الرئيس في الكنيست
د. مينا ملاك عازر
السبت ١٩ نوفمبر ٢٠١٦
د. مينا ملاك عازر
لم تكن الرسالة التي أرسلها الرئيس الأمريكي كارتر، في شهر أكتوبر من عام 1977، عبر أحد رجال الدبلوماسية المصرية العاملين بالسفارة المصرية بالولايات المتحدة إلا محض شد فتيل قنبلة سبق للريس السادات وأن أعدها خير إعداد باتصالات مع العديد من قادة العالم من بينهم شاه إيران ورئيس رومانيا وعلى رأسهم رئيس أمريكا نفسه، حاول السادات إشراك ملك السعودية ورئيس سوريا لكنهما لم يرفضا المشاركة فحسب وإنما أيضاً رفضا الفكرة، كلا بدرجة ما مختلفة عن الآخر، يعرف الجميع أن الأسد رئيس سوريا يومها كان يريد اعتقال السادات، أما ملك السعودية كان ما يهمه ألا يعرف أحد أنه كان على علم بعزم السادات اتخاذه هذه الخطوة التي فعلها منذ 39 عاماً بالتمام والكمال.
كان الروس مهمشين من قبل السادات، وهوة الفراق بينهماتتسع، وليسوا على علم بما يعتزم السادات الإقدام عليه، لذا جاءت خطوة السادات للوثوب للكنيست وكأنها قنبلة تنفجر في كل عقول الزعماء المسيطرين على المنطقة والذين لهم مصالح بها، لا شك أن السادات حاول أن يذهب معه آخرين للقدس لكن مع الرفض الأمريكي وضيق الأفق لدول الجوار والشريك السابق "الروس" اضطر لأن يفعلها بحسب الرسالة التي أتته من كارتر سالفة الإشارة إليها، بأن يفعل آخر ما في جعبته ففعل واهتز العالم بأسره بزلزال لم يكن في الحسبان، تأثرت به أفريقيا التي وجدت نفسها مقاطعة لإسرائيل دعماً لمصر، فلم تعد الأخيرة مقاطعة، وأوروبا الغربية التي فوجئت بزعيم على خلاف ناصر منفتح الأفق جريء واثق الخطوة يمشي، شعر الإسرائيليون بأنهم يستقبلون أول إنسان نزل على سطح القمر وصارت إسرائيل هي سطح القمر.
وفي الوقت الذي انشغل الجميع بخطوة السادات وجراءته، كان السادات يضع توازناته في وفده بإيجاد خيرة رجال الدبلوماسية المصرية الذين أرقوا الإسرائيليين ليس في تلك الزيارة فحسب ولكن في كل اللقاءات التي جمعت فريقي التفاوض المصري والإسرائيلي في كل ملاعب التفاوض سواء في مصر أو إسرائيل أو في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث جرت أهم مراحل التفاوض بكامب دافيد بعد قرابة عشرة أشهر من تلك الخطوة الواسعة التي قفزها السادات رحمه الله.
كان رجال الدبلوماسية المصرية أشداء في تفاوضهم، حازمين في نقاشهم، مضيقين في كلماتهم، حتى أن الدكتور بطرس غالي وزير الدولة لشئون الخارجية كان حاداً في كلمات تفاوضه الغير رسمي مع ديان أثناء استقباله مع السادات، وليناً في إبدائه المرونةالدبلوماسية اللازمة في البدء في السير في طريق طويل من المفاوضات لم تنتهي إلا باسترداد طابا في عام 1989.
المختصر المفيد رحم الله الزعماء الجريئين بحق وليسوا مدعي الجراءة.