الأقباط متحدون - الغلابة وبروفة السيطرة الأمنية
  • ١٣:٠٧
  • الاثنين , ١٤ نوفمبر ٢٠١٦
English version

الغلابة وبروفة السيطرة الأمنية

سعيد السنى

مساحة رأي

٢٣: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ١٤ نوفمبر ٢٠١٦

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

سعيد السني
هذه الخديعة الكبرى التي جرى الترويج لها إعلامياً على نطاق واسع، خلال الأسابيع القليلة السابقة ليوم الجمعة الماضي (11/11)، بأن جماعة «الإخوان المسلمين» هي الداعية لما يسمى بـ«ثورة الغلابة»، هيَّ من قبيل الاستخفاف بالعقول والاستهزاء بالجمهور.. واقعياً وبعيدا عن استديوهات فضائياتنا، فإن «الإخوان» ليسوا في حالة تسمح لهم اصلاً بالثورة أو الدعوة لثورة أو مجرد تحريك مظاهرة من «مئة فرد»، سواء كانوا «غلابة» أوغيرهم، حتى ولو كانت مواقعهم الإلكترونية وفضائياتهم وصفحاتهم التواصلية، قد راحت تهلل وتدق طبول هذه الثورة المزعومة، على سبيل التمنى والتوهم، مثلما عاشوا أكذوبة عودة المعزول محمد مرسي، وصلاة سيدنا جبريل معهم في رابعة العدوية.. إذا سايرنا هذه الكذبة الإعلامية السخيفة، يكون السؤال هو، من أين لهم بالثائرين؟، إذا كان وجودهم السياسي قد انتهى وأن تاثيرهم ونفوذهم في الشارع قد انعدم تماماً، فالقيادات الإخوانية كلها تقريباً وكوادر الصفين الثاني والثالث، يسكنون السجون حالياً، ولا يملكون من أمر أنفسهم شيئاً.. فكيف لهم بدفع «الطلقاء» منهم للثورة أو التظاهر، ومن أين لهم بالإنفاق على هذه التحركات وقد جفت مواردهم المالية؟ سيما أن آلاف المنتمين والمتعاطفين محبوسون في الزنازين متهمين بالتورط في تظاهرات وأعمال تخريبية أو إرهابية، إضافة إلى انصراف الجميع عنهم سواء كانوا أنصاراً أو ساسة مدنيون أو حلفاء المشروع الإسلامي الموهوم، على شاكلة «السلفيين» الذين كانوا أقرب للإخوان من حبل الوريد.

البادي أن جهة ما على درجة كبيرة من القوة والإتقان التنظيمي، تقف وراء الترويج لهذه الدعوة المنسوبة للإخوان، بحيث إنها نجحت في تجنيد الإعلام كله «تقريبا»، للتخويف من هذا اليوم، بالمبالغة الشديدة فيما يمكن أن يحدثه «الإخوان» من فوضى وتخريب، حتى يظن المُصَدِق لهذه التخاريف أنهم عائدون إلى الحياة، وربما الحكم (!!!)، فلماذا هذا التضخيم لشأنهم وإعطائهم أكبر من حجمهم؟!.. المُرجح أن الجهة المُفترضة هي «جهاز أمني» من أجهزة الدولة، ويشير اختيار التوقيت تاليا لقرارات تعويم الجنيه وزيادة أسعار الوقود، بأن «الهدف» هو بث رسالة لصانعي قرارات صندوق النقد والبنك الدوليين والخارج عموماً، بأن قرارات التعويم والغلاء مقبولة، ولا تثير غضباً شعبياً، استدلالاً بعدم الاستجابة لما يُسمى «ثورة الغلابة».. من زاوية أخرى، فإن الجهات الأمنية المعنية لابد أنها على وعي كامل بحالة الغضب والاحتقان المتولدة عن اشتعال الأسعار بما لا يناسب الدخول، ونقص السلع الضرورية والبطالة وغيرها من أسباب الضجر، ناهيك عن التضييق السياسي.. ومن ثم فإن الجهة صاحبة الفكرة وتحسباً منها لأي حراك ثوري محتمل، أرادت تجريب «بروفة للانتشار والسيطرة الأمنية»، في حال حدوث أي تحركات شعبية أو ثورية أو فوضوية محتملة إلى الشوارع والميادين، ومن ثم، تم اختراع هذه الثورة، لتكون فرصة لاستعراض العضلات الأمنية، تخويفاً لهؤلاء الغلابة، إذ إن وزارة الداخلية قامت بحشد أكثر من مئتي ألف جندي وضابط مدججين بالأسلحة والعربات المدرعة وغيرها، بحسب ما أوردته صحيفة «أخبار اليوم» في عددها الصادر السبت الماضي.. هذه «البروفة» لها جانب محمود وإيجابي، فمن شأنها رفع كفاءة وجاهزية الأمن للتعامل مع سيناريوهات مشابهة، فهي على غرار المناورات العسكرية التي تجريها قوات الدول تدريباً واستعداداً لحروب حقيقية.. على كل حال، إن كان الهدف استعراضي، فقد وصلت الرسالة، لكنها رسالة سلبية ويترافق معها رسائل أخرى غير مرغوبة، فهذا التواجد الأمنى المبالغ فيه، كاشف لـ«الخارج» عن هشاشة الوضع الأمني، فالأمن أساساً لا يعتمد على كثافة التواجد، بل على فكرة الهيبة.. فحين يقف جندي أو أمين شرطة وحيداً أمام بنك أو كنيسة للحراسة أو ماشابه.. فهل من المتصور أنه وحده قادر على الدفاع عن الكنيسة أو البنك حال الهجوم المنظم على المنشأة؟.. أظن أن الواقع يقول بغير ذلك.. لكنها فكرة «الهيبة»، وعليه فهذه المبالغة هي رسالة سلبية للخارج من شأنها تأخير عودة السياحة الغائبة، كما لا تخلو من تخويف غير مقصود لـ«الاستثمار الأجنبي»، سيما أن الأخير يهتم بالوضع السياسي والحقوقي وما إذا كانت دولة قانون من عدمه، كما أن الشعب لا يمكن تخويفه وإرهابه، وإلا لما سقط حكم الإخوان المسلمين، ومن قبله نظام مبارك.

يبقى ألا ينتشي «أهل الحكم» ويصدقون أن الشعب راض عن قراراتهم التي تحرق الغالبية بنار الغلاء وتدفع بالملايين في موجات متتالية إلى جحيم الفقر.. بل الواجب عليهم أن يترفقوا بهذا الشعب الذي لايزال لم يجد من يحنو عليه.. وبالجملة عليهم قراءة الرسالة على وجهها الصحيح وليس «الغلط».. عليهم البحث عن حلول للأزمات، فقد يكون هذا هدوءاً يسبق العاصفة، فأسباب الانفجار كامنة في الصدور، والأوفق هو التعامل مع الأسباب وليس استعراض القوة والعضلات.

نسأل الله السلامة لمصر.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع