المحابيس ولجنة الغزالي حرب
مقالات مختارة | سعيد السني
السبت ١٢ نوفمبر ٢٠١٦
جميل جدا هو اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي بقضية «الشباب المحبوسين» ظلماً، إذ سبق له إطلاق «وعود» عديدة بالنظر في شأن هؤلاء «المظاليم» بالسجون، ورفع الظلم عنهم، دون أن تتحول هذه الوعود إلى واقع ملموس على الأرض، فيما عدا «عدة مئات» تم إخلاء سبيلهم بقرارات عفو رئاسية، بغير إعلان معايير اختيار أسمائهم دون غيرهم من «المحابيس»، وهم آلاف كثيرة.. الجديد هذه المرة هو الشعور بأن الرئيس لديه رغبة حقيقية في تنفيذ هذا الوعد الرئاسي المتكرر، أو هكذا يحدونا الأمل.. ومن ثم، فقد تشكلت لجنة برئاسة المفكر السياسي الدكتور أسامة الغزالي حرب، لفحص حالات «الشباب المحبوسين» احتياطياً على ذمة قضايا، وتجميع بياناتهم وعرضها على الرئاسة، بالتنسيق مع الجهات المعنية.. ستتوالى على اللجنة قوائم بأسماء وبيانات شباب محبوسين وبينهم «مشاهير» من أحزاب ومنظمات ومصادر عديدة.. هنا يقفز السؤال.. ماذا عن الشباب «المجهولين»، وهم بالآلاف، ممن لا يعرف ذووهم وسيلة لتوصيل بياناتهم إلى اللجنة؟.. هذه واحدة.. أما الثانية.. فهي لماذا أصلا يتم إعداد قوائم بأسماء محددة للإفراج عنهم.. بمعنى أن قواعد العدل والإنصاف توجب أن يكون هناك «معايير موضوعية» ومدروسة من الناحية القانونية يتم تقريرها أولاً، لتكون أساساً لتحديد المفرج عنهم، سواء كانوا شباباً أم أطفالاً أو شيوخاً، وكلنا يعلم يقيناً أن السجون مكدسة بمظاليم، منسوب إليهم اتهامات مختلفة وبعضها مُلفق استسهالاً.. تأكيداً، فإن مسألة «المعايير» هذه لا يمكن أن تفوت قامة فكرية بحجم «الغزالي حرب».. كما أن موضوع قيام اللجنة بـ«التنسيق مع الجهات المعنية» مسألة تحوطها الشكوك والغيوم، فما الذي يُلزم «وزارة الداخلية»، مثلا، بالتعاون مع اللجنة وإمدادها بـ«قوائم المحابيس» والمنسوب إليهم من اتهامات؟ في حين أن «اللجنة» تستمد شرعية وجودها ونشاطها من بضع كلمات وردت في خطاب الرئيس، و«مجرد بيان» صادر عن المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية؟!!، بما لا يلزم الداخلية أو غيرها بشىء، إذ إن التحرك والتجاوب في مثل هذه الحالات يكون بناء على «قرارات»، وليس مجرد خطب أو بيانات إعلامية حتى ولو كانت رئاسية، وهو ما ينبئ بأن «اللجنة» ستواجه صعوبات لا سيما وأن المدى الزمنى الممنوح لها لمعالجة القضية قصير ومحدد بـ15 يوما فقط.
ربما لو توفرت «إرادة سياسية» جادة لدى الرئيس، لكان قد أصدر قراراً بتكليف وزارة الداخلية بالتعاون مع المجلس القومي لحقوق الإنسان، بما يملكه الأخير من رؤية وخبرات وقدرات فنية وقانونية، لتصفية أوضاع هؤلاء المحبوسين احتياطياً، تحت شروط ومعايير محددة، وغني عن التأكيد أن «الداخلية» لو استشعرت جدية هذا التوجه لدى الرئاسة، فإنها لن تتخلف عن التنفيذ.. إذا حدث هذا، فإن «السياق القانوني» الذي يمكن من خلاله الإفراج عن المحابيس احتياطياً، ميسور جداً وسهل.. ذلك أن «أجهزة الداخلية» هي صاحبة البلاغات ضد الشباب وغيرهم، وهي التي أحالتهم إلى النيابة العامة سواء في قضايا التظاهر أو غيرها من اتهامات لا تخلو من المبالغات أحياناً، وعندما قررت «النيابة العامة» حبسهم، فهو بناءً على الاتهامات المنسوبة إليهم من «الداخلية»، ويكون الحل سهلاً متاحاً من الناحية القانونية، وهو أن تتقدم وزارة الداخلية بطلب إلى المستشار النائب العام تخطره فيه بالتنازل عن البلاغات ضد المحابيس المتهمين في قضايا معينة تنطبق عليها المعايير المتوافق عليها بين «القومي لحقوق الإنسان»، و«الداخلية»، وهذا كله وكما أسلفنا القول لا يمكن أن يتم إلا في ظل قرار جمهوري يشرعن مثل هذا المسار الذى نقترحه، وهنا، فإن النيابة العامة لن ترفض إخلاء سبيل مثل هؤلاء المحابيس إعلاءً لمصلحة عامة عليا.. مثال هذا الذي نقترحه يحدث دوما في مجالات أخرى أقل أهمية من الناحية السياسية.. فالنيابة العامة تستجيب لوزارة التموين مثلاً حين تتنازل من آن لآخر عن القضايا المحررة ضد «أصحاب المخابز»، لما تراه في صالح الدولة، رغم ارتكابهم لجرائم مُعاقب عليها بالحبس والغرامة وصدور أحكام عليهم.. تدليلاً على هذا.. فقد أصدر «النائب العام» كتاباً دورياً برقم 1 لسنة 2016، يوم 29 من شهر مارس الماضي، إلى جميع النيابات، بحفظ كافة المحاضر المحررة لأصحاب المخابز البلدية باعتبار أن لا وجه لإقامة الدعوى، وتكليف أعضاء النيابة خلال جلسات نظر هذه القضايا، بطلب تأجيلها إلى أجل غير مسمى، كما طلب إلى المحامين العموم المختصين «إرجاء تنفيذ العقوبات» المحكوم بها ضد المخابز البلدية.. وقد صدر هذا الكتاب الدوري إلى النيابات بناء على طلب الدكتور خالد حنفي، وزير التموين السابق، وهو مسلك لم ينفرد به حنفي (http://www.tahrirnews.com/posts/403625/ )، بل هو معتاد في حالات غرامات زراعات الأرز المخالفة أحيانا وغير ذلك من المجالات.
لو حدثت «انفراجة» لأزمة هؤلاء المحابيس، فإن من شأنها تخفيف حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي الشائعة، ومواربة الباب للخروج من المأزق الخانق المُمسك بالبلاد وناسها.
نسأل الله السلامة لمصر.
نقلا عن المصري اليوم