مستلزمات تلفيق أم عهدة شخصية؟
سعيد السنى
١٧:
٠٩
ص +02:00 EET
الأحد ٢٧ نوفمبر ٢٠١٦
بقلم : سعيد السني
هذا المقال ليس الحكم الصادر بحبس الزملاء يحيى قلاش نقيب الصحفيين، وجمال عبدالرحيم وخالد البلشي عضوي مجلس النقابة عن قضية إيواء مطلوبين «المُلفقة» لهم.. فهذه القضية «سياسية بحتة» وليست جنائية، إذ إن مقر النقابة ليس مسكناً خاصاً بهم.. لكننا بصدد وقائع ثبت فيها بالدليل القاطع تورط «بعض» ضباط الشرطة في تلفيق قضايا مخدرات وإحراز أسلحة نارية لمواطنين أبرياء.. ذلك أن النيابة العامة تباشر حالياً التحقيق مع معاون مباحث بقسم شرطة المطرية، بتهمة تلفيق محضر حيازة سلاح ناري بدون ترخيص لعامل، وتزوير التحريات ضده.. كان الضابط قد استصدر إذناً من النيابة لتفتيش مسكن «العامل»، وضبط السلاح (فرد خرطوش)، وتم حبس العامل ثم تجديد حبسه احتياطياً، إلى أن قدمت أسرته بلاغاً إلى النيابة، تتهم الضابط بتلفيق القضية، وأرفقت بالبلاغ «فيديوهات» تفضح التلفيق، وتكشف أن العامل مقبوض عليه أثناء وجوده بأحد المقاهي، وليس بمسكنه، ولم يكن بحوزته «فرد الخرطوش»، ولا غيره.. لم تُشر صحيفة الوطن التي نشرت الخبر يوم الأربعاء (24 نوفمبر)، إلى سبب التلفيق، لكن حتما سوف يظهر لاحقا.. النائب العام أحال في مارس الماضي إلى محكمة الجنايات، ضابط شرطة لقيامه بتلفيق قضية حيازة هيروين لسائق ميكروباص بمدينة 6 أكتوبر، عقاباً للسائق على تخطيه في المرور بأحد التقاطعات.. انقلبت القضية على رأس «الضابط» وصار متهماً بحيازة تذكرة الهيروين، واستغلال النفوذ والتزوير في محضر رسمي، بعد أن هرع شهود العيان إلى النيابة، وقدموا تسجيلاً بالفيديو للواقعة كاملة، وهو ما أنقذ السائق وأوقع بالضابط.. في العام الماضي، قررت «النيابة» حبس نقيب بقسم شرطة ثان الممنصورة، كان قد حرر محضرا لطالب جامعي بحيازة سلاح ناري وتبين من التحقيقات أن قوة من مباحث القسم ألقت القبض على الطالب انتقاماً منه لخلافات مالية بينه والضابط، حسبما أوردت الزميلة غادة عبدالحافظ في الخبر المنشور (المصري اليوم 20 يناير 2015).
في العديد من هذه القضايا وغيرها مما لم يُنشر، لعبت أجهزة الموبايل الذكية وكاميراتها المتربصة دوراً مهماً بتوثيق التلفيق بالصوت والصورة الملونة، وهو مايسهم في لجم ومحاسبة أمثال هؤلاء الضباط معدومي الضمائر، والمأخوذين بغرور النفوذ والتسلط.. لكن.. من أين للضباط في مثل هذه الحالات التلفيقية، بقطع السلاح سواء كان نارياً أو أبيض، والمخدرات سواء كانت أقراص أو حشيش أو تذاكر هيروين وما شابه؟.. بعبارة أشمل من أين يأتون بـ«مستلزمات التلفيق»؟.. فقد كانت «تذكرة الهيروين» جاهزة في جيب جاكت الضابط المحال للجنايات، عندما حدثت المشاجرة مع السائق بالصدفة، بينما كان مستقلاً سيارته الملاكي ولم يكن في عمله، كما أن ضابط المطرية لم يجد صعوبة في تدبير «فرد خرطوش»، يبلغ ثمنه عدة آلاف من الجنيهات، ونفس الحال مع الطالب الجامعي بالمنصورة.. نحن إذن أمام عدة احتمالات.. أولها أن تكون مثل هذه المستلزمات للتلفيق، هي «مضبوطات» لم يتم تحرير محاضر بشأنها، ربما نتيجة وساطة أو صفقة عقدها الضابط مع الحائز لها، فأطلق سراحه، واستولى عليها لنفسه، واحتفظ بها لغرض التلفيق، أو لاستخدام المخدرات لمزاجه الشخصي، إن كان ممن يتعاطون المخدرات وهو أمر غير مستبعد، أو لمجاملة أصدقائه، أو لبيع المضبوطات لصالحه.. فرضية أخرى تفسيراً للمسألة، أن يعتاد الضابط «تحريز» جزء فقط من المضبوطات مع المحضر اللازم، ويحتفظ بالباقي لنفس الأغراض السابقة أو بعضها.. مع التسليم بـ«فردية» مثل هذه الحالات.. فإن هذه المظالم والتلفيقات وشاكلتها تضرب صورة الشرطة وتراكم الكراهية في النفوس، لها وللحُكام.. لذا يكون واجباً على وزارة الداخلية تفعيل الرقابة والتفتيش على الأقسام، لمنع هذه الممارسات، والمحاسبة على حيازة هذه الممنوعات أو غيرها، فهي ليست «عهدة شخصية» للضابط، ولا هي من أدوات ولوازم ممارسة المهام الموكولة إليه، كما أن وجودها يشكل جريمة جنائية بحقه.
نسأل الله السلامة لمصر.