الأقباط متحدون | التوافقية لا بد منها في هذه المرحلة
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٨:٥٤ | الاثنين ١٠ يناير ٢٠١١ | ٢ طوبة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٧٢ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

التوافقية لا بد منها في هذه المرحلة

الاثنين ١٠ يناير ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: د. عبد الخالق حسين
كتب العديد من الكتاب الأفاضل هذه الأيام، مقالات ينتقدون فيها بشدة ما يسمى بالديمقراطية التوافقية. والمقصود بالتوافقية، اتفاق الزعماء السياسيين الذين فازت كتلهم على مقاعد برلمانية، ولها ثقل عددي في البرلمان، وقدرة على دعم السلطة، أو عرقلة عملها إذا شاءت، على تشكيل حكومة إئتلافية توافقية وفق برنامج سياسي معين، بمثابة القاسم المشترك الأعظم لجميع الكتل.
لا شك أن هدف كل إنسان وطني غيور على وطنه، ومثقف ذي عقل سليم وضمير حي، يتمنى أفضل أنظمة الحكم لشعبه وبلاده، وبالتأكيد ليس هناك أفضل نظام حكم من النظام الديمقراطي الناضج، الذي يقوم على أساس التداول السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع، فتكون هناك أحزاب تحكم، وأخرى في المعارضة تراقب السلطة وتحاسبها على أخطائها وتكشف هفواتها وهناتها، تماماً كما هو جار في أرقى البلدان الديمقراطية الناضجة في أوربا الغربية وغيرها. ولكن المشكلة الكبرى، وكما قال شاعر عربي:
ما كل ما يتمناه المرء يدركه..... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

فإذا ما وضعنا في نظر الاعتبار تعقيدات الوضع العراقي، وتعددية مكوناته: القومية والدينية والمذهبية، وكياناته السياسية المتصارعة فيما بينها، والمتنافسة بشراسة على السلطة، وإذا ما أدركنا أن هناك على الأقل أربع تحالفات كبيرة، يضم كل منها عشرات الكيانات السياسية، متنافسة فيما بينها، وكل منها يريد حصته من كعكة السلطة، كما لم يستطع أي تحالف الحصول على الأغلبية البرلمانية المطلقة، أقول إذا ما وضعنا كل هذه الأمور المعقدة في الحسبان، لأدركنا حجم الصعوبات التي تقصم ظهر البعير، والتي يواجهها هؤلاء الزعماء للوصول إلى اتفاق يرضي الجميع، ولذلك فلا عجب أن يتعطل تشكيل الحكومة نحو ثمانية أشهر من الانتخابات البرلمانية.
ولكن رغم هذه التعقيدات والصعوبات، يطالب البعض بديمقراطية على غرار أرقى دولة في العالم. فالديمقراطية، وكما بينا في مقالات سابقة، لا تولد ناضجة بل هي عملية تراكمية، تبدأ بمخاض عسير، وبحقوق بسيطة، ثم تنمو وتتطور مع النمو الحضاري للشعب، وصولاً إلى المراحل المتقدمة من الحضارة، يتمكن فيه الشعب من إدارة أموره بنفسه، ومن خلال منظمات المجتمع المدني، وبأرقى تنظيم، ويتقلص دور الحكومة إلى حماية أمن المواطنين، وجمع الضرائب لدفع تكاليف الخدمات. وهذا الذي يحدث الآن في الديمقراطيات الناضجة.

ولكن هل بالإمكان تحقيق هذه القفزة الواسعة من نظام حكم البعث الفاشي الجائر لخمس وثلاثين سنة إلى ديمقراطية ناضجة بين يوم وليلة، لا بل وحتى بعد سبع سنوات؟ الجواب: كلا. ومن هنا نعرف أن هناك فرق كبير ومسافة شاسعة بين طموحات النخب المثقفة من جهة وبين الممكن تحقيقه في ظروف معينة من جهة أخرى. إذ يجب التوازن بين الممكن واللاممكن، والقائد السياسي هنا أشبه ببطل السيرك الذي يمشي على حبل مشدود، ماسكاً بعصا التوازن ليحمي نفسه من السقوط. فالسياسة فن الممكن، وفي هذه الحالة، من الحكمة أن نقبل بالممكن وفق شروط المرحلة، ودون أن ننسى الطموح. ومن يصر على سياسة (كل شيء أو لا شيء)، ينتهي دائماً بلا شيء، تلك السياسة التي أصر عليها قادة القوى الوطنية والنخب الثقافية، منذ تأسيس الدولة العراقية ولحد الآن، وكانت النتيجة، ليست فقط لا شيء، بل من كارثة إلى كارثة أسوأ من السابقة.
وكثيراً ما أسمعَنا قادة "العراقية"، أن غرضهم من المشاركة في السلطة ليس المناصب والامتيازات المادية والمعنوية، بل بدوافع الوطنية وخدمة الشعب. ولكنهم في نفس الوقت أصروا على حصة الأسد في المناصب الوزارية وغيرها، كما وقرأنا أن أحد شروط الدكتور أياد علاوي للقبول بالمالكي رئيساً للحكومة، هو أن يكون راتبه معادلاً لراتب رئيس الوزراء... فإذنْ، كل هذه المعركة كانت من أجل المنافع الشخصية والفئوية وبغطاء الوطنية.

