رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو: في منطقتنا لا يعيش الضعيف
محرر الأقباط متحدون
الثلاثاء ٢٩ نوفمبر ٢٠١٦
محرر الأقباط متحدون
كلمة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو خلال مراسم إحياء الذكرى الـ60 لحملة كاديش (حملة سيناء)
أيها أبناء العائلات الثكلى، يؤسفني أيضاً تعرضكم لحالة الانزعاج هذه، كما علمتُ بها لدى وصولي إلى الجبل [المقبرة العسكرية على جبل هرتصل غربي أورشليم القدس] بحضور عدد من رجالات الدولة لتكريم ذكرى أعزائكم. ها أنكم تجلسون هنا بين القبور، حيث لم يكن أي شخص يميز في حينه، ولا يجوز أن نميّز نحن الآن، بين [شهداء] اليسار واليمين أو بين هذه الفئة أو تلك من أبناء الشعب، إذ كانوا جميعاً مقاتلين من أجل شعب إسرائيل. [ملاحظة: جاءت هذه الفقرة من كلمة رئيس الوزراء تعليقاً على حالة سوء التفاهم بشأن موعد إقامة مراسم إحياء الذكرى مما ألقى بظلاله
عليها وأغضب بعض العائلات الثكلى
هذه هي الطريق الصحيحة لتكريم ذكراهم. إنني أعي مدى آلامكم، ولا يوجد أي جرح يعادل شدّتها. إن أعزاءكم، الذين كانوا أيضاً أعزاءنا، قد سقطوا عندما كانوا مكلَّفين بمهمَّة من أجل الشعب حفاظاً على أمن دولة إسرائيل. ونؤدي جميعاً تحية الإجلال لبطولاتهم ونحني جميعاً برؤوسنا تكريماً لذكراهم. وقد صدق رئيس الدولة عندما قال إن الكثير من الأمور قد تغيرت فعلاً على امتداد السنوات الـ60 التي مضت على "عمليات الردّ" [تنطبق هذه التسمية على سلسلة من العمليات العسكرية التي قام بها جيش الدفاع في الفترة السابقة لحملة سيناء 1956 رداً على اعتداءات العناصر الإرهابية التي كانت معروفة بالفدائيين داخل البلاد] ثم حملة كاديش (حملة سيناء). وعلى الرغم من ذلك فإن هناك أشياء لن تتغير أبداً متمثلةً بعظمة الروح والتماسك الداخلي وحشد الطاقات لمصلحة الآخرين والتكافل في لحظات الاختبار الحاسمة.
وقد شهدنا الشيء نفسه في الأيام الأخيرة عند التعامل مع الحرائق الطبيعية وأيضاً مع الحرائق غير الطبيعية أي المفتعلة. وإنني فخور بقدرة المواطنين الإسرائيليين على الوقوف معاً مصممين على إنقاذ الحياة وحماية بلادنا. سوف نعيد إنشاء المنازل المحترقة؛ سوف نعيد تأهيل الأحراش التي أضرمت فيها أيادٍ خبيثة النيران، لتأتي عشر أشجار خضراء يانعة محلّ أي شجرة متفحّمة سوداء. وكان أسلافنا قد سبقونا إلى السير على ذات الطريق منذ انطلاق المشروع الصهيوني لنقتدي بهم غرساً وبناءً وتعميقاً للجذور.
وكان هذا الصمود لشعب قوي موحَّد قد تجلّى بكل عظمته خلال معركة سيناء. دَعوني أذكرّكم بأنها وقعت بعد مضي 8 سنوات ليس إلا على حرب الاستقلال [1948]، حيث كان أعداؤنا يتوعّدون بشن جولة ثانية من القتال فيما كانت العمليات الإرهابية للمتسللين والفدائيين تُسقط الضحايا. وكان الطوق حولنا يشتدّ باستمرار، لكننا كنا ندرك، كوننا شعباً يناشد الحياة، أنه يتحتم علينا اختراق هذا الطوق.
عندما حانت ساعة الصفر وتدفقت القوات العسكرية على عمق سيناء، كانت الجبهة الداخلية تشارك أيضاً في هذا المجهود العام. ولا أزال أذكر ذلك حيث كنت حينها طفلاً يبلغ 7 أعوام من العمر وكنتُ أساعد- مثل جميع أصدقائي- في إحكام إغلاق المصاريع في منزلي بأورشليم القدس. ولم نكن حينها على معرفة بما إذا كانت القوات الجوية المصرية ستقوم بعمليات قصف، ما جعلنا نلصق الأوراق على الشبابيك ونعتّم الأضواء تحسباً من هذا القصف المحتمل. وكنت آنذاك تلميذاً في مدرسة "هداروم" (وهي ليست على مبعدة من هنا)، حيث تم نقلنا إلى غرفة صف كانت تقع تحت الدرج [كإجراء احترازي]. وكنا نتحلق حول المذياع عند حلول ساعات المساء ونحن متعطشون لأي فتات من المعلومات، حيث كنا نستمع إلى تقارير "صوت إسرائيل" من أورشليم القدس. ولا أزال أذكر المذيعين والمذيعات وكأنهم لم يتحدثوا إلا قبل لحظة، حيث كانوا يقدمون الأخبار حول سير المعارك. وقد انتهت الحملة بعد عدة أيام أم أسبوع.
