث من وقت "عبد الناصر" حتى "السادات".
أجرت الحوار: حكمت حنا
لم يمنعه منصبه القضائي بمجلس الدولة من التصريح بحقائق هامة عن النظام السياسي والانتخابي بـ"مصر"، واصفًا أي قاضٍ يستند لخلفية دينية في إصدار أحكامه بأنه غير مستحق لصفة القاضي. ومتهمًا النظام المصري بذبح القضاء والقضاة، وبعدم تنفيذه الأحكام القضائية واجبة النفاذ، حتى أصبحت دولة مستبدة بالقانون! .. هذه التصريحات وغيرها حول قضايا شائكة، تحدَّث عنها المستشار د. "البيومي محمد البيومي"- نائب رئيس مجلس الدولة، ورئيس دائرة التسويات- والذي ترشَّح من قبل لمنصب مفتى الجمهورية، خلفًا للدكتور "محمد سيد طنطاوي" في هذا الحوار:
* أحكام إلغاء الحرس الجامعي، ووضع حد أدنى للأجور، وإسقاط الجنسية عن المتزوجين بـ"إسرائيليات"، وإلغاء الانتخابات بمجلس الدولة.. هل سببت كل هذه الأحكام حرجًا للحكومة؟
بصفتي فقيه شرعي وقانوني، وبعيدًا عن صفتي كقاضٍ، فهذه الأحكام صدرت ضد الحكومة، والحرج الحقيقي الذي قد تسبِّبه هذه الأحكام هو عدم تنفيذها. كما أنه من المفترض ألا ينفصل مجلس الدولة عن الواقع، ولا يجب تصدير الغاز لـ"إسرائيل" بهذا السعر البخس، ويتشري الشعب أسطوانة البوتاجاز بـ(30) جنيه.
* هناك من فسَّر صدور هذه الأحكام بوجود إتجاه معارض من المجلس ضد الحكومة، هل تتفق مع هذا الرأي؟
مجلس الدولة لا ينحاز مع أو ضد الحكومة، فهو يحمي القانون. كما أن أي خلل فيه يتصدى له القاضي؛ لأنه مع القانون وإنصافه. وفيما يتعلق بصدور أحكام ببطلان الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب، لو كان هناك دولة قانون لتم تنفيذه، ولكن يوجد قانون استبدادي، ومجلس الدولة يحاول أن يحكم بالقانون الديمقراطي.
* وما تفسيرك لعدم تطبيق هذه الأحكام من قبل الحكومة؟
الدولة التي لا تنفِّذ الأحكام "قل عليها السلام"!
* لماذا تقوم الحكومة بالاستشكال على تنفيذ الحكم أمام محكمة أخرى غير التي أصدرت الحكم؟
هذا الإجراء تقوم به للتعقيد.. ويجب أن يتم إلغاء النص بإمكانية الاستشكال أمام محكمة أخرى الموجود بقانون المرافعات.. الحكومة تلجأ للهروب من تنفيذ الأحكام؛ لأن مجلس الدولة له قانون خاص في المرافعات، فالحكومة ذبحت القضاء! "ساحل العاج" يطبِّق الديمقراطية و"مصر" لا تطبِّقها!!
* ما سبب قلة عدد القضاة الأقباط في مجلس الدولة؟
العملية نسبة وتناسب. من يأتي عليه الدور يعيَّن؛ فلا يوجد بالمجلس مسيحي أو مسلم، بعكس الوظائف الأخرى؛ لأن القاضي إذا لم يطبق القانون على نفسه، فكيف يطبقه على غيره. وسيشهد المجلس في الدورة القادمة تعيين المستشار "غبريال بك"، وبعده قبطي آخر، وهكذا حسب الترتيب. وعمومًا الأقباط قبل الثورة كانوا في أعلى المراكز، ولكن عندما قامت الثورة، أخذت موقفًا منهم، وانتهى الأمر بظلمهم. وانتشر في "مصر" الثالوث الخطير: الفقر والجهل والمرض. والآن نحن عاجزون عن إصدار قانون الأحوال الشخصية، والقانون الموحَّد لدور العبادة..
