الشعب يريد «الحقيقة والكرامة»
مقالات مختارة | مي عزام
الاثنين ٢١ نوفمبر ٢٠١٦
(1)
«لنفترض أن التهم التي كانت ضدي صحيحة، فلم أرادوا انتهاك كرامتي. أريقت دماء من أجل استقلال هذه البلاد، فلم قاموا بهذا السلوك؟ أنا مستعد لأن أغفر للجلادين شرط أن يعترفوا ويعتذروا. لا أريد محاسبتهم، ما أريده هو كشف الحقيقة، أريد أن يسجل التاريخ ما وقع خلال تلك الفترة السوداء، أريد ألا يتكرر ما وقع لي مع ابنتي ولا أريد أن يعيش أبناء تونس ما عشناه».
«وضعونا عرايا لأسبوع كامل، أرادوا تدميرنا وراهنوا على إخصائي. الحمد لله لدي بنت جميلة تؤكد أنني انتصرت عليهم. كان الجلاد يضربني على رأسي ويقول لي سأخرج العلم من رأسك. لكنني أكملت دراستي، بعد ذلك كي أؤكد انتصاري عليه. أشعر بألم عظيم لسجنى هذ المدة الطويلة، أحس بالقهر لإضاعتهم سنوات وسنوات من حياتي».
كانت هذه السطور جزء من شهادة الباحث التونسى سامي براهم الذي سُجن ثمان سنوات أثناء حكم بن على في تونس، شهادته كانت واحدة ضمن عدد كبير من شهادات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في السجون التونسية، والتى تمت من خلال جلسات علنية مذاعة على الهواء مباشرة هناك، ونظمتها هيئة «الحقيقة والكرامة» التونسية، على مدار يومى الخميس والجمعة 17 و18 الماضيين.
(2)
هيئة «الحقيقة والكرامة»، هيئة دستورية مخول لها تتبع ملفات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في تونس منذ الاستقلال عام 1955وحتى عام 2013، بدأت عملها في يونيو 2014، تلقت حتى الآن آلاف الشكاوى، فترة عملها 4 سنوات قابلة للزيادة بموافقة البرلمان، أسست لتطبيق مفهوم العدالة الانتقالية، وتستهدف كشف حقيقة الانتهاكات التي حدثت في مجال حقوق الإنسان خلال سنوات بورقيبة وبن على، في محاولة لجبر الضرر الذى حدث للضحايا، وتأسيس تونس جديدة، يطوى مواطنوها صفحة الماضى، ليبدأوا عهدا جديدا، تتحرر فيها النفوس من ذكريات أليمة كتلك التي تحدث عنها سامى وعشرات غيره، وهذه الهيئة تكشف بتحقيقاتها كيف تعمل آلة القمع والاستبداد، ليس على مستوى الأشخاص فقط بل على مستوى الهيئات والمؤسسات، بالطبع هناك عراقيل أمام الهيئة من الدولة العميقة في محاولة لإرباك مسارها بعدم التعاون معها في التحقيقات وتسليمها مالديها من أرشيف لتلك الفترة، لكن مجرد استمرارها والتزامها بالجلسات العلنية إنجاز في حد ذاته من وجهة نظرى.
(3)
ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في السجون العربية حكايتهم متشابهة وقصصهم متقاربة الأحداث، وأتصور لو تم السماح لمسجونى الرأى الذين أفرج عنهم مؤخرا بتقديم شهادتهم، فسنجد من بينهم من يقدم شهادة قريبة من شهادة «سامى» التونسى، فكلنا في الهم سواء، الموضوع لا يقتصر على سجناء الرأى أو الإخوان، ف «مجدى مكين» لا ينتمى لأى من الفئتين، فهو بائع بسيط وسائق لعربة كارو، ليس له في السياسة ولا يطمع في الحكم. ماتعرض له مجدى يصيبك بالكآبة والحزن، ويتخلل عظامك مزيج من الذل والقهر، هذه الأحاسيس جعلتنى أتساءل مثل «سامى»: لنفترض أن التهم الموجهة إلى مجدى (أوغيره) صحيحة، فلماذا ينتهكوا كرامته ولا يكتفوا بمحاكمته؟؟؟
(4)
لماذا لا يكتفى بعض رجال الشرطة بالقانون، لماذا يتم انتهاك كرامة المواطن وإذلاله قبل عرضه على النيابة، لماذا يتوجب عليه أن يعيش تجربة قد تقوض مستقبله كله، وتحطم كرامته وإنسانيته... تجربة يحتاج بعدها لعلاج نفسى طويل وقد تغير مسار حياته كله. مادمنا نتشدق في كل لحظة بأننا نعيش في دولة القانون فلما لا نترك القانون ليأخذ مجراه مع الجميع وبلا استثناء.
(5)
تتراكم المواجع علينا في مصر، حتى لم يصبح في النفس قدرة على احتمال المزيد... نتنفس كرها وانقساما وقذارة وكذبا وتدليسا... الظلم يتوحش ويخرج لنا لسانه ويظهر لنا العين الحمراء، لم يعد أمامنا إلا أن نغلق أفواهنا ونبتلع على مهل طعم الصدأ والملح...
(6)
ماهو دور نواب الشعب؟؟ لماذا لا يقدمون مشروع قانون لتأسيس هيئة تماثل هيئة الحقيقة والكرامة التونسية، لتفتح ملف الانتهاكات في مصر منذ عصر عبدالناصر وحتى الآن، لنعرف حقيقة ما يحدث خلف أسوار السجون وفى الأقسام، لوكنا نريد بداية جديدة فعلا، فلنفعل الصواب ولو لمرة واحدة.
لكن هل يتحمل النظام والداخلية والحكومة ما قد تكشفه من انتهاكات وأسرار؟!
هنا الامتحان الصعب للسيسي ونظامه.
نقلا عن المصري اليوم