إن الظروف الموضوعية القاسية التي يمر بها العراق الجديد هي التي فرضت الديمقراطية التوافقية لأن كل كتلة تصر على المشاركة في السلطة، ويا ليت هناك كتلة تقبل بأن تقود المعارضة الديمقراطية تحت قبة البرلمان كما هي الحال في الأنظمة الديمقراطية الناضجة. ولكن المشكلة أن في حالة عدم مشاركة كتلة ما في السلطة، فستقوم هذه الكتلة بتخريب العملية السياسية برمتها، يعني بالعراقي الفصيح (لو ألعب لو أخرب الملعب).
ولذلك، فعندما فشل الدكتور أياد علاوي في تشكيل تحالف مع أية كتلة أخرى ليكوِّن أكبر تحالف  برلماني يمكنه من تشكيل الحكومة، راح يهدد بالحرب الطائفية، ويلوِّح بتصاعد موجة الإرهاب. وفعلاً حصلت عمليات إرهابية فضيعة بعد الانتخابات، راحت ضحيتها المئات من المواطنين الأبرياء. وهذا يدل على أن بإمكان أية كتلة غير مشاركة في السلطة، تخريب الملعب وأن تحيل الحياة إلى جحيم على الشعب والسلطة.
عامل آخر يفرض التوافقية، وهو أن كل تحالف سياسي يمثل منطقة جغرافية من العراق تسكنها مكونة من مكونات الشعب، فالتحالف الوطني (دولة القانون+ الإئتلاف الوطني) يمثل مناطق من بغداد وجميع المحافظات الوسط والجنوب (ذات الغالبية الشيعية). وكتلة "العراقية" تمثل المحافظات الشمالية الغربية (العربية السنية)، والتحالف الكردستاني يمثل كردستان العراق أي الشمال الشرقي. وبما أنه لم يحصل أي تحالف على الأغلبية المطلقة من مقاعد البرلمان، فلا بد من حكومة المشاركة الوطنية بالتوافق مع التحالفات الأخرى، إضافة إلى العامل الجغرافي والكيان السياسي.

وعليه، فالحكومة حتى ولو تشكلت من تحالفات تضم الأغلبية البرلمانية المطلقة، ليست لها شرعية على أية منطقة أو مكونة من الشعب ما لم تكن تلك المكونة والمنطقة ممثلة في الحكومة. وهذا متبع في أرقى الدول الديمقراطية، وعلى سبيل المثال، عندما حصل حزب المحافظين البريطاني على أعلى نسبة من المقاعد البرلمانية في الانتخابات التشريعية في العام الماضي، ولكن دون الغالبية المطلقة، كما ولم يحصل الحزب المذكور غير مقعد واحد فقط في سكوتلاندا، صرح زعيم الحزب القومي السكوتلندي، ألكساندر سامون، أن حزب المحافظين إذا ما شكل الحكومة لوحده فلا يمتلك أية شرعية لحكم اسكوتلاندا، ونحن في حل من قرارات الحكومة المركزية في لندن. ولم تنحل المعضلة إلا بعد أن تشكلت الحكومة الإئتلافية بين المحافظين وحزب الديمقراطيين الأحرار الذي كان يتمتع بعدد غير قليل من نواب اسكوتلانديين، وتم اختيار وزراء منهم في الحكومة الائتلافية. هذه حالة بريطانيا العظمى، موطن الديمقراطية الحديثة، فكيف بحالتنا العراقية؟ ولذلك نقول في النظام الديمقراطي، لا شرعية للحكومة العراقية على أي إقليم في العراق ما لم يكن ذلك الإقليم ممثلاً في الحكومة.

ولهذه الأسباب، وغيرها كثير، ففي هذه المرحلة التاريخية العاصفة الراهنة، حيث الديمقراطية مازالت ناشئة، لا بد من تبني الديمقراطية التوافق، فهي شر لا بد منه في هذه المرحلة العصيبة، ولكنها أفضل من تخريب الملعب، والعراق محكوم عليه بالاستمرار على هذه الحالة إلى أن يخرج من هذه الإرهاصات، وتتحول الكتل السياسية إلى أحزاب كبيرة ناضجة تضم في صفوفها أعضاء من مختلف المناطق ومكونات الشعب، وتصبح الديمقراطية تقليداً وجزءً لا يتجزأ من ثقافة الشعب العراقي، عندئذ فقط يمكن التخلص من التوافقية، وتشكيل الحكومة من قبل تحالفات أو أحزاب متجانسة، وأحزاب أخرى تقود المعارضة. والعراق مازال بعيداً عن هذه المرحلة في الوقت الراهن.

Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
الموقع الشخصي للكاتب انقر هنـــا




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :