«الصدمكلوجى»!
مقالات مختارة | مفيد فوزي
السبت ٢٦ نوفمبر ٢٠١٦
■ يروق لى كثيراً أن أضيف لعلوم السيكولوجى والباثولوجى والإيجبتلوجى علماً جديداً يتسق مع الحياة المصرية اسمه «الصدمكلوجى» المأخوذ عن الصدمات التى توقظنا من غفلتنا، ولا أدرى سر هذا المنهج المريض الذى يحكمنا. نظل «نايمين فى الخط» حتى تأتى الكارثة، فنفيق ونهرول وتكون خسائرنا كبيرة. خذوا مثلاً كارثة السيول، فقد فاجأتنا دون استعداد فكان الحصاد ثقيلاً فى الصعيد. خذوا وباء الطرق الذى اجتمعت من أجله مائة لجنة ولجنة ولا فائدة. الخسائر البشرية مزعجة للغاية، وفى كل بلاد الدنيا حوادث طرق ولكن ليس بهذه الإحصاءات المخيفة فى مصر. هناك طريق وسيارة وسائق، فعلى من تقع المسؤولية؟ هناك رادارات ترصد السرعة و«سائقون مدمنون» فعلى من تقع المسؤولية؟! ويبدو - والله أعلم - أن علم الصدمكلوجى صار علماً جوهرياً فى حياتنا.
■ من بين الموضوعات ذات الأهمية التى بح صوتى فيها على مدى السنين وأنا أقدم «حديث المدينة» على شاشة التليفزيون المصرى، موضوع قضايا النوبة، وسافرت بالعدسات إلى هناك وسمعت الأصوات النوبية تشكو وتحلم بالعودة إلى ديارهم. وفى كل مرة كانت الدولة ترجع إلى التسكين الأمنى والوعود، وتمر السنون وتتحول ملفات النوبة إلى ملفات فوق الرف. ويثور أهل النوبة ويكبر حجم التذمر والشكوى حتى يفرض نفسه على الأخبار ومواقع التواصل وتبدأ الدولة مهمة الاحتواء أى «تأجيل» القضية. وربما تهدأ النفوس قليلاً بحجة العشم والخواطر ولكنها «النار فى الرماد». وبالبلدى مازالت النفوس مشحونة والقضية مشتعلة.
■ دق الفرح على أبواب المصريين فى مباراة المنتخب المصرى مع غانا فأسعدهم. دق الفرح على أبواب المصريين عقب العفو الرئاسى عن المحبوسين من الشباب. فأسعدهم.
دق الفرح على أبواب المصريين عندما ألغت السلطات حالة ترقب وصول أحمد شفيق إلى مصر فأسعدهم.
أكثر من انفراجة ذات دلالة ولكنها تصب فى جانب التفاؤل، ونصيب المصريين من التفاؤل ضئيل ولكنه بدأ يكبر رغم أمور اقتصادية صعبة تمر بها مصر. وفى عز الفرح يأتى خبر حبس نقيب الصحفيين واثنين من أعضاء نقابته.
وكعضو عامل فى نقابة الصحفيين لا أنتمى لتيار ناصرى أو يسارى أو يمينى أتذكر نقباء بحجم إبراهيم نافع ومكرم محمد أحمد وكامل زهيرى فأجد أن نقابات «مهنية خدمية» وربما أصفها بأنها كانت تعطى الفكر اهتماماً خاصاً وكانت لجنة الحرية تدافع عن قيم حرية التعبير للكاتب. كانت النقابة منارة فكرية وكانت المهنية تحكم النقباء. وليس معنى هذا أن السياسة غائبة فى النقابة. ولكنها لم تتصدر المشهد. جدير بالذكر أن أسجل أن النقيب ضياء رشوان كانت مهنة الصحافة من أكثر اهتماماته وكان حريصاً على آليات العمل الصحفى المهنى، ورغم أن ضياء رشوان نقيب مثقف سياسياً ومع ذلك كانت السياسة مجرد خلفية لنقابة معنية بالكلمة. المهم جاءت أحكام حبس النقيب يحيى قلاش وقد اغتصبت الفرحة والانفراجة. ومازالت حديث الصحفيين وأوساط الصحف. وبدأ «التلسين» أحد أكبر عيوبنا، «إنه عصر تكميم الأقلام»، وكثرت الأقاويل والتصريحات وكلها تعليقات لا صلة بينها وبين المهنة. وكأن «المهنية» صارت آخر اهتمام للنقابة. والذى أفهمه ويدركه كل عاقل ووطنى غيور على مصر أن قضية النقيب ليست فكرية ولا ثقافية ولا مهنية.
أقول هذا وأنا عضو قديم ولا أرتاد النقابة إلا لتجديد البطاقة الصحفية أو لحضور ندوة مهمة. وليس لى مطالب من النقابة لا شقة ولا عربية ولا دواء. وذهابى فى انتخابات النقيب واجب وطنى لأنى أنتمى فى نهاية الأمر لهذه المهنة.
