بقلم: عـادل عطيـة
   يوجد للدكتور جورج كاري، رئيس أساقفة كانتربري، كتاباً بعنوان: "كنيسة في السوق"، يتحدث فيه عن كنيسته، التي ليست كالكنائس العادية، إذ بحكم موقعها هي كنيسة في وسط السوق!

   ولأننا شعب، يميل إلى التقليد الأعمى لبعض فرنجيات الفرنجة؛ لنتفرنج مثلهم، فقد قررنا أن تكون هناك: "كنيسة في الهواء"، أو قل: "كنيسة كالهواء"، نشعر بها ولا نراها!

   والحجة في ذلك، والمأخوذة من خيال جامح، هي: أن مبنى الكنيسة، والصليب، والجرس، أشياء تثير مشاعر أخوتنا في الوطن!

   هذا ما دعاني إلى النظر في هذه الثلاثية، التي تفوق ـ كما يتصوّر البعض ـ في أذيتها كل الأذيّات، التي ابتليت بها البشرية، وأعيد رؤيتها من خلال عيني..

   فكلمة كنيسة، أطلقت أولاً على جماعة المؤمنين بالمسيح، قبل أن تطلق على البناء الذي يجتمعون فيه. ولأن مرور أسرة مسيحية في الشارع ـ من وجهة نظر مسيحية ـ، هي كنيسة متحركة.. فلماذا تقبلون بالكنيسة المتحركة، ولا تقبلون بها ثابتة راسخة على الأرض؟!

   وماذا يضير رجال الأمن في بناء كنيسة، مع أن الكنيسة تساند الشرطة في رسالتها، بل وتتفوق عليها؛ فالكنيسة تمنع مجرد التفكير في ارتكاب الجريمة، بينما الشرطة قد تمنع ارتكابها؟!

   أما الصليب، فحكايته حكاية، فكل الذين يعترضون على اعتلائه منارة الكنيسة، لا يجدون حرجاً في استخدامه كعلامة زائد في تعاملاتهم الحسابية، ويقبلونه كعلامة للجهات الأربع: شمال ـ جنوب ـ شرق ـ غرب، ولا أعتقد أنهم سوف يمتنعون عن العبور إلى وجهتهم، إذا ما رأوا مفترقاً للطرق!

   أما الجرس، فيحيرني أمره، فعلاً، فكيف له أن يكون مثيراً للمشاعر، ونحن نستخدمه في مدارسنا، ونستخدمه في محطات القطارات، ونستخدمه في صالات المزادات العلنية، التي تتعامل مع كل ما هو قديم وثمين، وأحياناً ما لايقدر بثمن، تنبيهاً للحاضرين إلى أن القطعة التي يزايدون عليها في طريقها للبيع؟!

   الموضوع، إذن، لا يتعدى كونه: استعلاءاً، وغروراً، وتعصباً جد ممقوت، لا يليق أن ينال من الكنيسة، التي لا تحيا لنفسها بل للعالم، بالصوم، والصلاة!