* هل تعتقد أن قانون دور العبادة الموحَّد سيحل أزمة بناء الكنائس، وآخرها أحداث كنيسة "العمرانية"؟
عدم وجود قانون موحَّد هو سبب أحداث كنيسة "العمرانية"، بالإضافة إلى وجود قواعد عمل روتينية عفى عليها الزمن.
* وما رأيك في الطريقة التي تعامل بها الأمن مع شعب الكنيسة؟
دور الأمن الرئيسي هو المحافظة على النظام. فلا يجوز استخدام ذخائر حية ضد أي شخص، سواء كان مسيحيًا أو مسلمًا، ولو كانت هناك عدالة وقوانين تنظِّم عملية بناء الكنائس، ما كان قد حدث كل هذا.
* عودة لقضايا مجلس الدولة، لماذا لم يتم حسم قضايا العائدين للمسيحية، رغم صدور حكم مسبق من الإدارية العليا في 2008 بأحقية العودة؟..ولماذا وُزِّعت القضايا على الدستورية وهيئة مفوضي الدولة ومحاكم أخرى؟
نحن لا نسيئ الظن بالقضاء والأحكام، فقد يكون هناك اختلاف بين قاضٍ وآخر في وجهات النظر، لكنه في النهاية يستند لثوابت قضائية. وإذا كانوا بالفعل قد حصلوا على أحكام سابقة، فالقاضي عليه الالتزام بالحكم السابق، إذا كانت القضية بنفس الظروف.
* ألا تعتقد أن هناك خلفية دينية وراء إصدار الأحكام؟
لا اعتبارات دينية، بل اعتبارات موضوعوعية. ولكن يبدو أن الظروف اختلفت؛ فالبهائيين حُكم لهم بوجود شرطة بخانة الدينة.
* لكن هناك دعاوي أخرى لم يتم حسمها، وطلبات تدخل من محامين إسلاميين معروفين بالمجلس لإيقاف سير القضية..
أنا كقاضي لا أتدخل لا باعتبارات دينية ولا باعتبارات شخصية.
* مستشار سابق ورئيس محكمة صرَّح مرة برفض القاضي لعودة المسيحي لديانته لسبب نفسي لدى القاضي، ما تعليقك؟!
ليس لدىََّ شأن بهذا الأمر؛ فإذا كان يتكلم بتحليلات نفسية، فالقانون ليس به عوامل نفسية، والقاضي حينما يحكم يحكم بالقانون، وإذا استند لديانة معينة لا يستحق أن يكون قاضيًا؛ حيث أنه يجب أن يراعي الله والقانون، ولا يجعل عليه رقيبًا سوى الله وضميره.
* هناك دوائر مهمة بالمجلس، ولم يتم تعيين قبطي سوى بالدوائر العادية..
هذه ميول للقاضي ومسألة أدوار.. فأنا شخصيًا كانت لديَّ رغبة في رئاسة دائرة التسويات للفقراء، وجميعنا في القضاء أسرة واحدة، ليس لدينا إتجاه للتفرقة.. ويجب على الدولة أن تشرِّع قانونًا يمنع التمييز بين المواطنين، ويعطي المساواة للجميع.
* الانقسام الذي حدث بمجلس الدولة بخصوص تعيين المرأة قاضية، هل تم التوصل فيه إلى شيء؟
أنا مع تعيين المرأة قاضية، وهذا اجتهاد. فقد كتبت بحثًا منذ عشرين عامًا بجواز تعيين المرأة قاضية، وأنسب مكان للمرأة هو مجلس الدولة.
* أليس من الأفضل تدرُّج المرأة في المناصب القضائية في النيابة الإدارية، وهيئة قضايا الدولة، والقضاء العالي، بدلاً من تنصيبها مرة واحدة، كما حدث مع القاضية "تهاني الجبالي"؟
هذا هو الخطأ بعينه عندما تم إلحاقها في أعلى منصب بالدستورية العليا.. هي تصلح لكل المناصب القضائية بدأً من معاون نيابة إدارية، ومندوب مساعد بمجلس الدولة.
* هل ترى أن مجلس الدولة سيوافق على تعيين المرأة قاضية؟
نعم، وقريبًا.
