كنْتُ رِعديدًا
زهير دعيم
الخميس ١٧ نوفمبر ٢٠١٦
زهير دعيم،
قبل أن أعرفك يا صاحبي كنت رعديدًا.
قبل ان اتبعك يا سيّدي كنتُ جبانًا.
أخاف الدّنيا وأذوب رعبًا وهلعًا من الظلمة والليل والزمهرير.
أخاف الوحدة والأشواك ووعر الطريق.
أخاف الأنسان والظلّ والسنين.
أخاف النوم والأحلام والكوابيس....أخاف من نفسي ومن أمسي ومن غدي !!!
أخاف القبر والموت والتراب.... كان الموت يُميتني ، وكان القبر وظلماته يرهبني ، كنت ألعن ساعة مولدي ، وكنت اصرخ في نفسي :
" يا ليتني كنت نسيًا منسيًّا"
" يا ليتني ما ولدت "
الى أن عرفتك وتعرّفت بك ، بل بعد أن قرعت أنت بابي برفق ، وهدهدت كياني بهمسة ، ورسمت حياتي بلون جديد ، وسربال قشيب ، وحُبٍّ مذيب ، وأمل يُغرّد فوق أغصاني التي اخضرّت ، وبراعمي التي تفتّحت.
دخلت كياني ، فأضأت فيه الحنايا ففرّ الظلام لا يلوي على شيء. وطار اليأس الى غير رجعة.
وانهزم الموت أمام دفق الحياة..
دخلت كياني فعاد قلمي يدرج فوق القرطاس يحلم بالآتي ومنازل الغد.
كان قلمي شقيًّا لو تعلمون ، وصار ملوّنًا يثب تسبيحًا ويفيض حُبًّا وحنانًا لكلّ البشر.
ما عاد اللون يُهمّه . وما عادت الحدود تحدّه ، فالانطلاق أضحى نهجه ، والمحبّة صارت ناموسه ، والأعداء غدوا أحبّاءه، لهم في صلاته حيّز.
ما عاد الخدّ الأسيل مبتغاه ، وما عاد الغزل موطنه .
حقًّا فرَّ الخوف الى غير رجعة ..انقضى يوم عرفتك يا سيّدي ، فغدوت أنام ملء جفوني ، لا أخاف الظلام ولا الاحلام ولا الموت..
اطمأنت نفسي كما الفرخ الصغير في شقّ الصخرة الصلدة ، لا يخشى من هدير البحر ولا من زمجرة العواصف.
اطمأنت نفسي وراحت تتغذّى من زاد الدّهور وتتوكأ على عود الحياة.
اطمأنت نفسي يوم سرت معه ، خلفه وعلى منكبيْه.
اطمأنت نفسي يوم قادني الى المراعي الخُضر والطبيعة البتول والنبع الذي لا ينضب.