«كلينتون» و«ترامب» والإخوان
مقالات مختارة | أمينة خيرى
السبت ١٢ نوفمبر ٢٠١٦
يبدو أن الانتخابات فى مشارق الأرض ومغاربها تتشابه أحياناً إلى حد التطابق. ورغم اختلاف الألوان والأعراق والانتماءات، وعمق الجذور الديمقراطية، وتغلغل القوى السياسية، وتطور المراحل الشعبوية، تبقى السياسة لعبة غير قابلة للتوقع. وبعيداً عن الخوض فى تفاصيل عملية الاختيار فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى هى بالغة التعقيد، فإن الشعب الأمريكى فى هذه الانتخابات لم يجد من يحنو عليه بالفعل. ملحوظات عدة أدونها فى السطور التالية من واقع بضعة أيام أمضيتها فى ولايتى إنديانا وأركنسو الأمريكيتين قبل وبعد وأثناء الانتخابات الأغرب والأصعب والأبشع فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، بل وفى العالم بأسره بحكم أنها بوليس العالم أو رقيبه أو مقومه شئنا أو أبينا.
أولاً: المواطن الأمريكى العادى لا يمضى فى الطريق متحدثاً عن داعش وسوريا والأسد والمعارضة المعتدلة المسلحة والجماعات الإسلامية المعتدلة أو المتطرفة «نص نص»، التى يجب أن تحكم الشرق الأوسط حتى تقى العالم شرور الجماعات الإسلامية المتطرفة جداً أو المتطرفة جداً جداً. وهو لم يعد يتطرق كثيراً إلى الحروب الأمريكية على العراق، والاحتلال الصريح والمموه لهذا البلد العربى الممزق. كما لا يعنيه كثيراً ما يجرى فى ليبيا طالما بقيت الجماعات المتصارعة بعيداً عن باب بيته وتأمينه الصحى وفرص عمله.
ثانياً: المواطن الأمريكى لا يتنفس حباً للإخوان، أو يحيا على كراهيتهم. وهو لا يعرف الفرق بين الإخوان وطالبان وبن لادن والشيخ الشعراوى والسنة والشيعة والعلويين والبعثيين وغيرهم. هو يعرف أن جماعة من الناس يسمون أنفسهم «مسلمين» يعتنقون ثقافة قتل بعضهم البعض، وقهر النساء، والجمع بين نساء كثيرات. بل إن البعض منهم يسأل عن سبب مشى الرجل فى المقدمة بينما تلتزم زوجته بالمشى خلفه.
ثالثاً: الناخب الأمريكى من أصول عربية يكاد يكون غير مرئى فى هذه الانتخابات (وعلى الأحرى أية انتخابات أخرى). هم يرون السود، واللاتينوز (من أصول أمريكية لاتينية) والآسيويين. فهؤلاء يجعلون أنفسهم مرئيين، سواء بالمعنى الإيجابى حيث التكتل والتوحد من أجل المطالبة بحقوق، أو بالمعنى السلبى حيث نسب جرائم مرتفعة.
رابعاً: المواطن الأمريكى يختلف عن صورة راعى البقر فى أفلام زمان، أو بوليس العالم فى أفلام الآن الدرامية والممثلة فى المحافل الدولية. بينهم الغنى والفقير، والمثقف والمنغلق على ذاته، لكن تغلب صورة المواطن العادى الذى يبدأ عالمه وينتهى إما عند حدود باب بيته، أو على أول شارعه، أو على أقصى تقدير حدود ولايته، حيث الاقتصاد همه، والتأمين الصحى كابوسه، وفرص العمل أمله.
خامساً: قضايا الهجرة واللجوء التى تريد دول أوروبية أن تسوقها باعتبارها الراعية لها، والداعمة لها لأنها صاحبة القلب الكبير والنخوة الفريدة أصبحت تقلق مواطنين كثيرين، سواء كانوا المواطنين البيض الذين يشعرون فى قرارة أنفسهم أنهم الملاك الأصليون (رغم أنهم ليسوا كذلك ويشهد على ذلك الهنود الحمر) الذين اضطروا للتنازل عن هيمنتهم وسيادتهم لآخرين لا يشبهونهم، أو حتى أمريكيين من غير البيض الذين باتوا يرون فى توافد الأجانب أخطاراً اقتصادية واجتماعية هم فى غنى عنها. بالطبع هناك من يؤمن تماماً بمبادئ المساواة والإدماج والاحتواء والحقوق المتساوية للجميع والتنوع باعتباره نعمة إلى آخر القائمة المعروفة، لكن هناك حالة من الململة الأمريكية الوطنية تجاه موجات الهجرة والنزوح لا سيما من قبل أولئك الذين لا يشبهونهم، أو الذين يأتون بثقافات غريبة وأفكار تبدو بالنسبة لهم واردة من العصور الوسطى ويحاولون فرضها باعتبارها حقاً من حقوقهم فى الاختلاف والتنوع. وكما قالت لى صديقة أمريكية: «البعض يحاول فرض ثقافته علينا عنوة. يريدون لأبنائهم أن يستمروا فى تلقى دروسهم فى المدارس فى عيد الفصح، وأن يفرضوا عطلات جديدة فى أعيادهم. ألم يقل لهم أحد إن هذه دولة مسيحية قبل أن يحضروا إلى هنا؟!».
سادساً: الإعلام صنع هالة هلامية وفقاعة خيالية اسمها «فوز ترامب مستحيل». استخدم الإعلام الأمريكى كل ما يعرفه عن صناعة الرأى العام، وتعديل المعتقدات، وتسيير الناخبين والمتابعين حول العالم فى اتجاه دون غيره. وصنع من «ترامب» بهلواناً، و«ترامب» بدوره لم يألُ جهداً فى توفير هذه الصورة الكوميدية وجعلها متاحة للجميع. ويبدو أن كثيرين قللوا من حجم ترامب وقدرته على الفوز. وقليلون فقط من رأوا فى طريقته الفجة وأساليبه السوقية ما من شأنه أن يجذب فئة عريضة من الناخبين الأمريكيين المتضررين من فوقية كلينتون ونمطية أوباما وجمود البيت الأبيض بصفة عامة لا سيما فى توجهاته نحو الداخل.
سابعاً: المواطن الأمريكى مشغول أيضاً بنظريات المؤامرة. صحيح أنه ليس انشغالاً لكل الوقت، حيث تفاصيل الحياة تدور حولها، أو اتهام كلى لها باعتبارها المسئول الأوحد عن بلاويهم ومآسيهم، لكنهم يلجأون إلى تفسيرات وتبريرات تعتنق منهج المؤامرة، ولكن دون إفراط شديد ما يجعل تصديقها أمراً سهلاً.
ثامناً: طوابير الناخبين طغى عليها الكهول والشيوخ، بينما بقى الشباب فى البيت أو فى الجامعات أو فى أعمالهم. نسبة التصويت بين الشباب لم تكن مرتفعة. وأعداد الرافضين لكلا المرشحين بين الفئة العمرية من 18 إلى 29 عاماً كبيرة. منهم من صوّت للمرشحين المجهولين المنتمين لحزبين مصيرهما كان شبه مؤكد، ومنهم من لم يتوجه أصلاً إلى مراكز التصويت.
تاسعاً: الناخب الأمريكى فى هذه الانتخابات لم يكن مهموماً بقدرة «ترامب» على القضاء على الإخوان، ولا فى إقبال «كلينتون» على إعطائهم قبلة الحياة. فالتسويق الخارجى يختلف عن المحلى كل الاختلاف.
عاشراً: فاز «ترامب» وخسرت «كلينتون» وسبحان من له الدوام.
نقلا عن الوطن