كما لا أزال أذكر رب إحدى عائلات حيّنا، عائلة رفائيلي، حيث عاد والد الصبي يغآل وشقيقته إيلانا من خدمة الاحتياط التي أدَّاها في أقاصي المنطقة الجنوبية راكباً سيارة جيب وهو يرتدي الملابس المغبرَّة، علماً بأنه أحضر لنا الشوكولاته قائلاً: "يا أولاد، كُلوا الشوكولاته، لقد اشتريتها في العريش"، حيث أذكر كيف كان يشدّد على مفردة "اشتريتها". وكان يسود الشعور بتحقيق النصر العظيم حيث كان الجميع يتشاركون فيه ابتداءً بأصغر الأطفال وانتهاء بأعلى القادة.
وقد سنحت لي بعد فترة فرصة لقاء عدد من المقاتلين الذين تم إسقاطهم بالمظلات في ممرّ متلا [بسيناء، حيث كانت عملية الإسقاط هي الأولى عند انطلاق تلك الحملة] وغيرهم كثيرين من أفراد قوات المشاة والمدرعات والجو وربما أيضاً- كما يبدو لي- من القوات البحرية. وقد ساهم كل من هؤلاء في تحقيق هذا الإنجاز العسكري الرائع، ذلك لأن تلك العملية الوقائية قد كرّست قوة إسرائيل الرادعة. إنها علّمت درساً مفاده أن النجاح الذي تم تحقيقه في حرب التحرير [الاستقلال، 1948] لم يكن عشوائياً أو منفرداً، بل أن هناك لدينا شيئاً ينم عن القوة والمتانة، حيث أثبتنا حينها لكل من كان يتوعد بتدميرنا بأن هذه البلاد هي وطننا وأننا سنحميه كلما اقتضت الضرورة ذلك، بما في ذلك من خلال المبادرة إلى القيام بعمليات على نطاق واسع. وما من شك في أن تكون حملة كاديش (حملة سيناء) قد ساهمت في حصولنا على فترة امتدّت لـ11 عاماً من الهدوء النسبي، على اعتبار أن ظاهرة التسلل إلى البلاد قد انحسرت بعد الحملة فيما تم تأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر.
لقد تم حينها تحقيق الكثير من الأمور لكن كان هناك عنصر واحد غائب، ألا وهو دعم الولايات المتحدة. ونظراً لغياب هذا الدعم فقد اضطُرّ رئيس الوزراء [دافيد] بن غوريون، رضوخاً للإملاء الأميركي- الروسي، للانسحاب من شبه جزيرة سيناء بسرعة. أما ما تغير منذ ذلك الحين، فقد تغيرت العديد من الأمور متمثلة باستيعاب الملايين من المهاجرين اليهود وبناء اقتصادنا وتكريس التكنولوجيا لدينا والتعاظم الهائل لجيش الدفاع وجهاز الموساد [للاستخبارات والمهام الخاصة] وجهاز الأمن العام (الشاباك)، بل التعاظم الكبير لدولة إسرائيل بأسرها. نعم، لقد تغيرت الكثير من الأمور، حيث حققنا التعاظم العسكري والأمني، غير أن هذا التعاظم كان سياسياً أيضاً وخاصة على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة.
أرجو أن أؤكد لكم أننا نخوض حالياً فترة من ازدهار علاقاتنا الدولية بشكل هائل يشمل أعظم الدول الكبرى في العالم والدول الأسيوية والإفريقية والأميركية اللاتينية، لكن حجر الأساس لكل علاقاتنا ما زال يتمثل بالتحالف الراسخ مع الولايات المتحدة، حيث يعتمد هذا التحالف أولاً على الدعم المتزايد الذي يقدمه الشعب الأميركي لدولة إسرائيل، حيث نقدّر هذا الدعم تقديراً جماً وندين لهم بالامتنان الكبير.
ولا أنسى هذه الحقيقة أبداً، ما يجعلني أكنّ التقدير والاحترام أيضاً للاتفاق الذي أنجزناه مؤخراً مع الرئيس الأميركي. وقد وقعنا، باراك أوباما وأنا، على مذكرة الاتفاق الخاص بالمساعدات الأمنية [الأميركية] لدولة إسرائيل. كما أنني أتوقع من الرئيس أوباما أن يلتزم في الفترة المتبقية من ولايته بما كان قد صرَّح به عام 2010 [في الأمم المتحدة] من أن طريق تحقيق السلام لا يمرّ عبر قرارات مجلس الأمن [الدولي] بل عبر المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، استمراراً للموقف الأميركي [التقليدي] بهذا الخصوص على مر السنوات.
وقد هاتفتُ قبل أيام عدة أبو مازن [رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس] وقلت له: "هذه هي الخطوة الصحيحة حيث أقدّر قيامك بها [قاصداً قرار السلطة الفلسطينية معاونة إسرائيل في إخماد موجة الحرائق في أنحاء البلاد]. دَعْنا نتفادى إضرام الحرائق بل نُخمدها، ودعْنا نسير معاً نحو السلام". غير أنني أعلم، مثلما تعلمون، بأن السلام يتحقق أولاً بفضل القوة التي تملكها دولة إسرائيل. ولن يُصنع السلام إلا مع القوي بينما لن يستطيع الضعيف البقاء في منطقتنا.
لا يزال جيش الدفاع، بعد مرور 6 عقود على حملة كاديش (حملة سيناء)، جيشاً قوياً ونوعياً. ونبذل جهودنا لتأهيل الجنود والقادة ونزوّدهم بأفضل أنواع الأسلحة والتقنيات. غير أننا ننمّي لديهم، بما يزيد أهميةً عن غيره، الروح القتالية الساعية لتحقيق الانتصار. وكانت روح الشجاعة والبطولة هي التي حسمت لصالحنا نتائج حملة كاديش، وإنها تظل دعامة ثابتة لنا في أوقات الشدة. لنذكر أبناءنا الشجعان الذين سقطوا في المعركة ونحمل راية تراثهم أباً عن جد. طيّب الله ذكراهم.