أبو المعاطي أبو النجا .. سلامتك
د. أحمد الخميسي
السبت ٣ ديسمبر ٢٠١٦
د. أحمد الخميسي
أبو المعاطي أبو النجا، وأحيانا محمد أبو المعاطي أبو النجا، القاص الروائي الكبير يرقد في إحدى المستشفيات إثر وعكة صحية ألمت به مؤخرا، من دون أن توليه الجهات الثقافية الرسمية أي عناية أو اهتمام يليق بقدره ودوره الأدبي.
أبو المعاطي من مواليد 1931، من الزقازيق، أنهى كلّية دار العلوم في جامعة القاهرة، ثم حصل على دبلوم التربية من جامعة عين شمس وعمل مدرسا فترة طويلة. بدأ نشاطه الأدبي مبكرا ونشر في مطلع حياته عددا من القصص القصيرة في مجلة الرسالة ما بين 1949 و1952، فهو من جيل يوسف إدريس ويوسف الشاروني، وهو أحد أبناء جيل بهاء طاهر وسليمان فياض الذين تقاطعت مسيرتهم مع تفجر موهبة يوسف إدريس الفذة التي اجتذبت كل الأضواء إليها. ظهرت أولى مجموعاته القصصية " فتاة المدينة" عام 1960، ثم توالت مجموعاته الأخرى: "الناس والحب"، و"مهمة غير عادية"،و" الجميع يربحون الجائزة" 1984،
و" في هذا الصباح" 1999، وأصدر عددا من الكتب في الأدب والقصة منها " طرق متعددة لمدينة واحدة". إلا أن أعظم أعمال أبو المعاطي أبو النجا هي روايته الفذة " العودة إلي المنفى" التي كتبها بعبقرية لا تتكرر عن حياة الثائر المصري عبد الله النديم الذي عاش في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وصور فيها بمقدرة نادرة حياة ذلك الثائر العظيم في تضافرها مع قضية الوطن والثورة. ولم تكن مصادفة أن يتم اختيار " العودة إلي المنفى" واحدة من أفض مئة رواية عربية في القرن العشرين، ولهذا أيضا نال الكاتب عنها جائزة الدولة التشجيعية عام 1972، وفي هذا العمل الأدبي النادر المثال تتردد بقوة وحب أنفاس الشعب المصري وأحلامه كما لم تتردد في رواية من قبل. لكن أبو المعاطي أبو النجا عاش طول عمره بعيدا عن أضواء الصحافة والاعلام، متعففا، زاهدا، نائيا بنفسه عن ضوضاء الحياة وصراعاتها اليومية متفرغا للأدب. وحين يرقد أديب كبير بهذا المقام مريضا ولا تعيره الجهات الرسمية أي اهتمام، فإننا نصبح إزاء المشكلة ذاتها، المتجددة، أي تجاهل الأدباء خاصة الحقيقيين، وازاحتهم خارج الاهتمام. وبذلك تتجدد صور الأدباء الذين تم تجويعهم وحرمانهم من الخبز والعمل على امتداد تاريخ الثقافة المصرية، منذ أن فتحت المعتقلات في الستينات – عام 1958- أبوابها لأكبر عدد من المفكرين والشعراء والأدباء واجبارهم على قطع الحجارة حفاة عراة في الواحات.
وفي عهد أنور السادات صدر 19 ألف أمر اعتقال، وفي حملة سبتمبر 1981 اعتقل نحو عشرة آلاف كاتب ومفكر بارز. وفي عهد مبارك كان الأدباء والكتاب يموتون في صمت، بالتجاهل والاستبعاد، وحرمانهم من العمل، ومازالت ماثلة أمام عيني صورة أخي الشاعر فتحي عامر الذي أصيب بمرض الكبد، وكان بحاجة لاستبداله، ولم يكن لدي الشاعر الكاتب سوى قلم مسنون يحفر به الحقيقة في صمت. ودعنا فتحي عامر في يناير 2005 عن خمسة وأربعين عاما وهو في قمة عطائه الفكري على مرأى ومسمع من كافة المؤسسات الثقافية بدون أن تتقدم جهة واحدة لانقاذه. من بعده توفيت نعمات البحيري، ويوسف أبورية، ثم الكاتب حسين بيومي ومن بعده الروائي الكبير محمد ناجي، ومازال الأديب محمد جبريل يطالب بعلاجه من دون جدوى، علما بأن ما تنفقه وزارة الثقافة على المياه الغازية في مهرجاناتها يكفي لعلاج الجميع. وعندما أتحدث عن أديب كبير مثل أبو المعاطي أبو النجا فإنني لا أطالب بمعاملة صحية خاصة للأدباء ، مع أنهم جديرون بذلك، لكنني أطالب لهم بحق المواطن، كل مواطن وأي مواطن ، في العلاج والصحة، علما بأن مصر" تعد من أقل الدول إنفاقا على الصحة ". ومن المضحك والمؤلم أنه حتى في جيبوتي ترتفع ميزانية الصحة عنها في بلادنا العريقة! أبو المعاطي أبو النجا قيمة أدبية وانسانية كبيرة ، لن يضيف إليها اهتمام وزارة الثقافة ولن يقلل من قدرها تجاهل المؤسسات الثقافية لاسمه وجهده. سلامتك ألف سلامة أيها الكاتب الكبير.