* تقدَّمت محامية قبطية بطلب تعيين كقاضية بالمجلس وخسرت القضية، هل الأمر يتعلق بوجود تمييز ضد الأقباط؟
أيًا كانت ديانتها، فلا يسمح لها بالتعيين بالمجلس كقاضية؛ لأنه إتجاه عام ضد المرأة.
* هل وزارة العدل سلبت القضاء استقلاليته؟
كنا نتبعها ماليًا قبل أن نستقل عنها، كما أن القضاء العادي بصدد التخلص من هذه التبعية. ونحن نصدر أحكامًا ضد وزير العدل ذاته.. الثورة هي سبب سيطرة وزارة العدل على القضاء، حيث تم الاستيلاء على السلطة، هذا بالإضافة إلى نظام التوريث الذي جمَّع كل السلطات في يد الحاكم.. جميعنا يتم تعينا بقرار جمهوري، ولدينا أشياء عجيبة كأن يكون وزير في الحكومة نائبًا في البرلمان!! فكيف يفصل بين هذه الأدوار؟
* بعد الحديث عن المجلس وأحكامه، نتطرق للحديث عن الانتخابات.. كيف ترى المشهد الانتخابي لبرلمان 2011؟
نحن شعب مسكين.. لا يوجد ما يسمى انتخابات.. الذي يوجد منذ الثورة وحتى الآن تزوير. فقبل الثورة كان هناك ديمقراطية وأحزاب وبرلمان وملك يسود ولا يحكم آخذًا بالنظام البرلماني، إلى أن قامت الثورة، وادَّعوا أن حكم الملك كان فاسدًا!
كان من المفترض عند قيام الثورة، أن تكون "مصر" في مصاف الدول الراقية؛ حيث أن "السنهوري باشا"- رئيس مجلس الدولة السابق وقتها- قال للثوار: يجب أن نعود للديمقراطية الحقيقية، خاصة أن الثورة قامت من أجل هذا الهدف. ولكن هذا الكلام لم يُرضي العسكر الذين قاموا بالانقلاب، فنكّلوا بـ"السنهوري باشا"، وعملوا نظامًا خاصًا بهم يقوم على تدويل إدارة الامة، بالإضافة إلى نظام الاستفتاء بعد طمعهم في السلطة بنظام عُرف الآن بالتوريث من داخل نظام الحكم. واعتقد أن انتخابات مجلس الشعب ليست انتخابات، بل تعيين عن طريق التزوير السافر الذي لم يحدث في تاريخ "مصر" كلها.
* هل أدليت بصوتك في الانتخابات؟
الشعب المصري كله لم يذهب ولم أذهب أيضًا؛ لمعرفتي النتيجة المسبقة. كل من ذهب هم أفراد من وزارة الداخلية، ورجال الأعمال الجدد.. من استغلوا الناس بالطعام والأموال، بعد أن جرَّدوهم من كل ما يملكون، وهم لا يستطيعون عمل انتخابات حرة. من يملك "مصر" 5%، ورجال الأعمال الجدد الذين هبطت عليهم الثروة ببراشوت وأكلوا البلد في بطونهم، وأصبح الفقير يزداد فقرًا والغني يزداد غنى، ولا يوجد إنتاج حقيقي، بل إنتاج طفيف. فالنطام الحالي لم يصل إلى ما قبل الثورة أو ما بعدها.
* هل ترى أن نسبة الأقباط والمعارضة في البرلمان مُرضية؟
لو كانت هناك انتخابات حقيقية، لجاء الأقباط بكثرة. فهناك تزوير. وحتى الأقباط الذين تم تعينهم لا يمثلون الأقباط.
* هل تعتقد بوجود تعنت ضد الأقباط؟
الأقباط مظلومون في هذا البلد.
* أخيرًا.. ألا تخشى على منصبك القضائي الحساس من هذه التصريحات الجرئية؟
أنا بصفتي فقيه قانوني وشرعي، دوري تنويري. كما أتحدَّث بما لا حرج فيه؛ لأنني أريد رأيًا عامًا مستنيرًا يعرف حقوقه وواجباته، وما يحدث ببلده. أنا أخجل من وجود تمييز بين المصريين بسبب الدين، ومن يفعل ذلك ليس لديه أخلاق ولا دين ولا وطنية.