«ترامب» فى البيت الأبيض (٤)
مقالات مختارة | د. عماد جاد
الثلاثاء ١٥ نوفمبر ٢٠١٦
الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات، دور المؤسسة يفوق دور الفرد، صحيح تماماً، لكن السؤال هو هل الرئيس دون تأثير ويسير فى خطوط محددة له من قبل مؤسسات الدولة؟ أم أن للرئيس فى الولايات المتحدة صلاحيات تمكنه من توجيه دفة الأحداث داخلياً وخارجياً؟
الحقيقة أن للرجال بصمات واضحة فى دول المؤسسات، ويعتمد حجم ووزن البصمة على ثقل الشخصية ووزنها، فالقيادات التى تتمتع بسمات الكاريزما تكون بصماتها واسعة وعميقة عكس الأشخاص الذين يأتون ويرحلون دون أن يتركوا أثراً بارزاً فى حياة من حولهم أو فى المؤسسات التى يقفون على رأسها. ويظل هذا القول صحيحاً فى دول المؤسسات، ففى فرنسا كان للجنرال ديجول بصمة قوية، وفى بريطانيا كان لكل من وينستون تشرشل ثم مارجريت تاتشر بصمات قوية، وفى الولايات المتحدة هناك بصمات قوية لرؤساء عظام، ومنهم رونالد ريجان الذى كان ممثلاً مغموراً من الدرجة الثانية وأطاح بالديمقراطى جيمى كارتر عام ١٩٨٠، وترأس الولايات المتحدة دورتين متتاليتين شكلتا الأساس لنهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتى.
فى تقديرى ودون أن أسبق الأحداث ينتمى الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب إلى هذه النوعية من الرجال التى عادة ما تترك بصمة قوية فى كل مكان تمر فيه، وكل مؤسسة يقف على رأسها، الرجل ليس سياسياً محترفاً يريد منصباً رفيعاً ولا هو فى حاجة لشغل موقع بقدر ما هو شخصية مثيرة للجدل، قوية مغامرة تبحث عن التغيير والإضافة، لذلك فإن ترامب يعنى جوهر ما قال خلال حملته الانتخابية من أنه سيواجه الإرهاب بكل قوة، لن يواصل سياسة تغيير النظم فى الشرق الأوسط بحثاً عن تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان، لن يواصل سياسة الموالاة لنظم حكم تقليدية ترعى الإرهاب وتدعمه، ووفق هذه الرؤية التى عبر عنها الرئيس المنتخب بوضوح يتوقع أن يبادر الرجل بتحسين العلاقات مع مصر التى يراها دولة قوية تشن حرباً بلا هوادة على الإرهاب، وشعبها يستحق التقدير والاحترام لأنه خرج وأطاح بحكم جماعة الإخوان فى ٣٠ يونيو، ووفق هذه الرؤية يتوقع استئناف سريع للعلاقات العسكرية وتطوير العلاقات الاقتصادية، وانتهاء فترة التوتر فى العلاقات المصرية الأمريكية وعودة العلاقات إلى مستوى التعاون الاستراتيجى. فى الوقت نفسه تتزايد احتمالات تلاقى الرؤية الأمريكية الجديدة مع الرؤية المصرية تجاه التسوية فى سوريا وليبيا ومن ثم يتوقع أن تدعم واشنطن حلاً للأزمة فى ليبيا وسوريا قريباً من الرؤية المصرية. فى الوقت نفسه يتوقع أن يتصاعد التوتر فى العلاقات الأمريكية السعودية والأمريكية القطرية، فكل منهما دعم حملة منافسته الديمقراطية بالأموال وراهن على فوزها، كما كانت للرجل خلال حملته الانتخابية مواقف واضحة تجاه قطر والسعودية كما أن له تصريحات شديدة الوضوح فى ضرورة إعادة النظر فى السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. وفى تقديرى أن أهم ركن من أركان هذه السياسة هو مواجهة الإرهاب والجماعات المتطرفة والتى سوف تتضمن تقليص وجود جماعة الإخوان على الأراضى الأمريكية وإنهاء وجود الجماعة داخل البيت الأبيض ووزارة الخارجية، إضافة إلى إضعاف محور التشدد فى المنطقة عبر إعادة رسم السياسة الأمريكية تجاه قطر والسعودية، وسوف يعتمد حجم التغيير فى السياسة الأمريكية تجاه المنطقة على الشكل الجديد للعلاقات الأمريكية الإيرانية، فهناك أسس لمواصلة التطور الإيجابى فى العلاقات، وهناك فى الوقت نفسه عوامل للخلاف تتمثل بالأساس فى تحفظات ترامب على الاتفاق النووى الذى وقعه الغرب مع إيران والذى سيقود إلى أن تصبح إيران دولة نووية، هل تعود سياسة الاحتواء المزدوج من جديد ولكن هذه المرة لكل من إيران والسعودية بعد أن كانت سابقاً لكل من إيران والعراق؟
المؤكد أن تغييرات جوهرية سوف تطرأ على السياسة الأمريكية تجاه المنطقة وفى كل الأحوال سوف تصب فى صالح مصر والرؤية المصرية.
نقلا عن الوطن