■ شاشات جديدة فى طريقها للميلاد، وبالطبع تستعد بالبرامج وبالإثارة وبالتشويق. هذه الشاشات ملأت شوارع وميادين وكبارى مصر وربما محافظات مصر. ملأتها بإعلانات «Out Door». والناس تترقب هذه الشاشات بشغف شديد ومن الأخبار التى تسربت من كواليس هذه الشاشات خبر عن نجمة الغناء التى جلست على مقعد «المذيع» وأجرت حوارات مع نجوم وإعلاميين. طبعاً نجمة الغناء أخذت الشىء الفلانى كأجر لها على مهمة المذيعة. ربنا يبارك وطبعاً الضيوف حصلوا على أجورهم الفلكية وربنا يبارك ولكن دعونى أتأمل الموقف بعقل غيور على المهنة، مهنة التقديم والحوار. ربما لجأت القناة الجديدة لنجمة الغناء للتفرد. ولكنها مغنية قديرة وصوتها مبدع، ولكن ليس لها خبرة فى فنون الحوار إلا إذا كان الحوار مجرد «قعدة». لكن الحوار عالم عريض وفنونه تعتمد على ثقافة وحس ذكى ومباغتة وحصار ونزول إلى الأعماق. وأظن أنى أملك أن أتكلم عن فن الحوار باسم تجربة طولها يزيد على ربع قرن، ما لم يتح لأحد من نجومنا المتصدرين فى الإعلام، أخذت أفكر فى خريجى كليات الإعلام وقد تزايد عددها فى الجامعات الخاصة. وتساءلت: هل لهم مستقبل؟ الإجابة: لا. القنوات لا يهمها مستقبل خريجى كليات الإعلام، إنما يهمها المكاسب التى تحققها من الإعلانات. ولكن قضية كليات الإعلام تظل قائمة ومكان المذيع يجلس عليه مطربة أو راقصة أو لاعب كرة معتزل.
إنه «الإعلان» وليس «الإعلام».
■ هل من الضرورى أن يكون الرجل العام «ثقيل الظل»؟ هكذا وصف د.رفعت السعيد، المثقف اليسارى المصرى، د.على عبدالعال، رئيس مجلس الشعب، بأنه «ليس خفيف الظل» يعنى «دمه تقيل». وطبعاً لا تقاس كفاءة الرجل العام بخفة أو ثقل الظل. ولكنها «سمة» أساسية فى الرجل العام الذكى. لقد كانت تعليقات د.فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب السابق، تشى بذكائه وخفة ظله وله عبارات صكت باسمه. وأنا لا أريد أن أتجنى على د.عبدالعال، فمازالت تجربته قصيرة فى المجلس ولا تفصح إلا عن «رجل مهموم».
لمحات فنية
1- اسألوا الموسيقار الفنان صاحب التاريخ حلمى بكر عن عدد بروفات مطرب الزمن الجميل قبل الغناء ومواجهة الجمهور. اسألوه عن عبدالحليم حافظ الذى أجرى البروفة فى بيته على كرسى طبى. اسألوه عن التزام أم كلثوم فى بروفاتها العاشرة صباحاً حتى ولو كانت درجة حرارتها مرتفعة. لهذا كنا زمان نسمع طرباً والآن نسمع بلحاً!
2- فى سينما زمان كان من الممكن أن يجتمع فى الفيلم الواحد خمسة نجوم كبار لأن شعارهم كان «الفن للفن» والآن «الفن للمليون» «نجم واحد وشوية فكة»!.
3- لدىَّ شعور أن الفنان المبدع الجميل صلاح عبدالله لم يأخذ حقه من التقدير لأنه «بلا شلة أكروبات». إنه مخلص للفن والأدب والشعر وأبوته لبناته وزوجته وبس. إنه نمط نادر من الفنانين والفن هو مرضه وعافيته.
4- أكثر من شتمنى فى الصحافة هو ضياء الدين بيبرس عندما علم بقرب ذهابى رئيساً لتحرير مجلة الكواكب «دار الهلال» وكان هو واحداً من كتابها. وكان يشتم كمال الملاخ ونبيل عصمت لشهرة كل منهما. وأكثر من شتمنى فى التليفزيون هو فايز حلاوة وإن تصالحنا فى خريف عمره. وكانت الشتائم «راقية»!! ليس فيها الأب والأم مثل شتائم هذا الزمان..... ذكريات.
5-... وكم من المآسى يفعلها أو يرتكبها «أطباء التجميل» فى الفنانات «دون ذكر أسماء الضحايا».
6- أحمد حلمى - كفنان - يفهم معنى «الفرح» و«الضحكة المطهرة» لسأم القلوب.
نقلا عن المصري اليوم